عاجل

الأحد 04/مايو/2025

دولة الكيان تحمل بذور فنائها

د. عبد الحي زلوم

في رحلة إلى الهند حيث كانت شركتي الاستشارية لها شراكة استراتيجية مع أكبر شركات الهندسة الحكومية في الهند لمراجعة أحد المشاريع المشتركة كان يجلس بجانبي في الطائرة الأردنية التي أقلعت من مطار عمان إلى نيودلهي  رجلٌ لربما في السبعين.

تجاذبنا الحديث كالعادة بين رفقاء السفر. سألني هل أنا من الأردن؟ فأجبته نعم. فقال لي: أنا اسمي عوديد عيران (Oded-Eran) وكنت سفيراً (لإسرائيل) في الأردن بين سنوات 1997 – 2000.  سألته وماذا تعمل بعد التقاعد؟ فقال: أنا أصبحت مديراً لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي . قلتُ مازحاً إذاً أنت من الموساد فأنا أقرأ أحياناً بعض الدراسات والتقارير التي يصدرها المعهد وأكثر أعضائه من رؤساء وأعضاء أجهزة المخابرات. أجابني لا أنا كنت موظفاً في وزارة الخارجية لعشرات السنين وتقاعدت عند انتهاء مدتي القانونية.

إن المشروع الاستعماري الاستيطاني بأيدولوجيته العنصرية هو خارج قوانيين العصر بل وخارج التاريخ ومصيره إلى زوال، خاصة وأن مثل هذا الكيان لا يعتمد على قوته الذاتية أساساً، بل على قوة الولايات المتحدة مادياً وسياسياً وعسكرياً واستخبارياً، وهذه القوة نفسها بدأت بالتآكل .

سألني وما رأيك في حلّ القضية الفلسطينية؟ أجبته بأني لا أرى مستقبلاً لدولة استيطانية تقوم على ادعاءات وأساطير. فسأل وما الحل؟ فأجبته إن طال الزمن أو قصر فمصير مثل هذه الدول الاستيطانية إلى زوال، وهي أشبه ما تكون بدول الصليبيين في بلاد الشام وفلسطين. ولو أردت رأيي بالتفصيل ستجده في كتابي بالإنجليزية ((America a Huge Israel . تغيرت ملاح وجهه وتوقف عن الكلام.

صدف أن رجعت بعد يومين من نيودلهي إلى عمان، وكان على نفس الطائرة حيث أكمل ترانزيت إلى مطار اللد، ولم ينظر أحدٌ منا إلى الآخر أو يتكلم بكلمة.

عند رجوعي علمت أنه كان يرأس الوفد الإسرائيلي المفاوض مع الفلسطينيين بين سنة 1999-2000 وكنت قد قلت له في رحلة الذهاب أن هؤلاء المفاوضين الفلسطينيين لا يمثلون حتى أنفسهم. كما تبين لي أنه كان سفيراً لبلاده لدى الاتحاد الأوروبي والناتو.

إن المشروع الاستعماري الاستيطاني بأيدولوجيته العنصرية هو خارج قوانيين العصر، بل وخارج التاريخ ومصيره إلى زوال، خاصة وأن مثل هذا الكيان لا يعتمد على قوته الذاتية أساساً، بل على قوة الولايات المتحدة مادياً وسياسياً وعسكرياً واستخبارياً، وهذه القوة نفسها بدأت بالتآكل.

أساس هذه العنصرية تنبع من الاعتقاد أن اليهود هم  شعب الله المختار. دعنا نورد هذه القصة . عندما أطلق 30 طالباً من مدرسة يشيفا النار على فتاة فلسطينية لا يزيد عمرها عن 13 عاماً وأردوها قتيلة في شوارع إحدى البلدات الفلسطينية، وقف الحاخام اسحق غينسبيرغ أمام المحكمة الإسرائيلية مبرراً الجريمة بالقول: “ينبغي الاعتراف بأنه لا يمكن المساواة بين دم اليهود ودم غير اليهود. على شعب إسرائيل النهوض والجهر بحقيقة أن اليهودي وغير اليهودي لا يمكن أن يتساويا لا قدر الله. وعليه فإن أي محاكمة تقوم على مبدأ المساواة بين الاثنين إنما هو تزييف للعدالة”.

بعد أن يأخذ شعب الله المختار غرضه من صهاينة العرب سيدوسونهم بالأقدام.

نحن  في عصر العجائب ولكنه لن يدوم. أصبحت الكثير من دولنا دولاً فاشلة. وأصبحت شعوبها في واد وقياداتها في واد آخر وفقدت شرعيتها التي تحافظ عليها اليوم بقوة الحديد والنار، وأصبح التحالف مع الأعداء جهاراً نهاراً. لم يستح من نصبوا أنفسهم ممثلين وحيدين عن الشعب الفلسطيني أن يكونوا حراساً على أمن المستوطنيين والاحتلال.

بالرغم من امتلاكهم القرار الأمريكي وحصولهم على كل ما يأمرون إلا أنهم يعرفون زيف مشروعهم.

بينما كان إيهود أولمرت رئيساً لوزراء الكيان الصهيوني قال: “إن كل من يعتقد بإمكانية الاحتفاظ بكامل مدينة القدس يجد نفسه أمام خيار وحيد هو وضع أكثر من 270 ألف عربي خلف السياج ضمن السيادة الإسرائيلية وهذا خيار غير قابل للتطبيق”.

لحل هذه المشكلة تدعو (صفقة قرنهم) إلى جعل هوية أهل القدس من إحدى بؤر الحكم الذاتي في الضفة الغربية.

وقال: “كنت أول من يرغب في بسط السيادة الإسرائيلية على كامل المدينة. وأعترف بأنني لم أكن مستعداً وقتها للتمعن في أعماق الواقع″.

وقال: “الهدف هو محاولة الاتفاق ولأول مرة، على حدود دقيقة بيننا وبين الفلسطينيين، حدود يعترف بها العالم أجمع″.

وقال: “تشكل إيران قوة عظيمة. والافتراض القائل بأن عجز دول مثل أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا عن معالجة الملف الإيراني بينما يستطيع الإسرائيليون ذلك، وأننا سنفعل هذا الأمر، ليس سوى مثال على افتقار البعض لسائر درجات الوعي والإدراك. “ولكن يا ويل إيران من جنرالات الخليج وجيوشها الجرارة”.

بعد أن قبلت المنظمة الصهيونية بقيادة حاييم وايزمن بقرار بريطانيا بفصل شرق الأردن عن الانتداب البريطاني في فلسطين في بداية العشرينات من القرن الماضي عارض فلاديمير جابوتنسكي ذلك بشدة وأنشأ المنظمة الصهيونية المتجددة التي تطالب بكلا الضفتين، بل ورفع السلاح ضد بعض القادة الصهاينة بفلسطين.  وتطور حزب جابتونسكي ليصبح حزب الليكود لاحقاً والذي ازداد تطرفاً سنة بعد سنة وازداد نفوذاً وشعبيةً.

ومنذ  استلامه الحكم سنة 1977 وهو الأكثر مشاركة في حكم الكيان الصهيوني ونتنياهو من تلاميذ فكر جابوتنسكي، وكذلك أكثر الصهاينة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لأن جابوتنسكي تم نفيه إلى نيويورك وتوفي بها. كما إن جابوتنسكي تصادم مع بن غورين الذي وصف جابوتنسكي مرة بالنازي، ومرة أخرى بالفاشي وهكذا يمكن القول بأن أحزاب اليمين كالليكود هي فاشية ونازية في نزعتها وعنصريتها حتى حسب وصف المنظمة الصهيونية أيام بن غورين.

المطلوب اليوم صهيونياً تصفية القضية الفلسطينية في صفقة قرن أعدها نتنياهو وغُلاة الصهاينة وتبناها بعد ذلك الصهاينة العرب كشهود زور ممن فقدوا شرعيتهم داخل أوطانهم  فقبلوا بالعمالة عسى أن تمد في عمر حكمهم  يوما أو بعض يوم.

دعا جابوتنسكي لبناء حاجز نفسي سماه الحائط الحديدي مع الفلسطنيين والعرب وذلك ليتم ردعهم وإخافتهم إلى الأبد، إلا أنّ هذا الحاجز قد انهار عندما استطاع صبية فلسطين بحجارتهم أن يتحدوا كافة الأجهزة الأمنية، إلى أن جاء دايناصورات أوسلو وخطفوا تلك الانتفاضة، إلا أنّ حكام العرب ما زالوا مرعوبين من حائط جابوتنسكي، بينما وقف طفل في السابعة من عمره متحديا الاحتلال بعد قفزه على دبابة مركافا.

نحن  في عصر العجائب ولكنه لن يدوم. أصبحت الكثير من دولنا دولاً فاشلة. وأصبحت شعوبها في واد وقياداتها في واد آخر، وفقدت شرعيتها التي تحافظ عليها اليوم بقوة الحديد والنار، وأصبح التحالف مع الأعداء جهاراً نهاراً. لم يستح من نصبوا أنفسهم ممثلين وحيدين عن الشعب الفلسطيني أن يكونوا حراساً على أمن المستوطنيين والاحتلال.

وتحالفت أنظمة بعض الدول العربية سرًّا وعلانية مع الأعداء في الوقت الذي تآمروا على أشقاءهم حتى في مجلس تعاونهم. لم يجدوا حرجاً أن يتحالفوا مع الأعداء مع أن قرآننا الكريم يقول (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).” هذا الحال  لن يدوم خاصة في عالم يعاد تشكيله بسرعة هذه الأيام.

في فترة غسيل الدماغ أثناء مرحلة الانتداب والاستعمار بل وأثناء حكم عملائه، علمونا أن صلاح الدين الأيوبي محرر القدس بأنه بطلٌ عربي مع أنه كردي مسلم. علمونا أن قطز وشجرة  الدر وبيبرس  وهم من هزموا المغول والصليبيين أنهم عرب مع أنهم  كانوا أتراكاً أو شراكسة او قفقازيين.

ما يُهمنا القول أن الحضارة العربية الإسلامية قد أصبحت حضارة منتسبيها عرباً كانوا أم أعاجم، وأن تفكيك الأمة وتثبيت الفرقة يتم باستبعاد هذه الحضارة عن الواقع عبر غسيل الدماغ.

كان الاستعمار الصليبي الاستيطاني أشبه بالاستعمار الصهيوني الاستيطاني شكلاً وموضوعاً، وبدليل أن المسيحيين في فلسطين وبلاد الشام حاربوا الصليبيين مع جيوش المسلمين، وكانت بلاد الشام التي احتلها الصليبيون محكومةً من إمارات ما أشبهها بإمارات ودويلات ومشيخات اليوم. تحالفت كثيرٌ من الإمارات مع الصليبيين كما يتحالف أمراء اليوم مع الصهاينة.

الذين حرروا القدس مرتين لم يكونوا عرباً والذي رفض مقايضة بناء مستوطنات يهودية في فلسطين مقابل شطب ديون دولته بالكامل لم يكن عربياً. فهل من سيحررها سيكون من  العرب أم من غير العرب الذين انتسبو إلى الحضارة العربية الإسلامية؟

وجد صلاح الدين الأيوبي أن المشكلة هي من الداخل الذي يتوجب إعادة تشكيله قبل محاربة الأعداء. بدأ بتوحيد مصر مع بلاد الشام، ثمّ بدأ بتنظيف المتعاونيين مع الأعداء في الداخل. استمرت حربه ضد هؤلاء 33 شهراً بينما كانت حربه ضد الصليبيين 13 شهراً فقط.

لو كان صلاح الدين المسلم الكردي حيًّا اليوم لقاتل من يدعو إلى الفرقة والانفصال كردياً كان أم عربيا، سنياً كان أم شيعياً.

لعل قوة الحضارة العربية الإسلامية بأنها هي لمن ينتسب إليها يتبين وضوحه كثيراً في حالة المغول. بعد أن هزم المغول الخليفة العباسي وعملوا من جماجم أهل بغداد جبلاً، وجعلوا من حبر مكتباتها لوناً للنهر الذي رميت فيه الكتب، كتب المغول إلى قطز في مصر طالبين منهم الاستسلام وإلا سيلحقه بما لحق الخليفة العباسي. جهز قطز جيشاً وقال للمغول نراكم بالمعركة، وهزم المغول في عين جالوت بفلسطين.

مغسولو الدماغ أو العملاء يقولون اليوم ما لنا ومال فلسطين. فلسطين هي خط الدفاع الأول عن مصر . هكذا كانت في التاريخ وستبقى كذلك للأبد.

المطلوب اليوم صهيونياً تصفية القضية الفلسطينية في صفقة قرن أعدها نتنياهو وغُلاة الصهاينة، وتبناها بعد ذلك الصهاينة العرب كشهود زور ممن فقدوا شرعيتهم داخل أوطانهم، فقبلوا بالعمالة عسى أن تمد في عمر حكمهم  يوما أو بعض يوم.

الذين حرروا القدس مرتين لم يكونوا عرباً، والذي رفض مقايضة بناء مستوطنات يهودية في فلسطين مقابل شطب ديون دولته بالكامل لم يكن عربياً. فهل من سيحررها سيكون من  العرب أم من غير العرب الذين انتسبوا إلى الحضارة العربية الإسلامية؟

حقيقة الأمر أن قوة أعدائنا هي في فرقتنا وتخلينا عن حضارتنا، فأصبحنا كالغراب الذي أراد ان يمشي كالحمامة فلا حمامة أصبح ولا غراباً.

المصدر: الرأي اليوم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات