الأحد 11/مايو/2025

قراءة سريعة في عملية نابلس حافات جلعاد

ياسر مناع

إحدى وعشرون أو اثنتان وعشرون رصاصة ليس المهم هنا كم عدد الرصاصات التي انهمرت على سيارة (الحاخام رزيئيل شيفاخ ) فأردته قتيلا ، ولكن المهم أنهم أعادوا لقضية القدس فاعليتها وجعلتها تعود لصدارة الأحداث اليومية بعد فتور في الحراك الجماهيري الخجول واطمئنان إسرائيلي بقصر اليد وقلة الحيلة ، كما أربكت حسابات الحكومة الإسرائيلية والتي ترزح تحت وطأة الأزمات و لا سيما رئيس وزرائها الذي تلاحقه تهم الفساد من كل حدب وصوب ، فيما جعلت قرابة نصف مليون مستوطن يبيتون في ذعر ورعب .

والميزة في هذه العملية من حيث اختيار المكان فهو الذي يعرف بحيوته ونشاط حركة السير لكلا الطرفين وربطه لعدة مناطق ومستوطنات مع بعضها البعض ، عدا موقعه بين نقطتين دائمتين تتبع للجيش الاسرائيلي ، لذلك من الصعوبة بمكان ابقاء الشارع مغلقاً أمام حركة السير لفترة طويلة ، وإذا لجأ الجيش لإتخاذ تدابير أمنية أكثر شدة فهي بهذا لا توثر على حركة الفلسطينين فحسب بل توثر على حركة المستوطنين ايضاً .

واذا نظرنا الى جانب التوقيت في العملية فنرى أنها جاءت في توقيت حساس ، حيث جاءت في ظل تقارير نشرها الجيش الاسرائيلي تشير إلى انخفاض معدل العمليات فحسب الاحصائيات المنشورة فإنه وفي عام 2017 وقعت قرابة 99 عملية قتل فيها 20 إسرائيلياً مقارنة مع 269 عملية في عام 2016 ، إضافة الى الارتياح الاسرائيلي وإن كان ليس بصورة علينة من طبيعة الحراك الجماهيري الرافض لقرار ترمب و انحصارها في مواقع محددة مثل حاجزي حوارة في نابلس وبيت ايل في رام الله و مخيم العروب في الخليل .

أما عن طريقة التنفيذ التي حظيت بإهتمام كبير من قبل الجيش و وسائل الاعلام والتي لم تأخذ من الوقت الا أربعين ثانية ، و انسحاب المهاجمين من المكان بالإضافة إلى انهم مجهولي الهوية فهما سببان اوجدا الأرباك والتخبط في الموقف الاسرائيلي الرسمي والميداني ، فنراه يحمل حركة حماس وبعض قادتها من خارج الضفة كعضو مكتبها السياسي ماهر عبيد المسؤولية عن العملية تارة و السلطة الفلسطينية و حركة فتح وبعض قادتها مثل عضو لجنتها المركزية محمود العالول تارة أخرى ، ويفهم من تصريحات القادة الأمنيين الإسرائيليين أن هنالك تخوف من احتمالية حدوث المزيد من العمليات مجهولة المكان و التوقيت .

هذه العملية ومنذ لحظتها الأولى غيرت بعض الحسابات الا اني ارى انها لن تكون مفجرة لانتفاضة شعبية كما يتخيل البعض ويتمنى ، بل هو حدث ان لم يرادفه احداث على الارض وليس شرطا أن يكون مماثل – سوف يبقى حدث عادي غير مفصلي يسجل في تاريخ المقاومة الفلسطينية – حتى تتدحرج الأحداث نحو انتفاضة شعبية ، لأن قرارات سياسية أو تصريحات الإعلامية لا تكفي ، فإذا ما عدنا الى عامين ونيف من الان وقرأنا أحداث عملية إيتمار وما تلتها من احداث نجد أنها سرعان ما خبت- اذا ما قارناها بعمر الانتفاضات والثورات – لعدم توفر المؤازرة الشعبية المطلوبة و الاحتضان التنظيمي وهما عاملان اساسيان في الاستمراية .

و أما على الجانب الاخر لصورة الأحداث فأرى ان نتنياهو شخصياً سوف يقتنص الفرصة – وإن كانت هذه العملية قد جعلته في مأزق سياسي وخصوصاً امام معارضيه – إلا أنه قد يعمل على إبعاد الأضواء عنه ولو حتى قليلا ومحاولته إقناع الشارع الإسرائيلي بأن هناك ما هو أهم من ملفات الفساد ألا وهو الإرهاب على حد وصفه ، بالإضافة إلى مصادقته على بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية و مصادرة الأراضي إرضاءاً لليمين الذي يمثله وكخطوة عملية متناغمة مع قرار اليكود ضم الضفة الغربية و الجدير بالذكر هنا أن المغتصبة الصغيرة التي يسكنها القتيل هي غير شرعية بالمعاير الاسرائيلية -ونرى أن الاستيطان والاحتلال كله غير شرعي – حيث تم بناءها عام 2002 وصدر قرار من المحكمة الاسرائيلة بإخلائها قبل عدة أعوام ، فمن الممكن إذاً ان تقوم الحكومة بشرعنتها بل وربما بدعمها مالياً والعمل على توسيعها وتشجيع السكن فيها إرضاءاً لعائلة القتيل وسكانها .

الاسئلة كثيرة والتحليلات أكثر ولكن أود الختام بسؤالين مهمين :

السؤال الأول هل من الممكن أن تعيد الحكومة الإسرائيلية حساباتها وتعاملها و إن كان على ارض الواقع بعيداً عن التصريحات الاعلامية و الأضواء حول قرار الرئيس الامريكي باعلان القدس عاصمة لها ؟

السؤال الثاني هل ارادت السلطة بموقفها توجيه رسالة للاحتلال بان هذه الأحداث هي نتيجة طبيعية لسياساته وصلفه وأن موضوع إنهيار التسوية وموضع القدس ليس باللعبة ؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات