الأربعاء 26/يونيو/2024

خيوط المؤامرة: من تصريح بلفور إلى قرار ترمب سياقات ودلالات

خيوط المؤامرة: من تصريح بلفور إلى قرار ترمب سياقات ودلالات

مدينة القدس هي على مر التاريخ عربية إسلامية مباركة بالمسجد الذي يتوسطها ومعالمها التاريخية المقدسة وأشجار زيتونها المذكورة في القرآن، وهي أرض حمت وحافظت وحضنت وحققت وظيفتين على مدى التاريخ الإسلامي والحضارة المقدسية، وظيفة المناصرة ووظيفة التعرية.

أولها دور وظيفي تاريخي في مناصرة شعبها وأمتها احتضانا وسكنا وروحا وبوصلة، وثانيها كان للقدس وظيفة ومهمة قوة التعرية عن خونتها ومنافقيها فضحا وكشفا.

القدس اليوم وفي قلبها المسجد الأقصى هي الوكيلة الأولى عن الأمة المتكالب عليها، هي المتحدثة المتكلمة بحديث الوحي وسورة الإسراء الكاشفة لمعالم علو فساد بني “إسرائيل” الذي وصل علوهم الثاني في قرننا هذا إلى أعالي التكالب والتآمر مع كتل غربية وعربية وخصوصا أمريكية للخروج بتصريح ترمبي يقعد للدولة العبرية، ويقوض للحضارة الفلسطينية، ويهدد مقدساتها وأكرم مقدساتها المسجد الأقصى، والمقاومة.

بعد هذا القرار المنبعث من الخبث والعلو الاستكباري الصهيوني والأمريكي والذي كشفت عن خيوطه أرض الإسراء والمعراج في شكل صفقة قرن بين حكام العرب وأمريكا والكيان الصهيوني بات على الدارسين توجيه الأقلام لتفسير مرحلة جديدة من المواجهة بعد مضي مائة عام من تصريح أوروبي بلفوري نجح في زرع الكيان لكن فشل في تهويد كل فلسطين وإخراج أهلها وهزيمة المقاومة.

نرصد إن شاء الله من خلال قراءتنا هذه مراحل الانتقال من عهد إلى عهد، من تصريح إلى تصريح من وعد إلى وعد.

هو رصد يكشف لنا خيوط المؤامرة ومعالم توظيفها كردة فعل عن تهديدات شعبية فلسطينية وأخرى حركاتية للأمة والشعوب العربية والإسلامية تقض مضجع المشروع الصهيوني، وتجعله في محك المواجهة والارتباك السياسي واختلال توازن القوة.

سننظر توضيحا وبيانا لهذه المقاربة السابرة أغوار مرحلة انتقالية في استراتيجية العدو تقابلها بطبيعة الحال مرحلة انتقالية جديدة لقوى الأمة لمواجهة الاستكبار الصهيوني والأمريكي من خلال ثلاث نقط ومحاور:

1ـ المحور الأول : من التوطين إلى التهديد

يرصد المحور الأول مرحلة مائة عام من الاحتلال منذ تصريح بلفور وغايته في التوطين وبناء وطن وقومي يهودي إلى مرحلة التهديد التي أضحى يعيشها اليوم الكيان الصهيوني من خلال مهددين اثنين : القوة الفلسطينية وقوة الأمة.

العدو الصهيوني كباقي المنظومات العنصرية العدائية التي علت في الأرض وفسدت وأفسدت وتوغلت واحتلت هو كذلك اليوم يعيش مرحلة العلو الكبير كردة فعل يخرج فيها أوراقه المبعثرة تخوفا من قوى أضحت تهدد كيانه

2 ـ المحور الثاني : من التمهيد إلى التهويد

المحور الثاني يبرز لنا مرحلة جديدة من خيوط المؤامرة وهو كرد فعل عن هذه التهديدات مما يدفع القوة العالمية الصهيونية إلى التمهيد والتعبيد للتهويد المطلق والشامل لتصفية القضية الفلسطينية بوصلة وأمل الأمة وإنهاء المهددات الداخلية الفلسطينية والخارجية الممثلة في حراك الأمة المناصر للقضية.

3ـالمحور الثالث :معالم التمهيد والتعبيد

هي معالم تنقلنا فهما ووعيا للسبل الشيطانية العدائية التي يتم توظيفها للتمهيد لتصريح ترمب وتنفيذ خطة صفقة القرن.

المحور الأول : من التوطين إلى التهديد

لو نظرنا من أعالي التاريخ والآفاق وتفكرنا في مراحل المواجهة بين الأمة والأمم الاحتلالية العدائية لتعلمنا من التاريخ وعيا وفقها واعتبارا منه في فترات ما قبل انهزام وزوال العدو المتكالب على الأمة ومقدساتها سواء كان هذا العدو صليبيا أو صهيونيا، أن هذا الأخير يخرج أوراقه الشرسة في الأوقات العصيبة ضد الأمة ومقاومتها ومقوماتها ومقدساتها وبوصلتها، سواء عددنا هذه الأوراق كتلا عربية جبانة تتبع وتنقاد ولا تقود، أو أحجاما غربية تلبس لبوس العجل الذي له خوار بروح سامرية صهيونية.

والعدو الصهيوني كباقي المنظومات العنصرية العدائية التي علت في الأرض وفسدت وأفسدت وتوغلت واحتلت هو كذلك اليوم يعيش مرحلة العلو الكبير كردة فعل يخرج فيها أوراقه المبعثرة تخوفا من قوى أضحت تهدد كيانه.

العدو الصهيوني بعد فساده وإفساده في أرضنا المباركة ومسجدها الأقصى و بعد صناعته لكيانات ومنتوجات حاكمة عربية داخل أقطار الأمة تخدم الأجندة الصهيونية الأمريكية هاهو اليوم يجمع أحجامه وكتله الغربية والعربية والعالمية خوفا وهلعا مضطربا لحسم المعركة بتصفية القضية الأم والمصيرية للأمة، فلسطين، وليواجه أمة مناصرة للمسجد الأقصى تيقظت وتجددت أنفاسها وأسرجت قناديلها لتيمم وجهتها نحو القدس وفلسطين بتحرك واحد بفقه ووعي وازن متزن لا يرهبها حاكم أو سلطان ولن يوقفها عن صد هذا العلو الكبير بين الكيان الصهيوني وأمريكا صاد أو مانع.

القوة الشعبية الفلسطينية المقاومة وقوة حركة الشعوب المناصرة لفلسطين هما قوتان هددا المشروع الصهيوني وأعادا قوة التوازن لصالح القضية الفلسطينية والمقاومة

نعم بقدرة قادر و بحكم سنة الله وأمام تغير الأوضاع لصالح أمة نهضت وتجددت معانيها ونظرتها للتغيير والتحرير وتجددت بوصلتها نحو المسجد الأقصى وفلسطين أضحى الكيان الصهيوني يعيش اختلالا وتهديدا حتميا من قبل قوى الأمة بمقاومتها الشعبية الفلسطينية وقوة شعوبها الحركية الطامحة للتحرر من تبعية الاستكبار العالمي الصهيوني الأمريكي ومنتوجاته العربية الديكتاتورية.

القوة الشعبية الفلسطينية المقاومة وقوة حركة الشعوب المناصرة لفلسطين هما قوتان هددا المشروع الصهيوني وأعادا قوة التوازن لصالح القضية الفلسطينية والمقاومة.

فماهي ملامح قوة تهديد الصمود الشعبي الفلسطيني بمعية التفاعل الشعبي العربي والإسلامي على المشروع الصهيوني والتي أفضت إلى إخراجه للورقات الأمريكية والعربية لإعادة التوزان لصالحه؟

يمكننا الجواب على السؤال ببسط عنصرين من القوى المهددة للمشروع الصهيوني وهما :

أولا، قوة الصمود الشعبي : بعد مائة عام من تصريح بلفور، بعد مائة عام من هدية التوطين الصهيوني، بعد قرن من احتلال وتكالب وتمزيق للقصعة والأمة أقطارا وقطعا ممزعة موزعة، بعد قرن من تشريد شعب فلسطيني واجه وقابل الاحتلال “والعلو الفاسد ” بمائة عام من الصمود والانتفاضات والانتصارات، خلص المشروع الصهيوني في المنطقة وغيرها إلى أنه نجح في التوطين وبناء “دولة ” بفضل خيانة ولاة العرب وأنظمة الغرب لكنه لم ينجح في “استكمال الدولة”.

نعم أعلنها شكلا وأسطورة في التوراة والتلمود والمخطوطات والآثار الملفقة المزيفة تاريخيا وسياسيا وثقافيا، لكنه فشل في لي جبروت المقاومة و إفشال حركة شباب الحجارة وجهاد مرابطات بسلاح الله أكبر، وفشل في تهويد كل فلسطين وإخراج أهلها. بل وبعد قرن من التآمر العربي والغربي الأمريكي والصهيوني على القدس وفلسطين وتهجير أهلها زادت قوة الفلسطينيين، وتأجج غضب الشعوب للدولة العازل وعيا منهم أن الكيان الصهيوني وبال وفتنة وفساد دمر المنطقة والشعوب.

بعد مائة عام منذ فترة الإعلان على تصريح بلفور (من 1917 إلى آخر 2017) إلى تصريح وقرار ترمب راح المشروع الصهيوني يفكر فعليا أنه انتقل من فترة الأمن والاستقرار إلى فترة التهديد، فهو مهدد من قبل شعب فلسطيني له إرادة قوية لم تنجح البتة اتفاقيات أوسلو وكام ديفيد من تدجينه وتطبيعه، فضلا مهدد داخل قفص الشعوب العربية والإسلامية الغاضبة التي يمكنها أن تنفجر ضد دول وحكومات هشة مهترئة صنعها الاستكبار الصهيوني الأمريكي.

ثانيا، قوة الأمة المناصرة : مع نهاية عهد سايس بيكو الممزق للأمة أقطارا محددة، ومع نهاية عهد بلفور الذي نجح نسبيا في إضعاف الأمة وشعوبها بزرع كيان داخلها ” اسمه إسرائيل ” فشل في ضرب روح الأمة و داخلها الإيماني والفطري، ومع ظهور شعوب وتحركات عربية تطمح للتحرر من التبعية والاستبداد، وبعد سقوط حكومات في فترة الغضبة الأولى البوعزيزية، في غضون هذه التحولات بات الاستكبار الصهيوني والأمريكي يتوجس من تمدد الحبل على الجرار الذي يمكنه أن يسقط الباقي مستقبلا بثورة الغضبة الثانية على الكراسي والعروش لتحرير شعوب تطمح مستقبلا أن تعيش مستقلة حرة، مما يخول لها في وقت أن تفكر فعليا في إنهاء والقضاء على الكيانات والمنتوجات العربية الصغيرة الفاسدة الحاكمة، وقد تفكر بعدها في التوجه إلى التحرير الأكبر وهو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى تصفية للداء والاستبداد الصهيوني الكبير الذي كان المسبب الأول في بناء أدواء وأسقام استبدادية عربية جعلت الشعوب تعيش قهرا وظلما بفضل الحكومات الديكتاتورية التي قدمت خدمة للحفاظ على استقرار الكيان الصهيوني، الضامن هو كذلك رعاية دائمة للكراسي والعروش بفضل خدمات أمريكا ..

أمام هذين التهديدين والقوتين وهما قوة صمود الشعب الفلسطيني وقوة الأمة المناصرة، بات المشروع الصهيوني يفكر في إخراج ورقات الاستكبار الأمريكي بمعية المنتوجات العربية الخائنة، لعل هذه الورقات تحفظ ماء وجه الاحتلال في المنطقة، و تكمل مشروعه التهويدي بصفقة قرنية تنقذه من التهديدات المستقبلية خصوصا بعد فشل تصريح بلفور في استكمال المشروع الصهيوني لبناء دولة خالية من أي تهديد مقاوم، سواء كان التهديد شعبيا مقاوما منتفضا، أو خارجيا ممثل في تحركات شعبية عربية إسلامية تغضب للأقصى وروح وأمل الأمة.

وهذه خلاصة فكرتنا حول التوصيف والتشخيص الزمني للمواجهة بين العدو الصهيوني والأمة المختصرة من مرحلة التوطين إلى مرحلة التهديد. وهي مرحلة ناقوس خطر ستنتقل بالعدو إلى مرحلة التمهيد. لكن التمهيد لماذا؟

المحور الثاني :التمهيد قبل التهويد

في هذه الفترات المفعمة بتحولات إقليمية ودولية متغيرة الوعود والتصريحات الأمريكية والصهيونية ضد هوية ومقدسات الأمة وتاريخها تتشكل كتل وأحجام أقوى من السابق يخرجها الجبان والعدو الحقيقي للأمة بعد شعوره بزلازل سابقة وقادمة تقودها الشعوب وسوادها الذي ضجر يأسا من خبث الداء الصهيوني وسط الأمة والأرض المباركة.

ما أقدم عليه ترمب بعد الاعتراف بالقدس عاصمة “إسرائيل” هو عنوان نتائج هذا القلق والتوجس الذي تلاه تكتل واصطفاف توج بصفقة القرن بدأت معالمها التدريجية التنفيذية بتصريح أمريكي.

المشروع الصهيوني بعد انهزاماته المتكررة أمام قوة المقاومة الفلسطينية و في معارك سجيل والعصف المأكول وانتصار الحراك الشعبي المقدسي بمعية نصرة الشعوب في أبواب الأقصى تحول إلى كيان أسطوري بدأ يشك في دولته العبرية وإقامتها بشكل كامل، فراح يخرج الكتل الغربية والأمريكية العربية في شكل صفقات تصفوية وقرارات أمريكية متهورة تشكل علو الاستكبار العالمي بمعية روحه الصهيونية.

وما أقدم عليه ترمب بعد الاعتراف بالقدس عاصمة “إسرائيل” هو عنوان نتائج هذا القلق والتوجس الذي تلاه تكتل واصطفاف توج بصفقة القرن بدأت معالمها التدريجية التنفيذية بتصريح أمريكي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات