لماذا تماطل السلطة الفلسطينية في إتمام المصالحة؟!

(1)
من الواضح أن سياسة نتنياهو تجاه فلسطين والفلسطينيين بما في ذلك القدس والأقصى المبارك بالطبع، تعتمد على عناصر أساسية:
الأول، العمل مع كل القوى المحلية والإقليمية والدولية على بقاء الشرخ قائما بين جناحي الوطن: قطاع غزة والضفة الغربية. رغم أن الحديث في هذا الموضوع قديم، إلا أنه أصبح أكثر رسوخا في الفترة الأخيرة في ظل ما تتناقله وسائل الإعلام والدوائر السياسية من تفاصيل حول ما يسمى بصفقة القرن، والتي تستهدف النيل من القضية الفلسطينية وتفريغها من مضامينها الوطنية وتصفيتها لمصلحة حلول بعيدا عن فلسطين الوطن والهوية.
الثاني، الحرص على بقاء السلطة الفلسطينية كوكيل للاحتلال الإسرائيلي لا أكثر. حتى تحقق إسرائيل هذا الهدف نراها تسعى دائما وبشكل منهجي لمحاصرة السلطة الفلسطينية وتقليم سلطاتها ونزع اختصاصاتها الوطنية الكبرى الا ما كان له علاقة بتقديم الخدمات البلدية التي كان يقدمها الاحتلال الإسرائيلي قبل اتفاق أوسلو. السلطة الفلسطينية بعد نحو 24 عاما من توقيع اتفاق أوسلو، أصبحت والعدم سواء في ظل تغول الاحتلال في مصادرته للوطن واستيلائه على المقدسات وتوسيعه للمستوطنات وإمعانه في التمسك باللاءات الشهيرة التي بدأ الحديث عنها بشكل غير مسبوق: لا للانسحاب لحدود الرابع من حزيران، لا للانسحاب من منطقة غور الأردن، لا للتخلي عن أي شبر من القدس الكبرى الموحدة (عاصمة إسرائيل الأبدية!!)، لا لعودة اللاجئين، لا لأي نوع من السيادة الفلسطينية الوطنية بين البحر المتوسط ونهر الأردن، وأخيرا لا لإقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، وهو الموضوع الذي سيتخذ بصدده مركز حرب الليكود قرارا ملزما في دورة انعقاده القريبة جدا، بدعم وتوجيه كاملين من نتنياهو وقادة حزب الليكود، والذي يُعتبر بكل المعايير نسفا كاملا لأسس عملية السلام كما يفهمها الفلسطينيون ودول العالم، وتقويضا لكل الجهود المبذولة دوليا للوصول بمنطقة الشرق الأوسط إلى شاطئ الأمان، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه بغير حل عادل وشامل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني – العربي على أساس الشرعية الدولية.
الثالث، حرص إسرائيل الدائم على ان يظل احتلالها لفلسطين الأقل تكلفة على الاطلاق، بالرغم من أنه الأكثر وحشية وقسوة، بل هو الاحتلال المباشر الوحيد الباقي في العالم في القرن الواحد والعشرين. تسعى إسرائيل وحكوماتها وخصوصا الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو من خلال هذه الرؤية الى صيانة احتلالها وتطويره وتعميقه من غير ان يكلفها كثيرا، على أن يظل الحمل الأكبر على كاهل السلطة الفلسطينية التي باتت جسدا بلا روح بفعل السياسة الإسرائيلية، والتي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى صيانتها أيضا بقدر ما تخدم مصالحه لحين لفظها تماما وإلقائها جثة هامدة حينما يحين الوقت المناسب.
رابعا، ليس هنالك كالاحتلال الإسرائيلي البغيض في قدرته على اللعب على عنصر الزمن واستثماره بالكامل لتحقيق أهدافه وإن تدريجيا، مستغلا حالة الانحطاط العربي والتواطؤ الدولي كغطاء لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وفرض واقع جديد على الأرض يكرس هيمنته الكاملة على فلسطين ويُحْكِمُ قبضته عليها، وذلك تحت غطاء كثيف من ضباب عملية سلمية بات من الواضح انها ليست أكثر من كِذْبَةٍ كبرى وعملية خداع عظمى لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا.
(2)
هذه الأسس التي ترتكز اليها سياسة حكومة نتنياهو الحالية يتفق معه فيها زعيما حزبي يش عتيد/هنالك مستقبل (يائير لبيد)، والمعسكر الصهيوني/حزب العمل (آفي غباي)، واللذان دخلا في الايام الأخيرة في سباقِ
تصريحاتٍ محمومٍ على أثر قرار (ترمب) بخصوص القدس، أكدا فيها على انهما لن يتنازلا عن أي شبر من القدس الموحدة لمصلحة الفلسطينية حتى لو عنى ذلك ألا يكون هنالك سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين! لذلك فهي تحظى تقريبا بإجماع إسرائيلي إلا من اختلافات تجميلية محدودة جدا لا يمكن ان ينبني عليها أي أمل في التوصل الى حل للقضية الفلسطينية مع أي من الفرقاء الإسرائيليين لا في الحاضر ولا في المستقبل.
لا يحتاج المراقب العادي الى ذكاء حاد لرصد هذه الأسس للسياسات الإسرائيلية تجاه فلسطين، ناهيك عن سياسيين فلسطينيين (الرئيس أبو مازن وطواقم مفاوضاته المزمنة) الذين خبروا الإسرائيليين على مدى عقود من الزمن عبر مفاوضات عبثية لا نهائية، واطلعوا مباشرة على الكوارث غير القابلة للإصلاح التي تسبب بها المفاوضات السلمية للقضية الفلسطينية منذ التوقيع على أسلو وحتى الان، والتي تكاد تجعل من حلم إقامة الدولة الفلسطينية ضربا من الخيال.
لخص هذا الوضع المأساة/الملهاة حوار جرى في حضور وفد الحركة الإسلامية أثناء زيارته للرئيس ياسر عرفات – رحمه الله – كنت حاضرا فيه، وسط ركام المقاطعة التي دمرتها إسرائيل خلال حربها على الضفة الغربية في العام 2002 (السور/الدرع الواقي) التي لم تبق للرئيس الفلسطيني من المقاطعة (مقر الحكومة الفلسطينية) سوى غرفة اجتماعات صغيرة ومطبخ وغرفة نوم صغيرة ووحدة حمامات.
بينما نحن نتحدث مع عرفات وإذا بالسيد صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين يدخل علينا غرفة اجتماعات الرئيس. بادر الرئيس عرفات كعادته في بساطة ملفتة بالقول: انظروا، سَلَّمْتُ ملف المفاوضات لهذا الرجل (يعني عريقات) الذي ترونه امامكم، فانتهيت الى ما ترون! انتهيت الى غرفة ونصف يهددني الإسرائيليون باقتحامها في كل لحظة!
اجترع (عريقات) ريقه (كما نقول في لغتنا الفلاحية) وحاول جاهدا إخفاء حرجه الذي لاحظناه بوضوح، الا انه استعاد توازنه فجأة ولجأ الى أسلوب الدعابة إبعادا لشبح الجدية فقال لعرفات: يا سيادة الرئيس، لو سَلَّمْتَ الملف لغيري ربما لم يبق لك حتى هذه الغرفة والنصف التي تتحدث عنها!
هذه قصة حقيقية وقعت وكنت شاهدا عليها شخصيا، تلخص مأساة المفاوضات التي سرقت من الشعب الفلسطيني وطنه ومقدساته والقت به عميقا في بئر سحيق من اليأس والإحباط ليس له قرار. ربما لم يرد (عرفات) – رحمه الله – بملاحظته ان يُحمل (عريقات) مسؤولية فشل المفاوضات، وربما قال ما قال بصورة مازحة، الا انه أنه عَبَّرَ بكلماته تلك وبكل الصدق الذي في العالم عن حقيقة ما حصده الشعب الفلسطيني من سنوات المفاوضات العبثية.
(3)
باتت صورة الوضع الفلسطيني واضحة أكثر من أي وقت مضى في مرحلة (السقوط الحر!) التي يعيشها العالم العربي، والذي جَرَّأ الرئيس (ترامب) على اتخاذ قراره الأخير بخصوص الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وبدء الاستعدادات لنقل السفارة الامريكية بناء عليه من تل أبيب الى القدس المحتلة، ضاربا بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومستهترا بمشاعر مليار ونصف المليار مسلم حلو العالم، ومتنكرا للحقوق الفلسطينية المشروعة التي تقرها الشرعية الدولية.
ترامب ونتنياهو لم يعودا يحسبون للمجتمع الدولي حسابا، فهما يقفان وحيدين تقريبا في وجه العالم مُصِرَّيْنِ على المضي في طريق تحديهما هذا حتى النهاية ودون ان يرف لهما جفن! إنهما مطمئنان تماما إلى ان الموقف الدولي الحالي المندد بالقرار الأمريكي ليس الا ضريبة كلامية يدفعها رفعا للعتب ليس أكثر، بينما هو يرى العالم العربي والإسلامي في أغلبه الساحق يغرق في مستنقع آسن من العجز لم يكتف فيه بالتخلي الفعلي عن مسؤولياته تجاه ام القضايا العربية والإسلامية: القدس والاقصى وفلسطين، بل تجاوز ذلك الى مرحلة خيانية غير مسبوقة من التواطؤ والتآمر مع أعداء الامة لدك ما تبقى من قلاع صمودها الأخيرة.
صحيح ان 14 دولة صوتت في مجلس الامن ضد قرار ترامب، ووقفت أمريكا وحيدة في مواجهة العالم لتسقط القرار بالفيتو.. وصحيح أيضا ان الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت قرراها بأغلبية كبيرة جدا برفض قرار ترامب، مؤكدة على مجموعة القرارات التي اتخذت منذ العام 1967 وحتى 2016 والتي ترفض الاحتلال وممارساته وتعتبرها باطلة شكلا ومضمونا. الا أن اربع مسائل ازعجتني رغم ايجابية القرار معنويا :
الاولى، لم يتطرق القرار الى قرارات سبقت كقرار التقسيم ١٨١ وقرار اللاجئين ١٩٤ وغيرهما من القرارات الهامة.
الثانية، انه لم يشمل القرار خطوات عملية صعودا الى استعمال القوة لفرض الشرعية الدولية على اسرائيل ان اصرت على الاستمرار في سياساتها الناسفة للشرعية والقرارات الدولية ذات الصلة .
الثالثة، ماذا افادتنا هذه القرارات فعليا على الارض وهل نجحت في وقف انتهاكات اسرائيل المستمرة منذ الاحتلال وحتى الان؟
الرابعة، ما الذي يمنع من ان يتحول “اللامشروع” من استيطان وغيره الى “مشروع” بدعوى انه واقع لا يمكن تغييره على الارض، فتتغير الشرعية الدولية لتناسب مقاسات القوي؟
من الواضح أن من يرسم الخريطة اليوم ليس هو القانون الدولي او قيم العدل، ولكن من يملك القوة .. نحن في زمان “حق القوة” وليس “قوة الحق” ، وهنا يكمن الخطر ..
لو سألتموني: إلى أين تسير الأمور؟
أقول لكم: اللامنطق وغياب العدالة من جهة، والغطرسة الصهيونية-الامريكية في مقابل الانحطاط العربي غير المسبوق من الجهة الاخرى، سيؤدي تغييرات جذرية لها ما بعدها أترك لخيالكم أن يحدد طبيعتها.
(4)
ماذا على الفلسطينيين قيادة وشعبا ان يفعلوا على ضوء هذا الواقع؟ الاجابة على هذا السؤال حيرتني كثيرا، خصوصا ونحن نرى مماطلة غير مفهومة من جهة السلطة الفلسطينية ورئيسها وحركة فتح في تحقيق المصالحة التي ما زال الشعب الفلسطيني ينتظرها على أحر من الجمر. ماذا بقي للشعب الفلسطيني ليعتمد عليه بعد هذا الانهيار التي تشهده القضية الفلسطينية بسبب تواطؤ القريب والبعيد على حد سواء الا من رحم الله؟!
فرحنا كثيرا بتوقيع اتفاق المصالحة في القاهرة بين فصائل المجموع الوطني الفلسطيني وعلى رأسهم فتح وحماس … توقعنا أن يبدأ الرئيس أبو مازن بتن
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الهيئات الإسلامية: الاعتداء على ساحة الشهابي سياسة تهويدية لتطويق الأقصى
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت الهيئات الإسلامية في القدس أن اعتداء سلطات الاحتلال الإسرائيلي على ساحة "الشهابي" التاريخية داخل البلدة...

حماس: مجزرة البريج جريمة حرب بشعة تضاف للسجل الأسود للاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مجزرة مدرسة أبو هميسة في مخيم البريج، والتي كانت تؤوي نازحين، جريمةٍ جديدةٍ...

بلدية جباليا تحذر من كارثة وشيكة لتراكم النفايات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت بلدية جباليا النزلة، يوم الثلاثاء، من انتشار وتراكم كميات النفايات في مناطق نفوذها، مع عدم مقدرة طواقم العمل على...

الاحتلال يشرع بهدم منازل في مخيم نور شمس شمال الضفة
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء، بهدم عدد من المباني السكنية في مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم شمال الضفة...

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...

الاحتلال يُمدد اعتقال 58 أسيرا إداريا
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين وجمعية "نادي الأسير الفلسطيني"، بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت 58 أمر...

أنصار الله: الملاحة في المطارات الإسرائيلية غير آمنة
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت القوات المسلحة اليمنية "أنصار الله"، أن الملاحة الجوية في المطارات الإسرائيلية باتت غير آمنة، مشيرة إلى أن...