الثلاثاء 06/مايو/2025

حماس على المقاس !!

عامر المصري

ثمة حقيقة غائبة على الأذهان في ضوء التصاعد العاطفي الأهوج وحكم الأهواء المسيطر على الفضاءات العربية عموما والفلسطينية خصوصا، مفادها أن البيئات السياسية في النطاقات كافة تحكمها معادلات المصالح، والتي تشكل عاملا محوريا في رسم طبيعة علاقاتها الداخلية والخارجية.

ولعل هذه الحقيقة تشكل مدخلا مهما في فهم سلوك الوحدات السياسية -أحزابا ونظما-، تلك الوحدات التي تسعى جاهدة وبكل الوسائل الممكنة للبقاء على قيد الحياة السياسية، ومزاحمة المنافسيين بغية تحقيق غائيتها بالوصول لسدة الحكم لتطبيق برنامجها، أو إدامة بقائها في رأس الهرم عبر نسج علاقات مصلحية في النطاق الداخلي والخارجي.

ومعادلة المصالح تلك لم تنطو يوما على مقاربة كبيرة للمنظومة الأخلاقية والقيمية، بل كانت على الدوام تحفل بالبراغماتية الفجة وفنون الكذب والمراوغة والمواربة والضبابية والتعويم، في ضوء عالم يعيش “حالة فطرة” بمعنى عالم متوحش تحكمه شريعة الغاب والبقاء للأقوى والسيادة لم يملك أوراق القوة .

لم تكن حماس يوما جسما سياسيا – اجتماعيا شاذا عن الحالة السائدة، ولم تنتهج يوما سلوكا لا يتلاءم بحال مع أعراف السياسة وخصائصها، وإلا كان مصيرها الاضمحلال والزوال -رغم اعترافي بأنها كثيرا ما كانت تخسر وتتأزم بفعل مواقفها التي تكتسي طابعا أخلاقيا مبالغا فيه

وأمام خصائص العالم السياسي تلك كان لا بد من أدوات تتلاءم مع كنهه، وذات نجاعة كبيرة، كي تصمد أمام مخططات المحاور، وخبث المنافسين وفجورهم، والمنافسة القائمة على كل أنواع الدسائس والتآمر.

وفي ضوء ذلك، لم تكن حماس يوما جسما سياسيا – اجتماعيا شاذا عن الحالة السائدة، ولم تنتهج يوما سلوكا لا يتلاءم بحال مع أعراف السياسة وخصائصها، وإلا كان مصيرها الاضمحلال والزوال -رغم اعترافي بأنها كثيرا ما كانت تخسر وتتأزم بفعل مواقفها التي تكتسي طابعا أخلاقيا مبالغا فيه-.

لكن الحركة والتي شكلت في العقود الأخيرة حالة فريدة في النسق العربي، بفعل مقاومتها الخلاقة للاحتلال الصهيوني، ارتسمت في أذهان الشارع العربي بعلائق طهورية وقداسية أثقلت كواهلها، وجعلتها رهينة “المثالية الأفلاطونية” التي أراد الوعي العربي أسرها بها.

في مقابل ذلك، كان ذاهلا أن الاجتماع العربي وفي غمرة جعل حماس رهينة لأهوائه وأمياله تغاضى عن محاكمة النماذج السياسية التي أفرزها، ورفض بشكل سريالي مقاربة حركة حماس للسياسة وأعرافها .

فحماس وفي غمرة خوضها لمعركة تحررية ضد الكيان الصهيوني، تخلى عنها عمقها العربي في الآونة الأخيرة، وتآمر عليها، وتكالب عليها البعيد والقريب، مطالبة وفق وعي بعض الشرائح العربية الحالم والساذج، بقطع كل حبائل النجاة وإغراق نفسها، وعليها أيضا بتر أي سلوك سياسي يجعلها تتقاطع مع من يدعمها ويشكل رافعة لصمودها كونه وفق تصنيفات ذلك الوعي “عدو” أو “خصم طائفي – سياسي بغيض”.

ولعل الهجوم الأخير الذي شنته نخب سورية وخليجية على الحركة بذريعة رفض تقارب الحركة مع إيران كونه يسيء للثورة السورية، عبر بشكل جلي عن انتهازية الوعي العربي وإصراره الفجّ على زجّ حماس وحدها في خانة الأخلاقيات المتخيلة والمجافية لأبجديات الواقع.

لكن الحقيقة أن هذا الهجوم نفسه لم يتحلَّ بأي بعد أخلاقي ولم يقع في دائرة المنطق، فالمستوى السياسي للثورة السورية ذاته لديه تحالفات مع نظم والغة في دماء ملايين البشر في العالم “أمريكا – بريطانيا”، وتخلى عن راديكاليته الثورية وجلس مع نظام الأسد بغية شرعنته في النطاق الإقليمي والدولي ، بسلوك يكتسي براغماتية نفعية لا تقر لمبادئ الثورة السورية بصلة!!.

فحماس وفي غمرة خوضها لمعركة تحررية ضد الكيان الصهيوني، تخلى عنها عمقها العربي في الآونة الأخيرة، وتآمر عليها، وتكالب عليها البعيد والقريب، مطالبة وفق وعي بعض الشرائح العربية الحالم والساذج، بقطع كل حبائل النجاة وإغراق نفسها 

علاوة على إصراره (على) التقاطع مع العدو الصهيوني، من خلال تجريمه لمحاولات حركة حماس تدعيم صمودها وامتلاكها أوراق قوة تعينها في حربها مع المحتل، في مقابل التخلي عنها عربيا.

ولعل الأنكى من ذلك أن أحد أسباب أزمة حماس الحالية موقفها الأخلاقي من الثورة السورية، والذي كلفها خسارة حلفائها في المنطقة لسنوات عديدة، في مقابل حالة شعورية عربية لم تتجاوز القلوب ولم تقدم لحماس أي دعم حقيقي.

إن هذا الوعي العربي المفترض والذي يشنّ هجوما لا أخلاقيا ولا عقلانيا على الحركة، مطالب أكثر من أي وقت مضى بالخجل ولجم الأفواه، كون حركة حماس تخوض حرب الأمة اليوم وتدافع عن أهم مقدساته في ظل تخاذل رسمي منقطع النظير.

كما أن حركة حماس مطالبة وبشدة بانتهاج خط سياسي متزن وامتلاك أدوات عقلانية تخدم مشروعها والقضية الفلسطينية، دون التفات إلى المراهقة السياسية والفكرية والشبوب العاطفي الذي يتسبد بعقول كثير من النخب العربية المأزومة أصلا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...