فشل سياسي بنكهة وطنية

“سنرد عليهم..”، قالها الرئيس عباس بنبرة الواثق أمام المجلس المركزي الفلسطيني المنعقد في رام الله (15 كانون الثاني/يناير) فاستبشر الناس، وبدأ المروّجون المتربّعون على موائد السياسة يتوعّدون واشنطن والاحتلال بخطوات عظيمة تسارع في عزلهم دولياً، فجاءت قرارات المجلس المركزي معبّرة عن رغبة الرئيس عباس في مواجهة العابثين بالقدس وبحق العودة المقدّس، بوقف التنسيق الأمني (المُسَمَّى خيانة وطنية وفقاً للمادة 14 من القانون الثوري الفلسطيني) مع من يحتل الأرض ويدنس المقدسات ويقتل الإنسان، والتخلص من التبعية الاقتصادية للاحتلال التي كرّستها اتفاقية باريس، إضافة إلى الطلب من اللجنة التنفيذية النظر في “تعليق” الاعتراف بدولة “إسرائيل” إلى حين اعترافها بدولة فلسطين العتيدة.
ظاهر تلك القرارت يبدو جميلاً ومعبّراً عن روح الاستقلال الوطني، والرغبة في حماية مصالح الشعب الفلسطيني، برفض قرار الرئيس ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، وبرفض الوساطة الأمريكية في عملية التسوية السياسية باللجوء إلى المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية مقدمة لاستعادة الأرض والقدس والحقوق الوطنية المسلوبة.
خلاف الظاهر من القول ومن قرارات المجلس المركزي نشاهد حالة انفصام عن الواقع السياسي، خادعة للذات، تكرر نفسها كل حينٍ كُلّما عجزت السلطة الفلسطينية وقيادتها عن إحراز تقدم ولو شكلي في المسار السياسي، أو كلّما وجه الاحتلال لها ضربة موجعة، فتولّي وجهها نحو المجتمع الدولي والشعب الفلسطيني بمواقف وقرارات وطنية الطابع، مكررة وممجوجة لدغدغة مشاعر الناس ولتورية سوءة المسار السياسي الفاشل منذ نحو 30 سنة.
يدرك الجميع أن المجلس المركزي أخذ قرارات مشابهة في العام 2015 وعجز عن تنفيذها لارتباط وجود السلطة الفلسطينية عضوياً باتفاقيات أوسلو وإفرازاتها؛ فالتنسيق الأمني يُعد سراً من أسرار بقائها في عين الاحتلال وثمناً مطلوباً لاستمرارها، ففي أقل من أسبوع منذ إعلان وقف التنسيق الأمني تواترت الأنباء عن تعاون أجهزة أمن سلطة أوسلو مع جهاز “الشاباك” والأجهزة الأمنية الصهيونية في الكشف عن الخلية الفلسطينية التي قتلت الحاخام المستوطن (رزيئيل شيبح) في محافظة نابلس، ما أدى لاقتحام جيش الاحتلال مخيم جنين ليل الخميس 18/1/2018، وتنفيذ عملية كبيرة من أجل قتل أو اعتقال أفراد الخلية الفدائية، لكنهم عادوا خائبين.
فإذا كان هذا هو واقع الحال بالنسبة للتنسيق الأمني، فكيف لسلطة أوسلو أن تتحلل من اتفاقية باريس وعلاقتها الاقتصادية بالاحتلال الصهيوني الذي يتحكم بـنحو 54% من موازنة السلطة الفلسطينية عبر جبايته للضرائب باسمها، ناهيك عن تحكمه في كافة الممرات التجارية بين الضفة الغربية والعالم الخارجي، في الوقت الذي لا تبذل فيه تلك السلطة وأجهزتها العتيدة أية جهود معتبرة لحماية الاقتصاد الفلسطيني من تغوّل الاحتلال الذي يصادر أفضل الأراضي الزراعية التي تمثّل أحد أهم مصادر الدخل للفلسطينيين، هذا بالإضافة إلى إهمالها وتقصيرها في توفير شبكة أمان عربية إسلامية لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يتعرض لحصار خانق تشارك فيه سلطة أوسلو نكاية في حركة حماس ومحاولة لنزع سلاحها تحت شعار سلطة واحدة وسلاح واحد، ما يترك الشعب الفلسطيني نهباً للاحتلال وسيف المساعدات الأمريكية.
على أهمية إعلان واعتراف العالم بالدولة الفلسطينية، إلا أنه لا يساوي الحبر الذي يكتب به ما لم يتم استعادة الأرض، وعودة الفلسطيني إلى أرضه التي هجّر منها، وهذا ما لم تنجح به سلطة أوسلو التي ترفض إعلان فشلها أو فشل مسارها السياسي.
إن محاولات الخداع الذي تمارسه القيادة بإيهام الفلسطينيين باقتراب تحقيق حلم الدولة والاستقلال الوطني، بدون الأرض، وبدون القدس، وبدون العودة، تكاد تدمر القضية الفلسطينية، لأنها تحوّلت إلى مسكّنات تحول دون المواجهة الحقيقية للاحتلال الذي يسارع في سرقة الأرض، وتهويد القدس، الأمر الذي يستوجب التوقف عن سرقة أحلام الناس بخداعهم عبر شعارات وطنية فارغة المحتوى والمضمون.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ102 على التوالي
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ102 على التوالي، ولليوم الـ89 على مخيم...

أطباء بلا حدود: إسرائيل ترفض دخول طواقم طبية لغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ترفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي دخول الطواقم الطبية الدولية إلى قطاع غزة، في ظل الحاجة الملّحة لإمكانات وقدرات طبية...
من قتل شرين؟ وثائقي أمريكي يكشف هوية الجندي الإسرائيلي قاتل أبو عاقلة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام لأول مرة، كُشف الستار عن الجندي الإسرائيلي قاتل مراسلة قناة الجزيرة شرين أبو عاقلة، وذلك في فيلم وثائقي استقصائي...

الدفاع المدني يعلن توقف 75% من مركباته في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني اليوم الخميس، عن توقف 75% من مركباته في قطاع غزة؛ بسبب شح الوقود. وأفاد الدفاع...

عشرات المستوطنين يدنسون ساحات المسجد الأقصى
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم عشرات المستوطنين، صباح اليوم الخميس، باحات المسجد الأقصى المبارك، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال...

10 أعمال للمقاومة في الضفة خلال 24 ساعة
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام تصاعدت أعمال المقاومة بالضفة الغربية المحتلة، خلال الـ 24 ساعة الماضية، ورصد مركز معلومات فلسطين "معطى"، تنفيذ...

الإعلامي الحكومي: نرفض مخططات الاحتلال لإنشاء مخيمات عزل قسري بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام رفض المكتب الإعلامي الحكومي، بشكل قاطع المخططات الإسرائيلية لإنشاء مخيمات عزل قسري تشبه الغيتوهات النازية، معتبرًا...