الثلاثاء 13/مايو/2025

زلزال القدس: ماذا بعد..؟!

حسين الرواشدة

الردود التي وصلتنا حتى الآن على قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس تبدو مفهومة ومشروعة، فقد خرج الشارع للتعبير عن غضبه واحتجاجه، كما أصدرت الحكومات بيانات رفض وإدانة، وبعد اجتماع وزراء الخارجية العرب سيجتمع اليوم الزعماء في قمة اسطنبول.

 كل هذا جزء من “واجب الوقت” الذي قمنا به، أو قام به بعضنا، لكن يبقى الأهم من ذلك سؤالان: الأول لماذا حدث ذلك ولماذا فاجأنا ومن يتحمل مسؤوليته فعلاً نحن أم ترامب،؟ أما السؤال الثاني فهو: ماذا بعد، أقصد ماذا سيترتب على القرار من تغييرات على صعيد القضية الفلسطينية وانعكاسات استحقاقاتها علينا، ثم كيف سنتعامل مع القرار ومع تداعياته أيضاً.

الإجابة عن سؤال لماذا حدث ذلك لا تتعلق فقط بما فعله الآخرون بنا، ابتداء من واشنطن إلى تل أبيب ومعهما الذين يبحثون عن مصالحهم في سياقات “لعبة الأمم”، وإنما ما فعلناه نحن بأنفسنا، ليس فقط على مدى السنوات الستة المنصرفة وما جرى فيها من محاولات لإجهاض إرادة الشعوب في التحرر والاستقلال، ولكن على امتداد العقود الماضية التي فشلنا فيها بإقامة الدولة الوطنية والمشروع الوطني و”السوار” الإقليمي المتماسك.

لا أحتاج -هنا- للتذكير بتفاصيل ما فعلناه كعرب بأنفسنا، يكفي أن ندقق فيما يحدث الآن في معظم أقطارنا العربية لنكتشف حجم الكارثة التي حلت بنا، فالدم العربي أصبح رخيصاً في المزادات العربية، والعواصم التي كانت تشكل “حواضر” الأمة سقطت وانهارت، والاصطفافات القائمة تعكس مدى الانحطاط السياسي الذي أصاب العقل العربي والعقل المسلم.

صحيح أن الجسد العربي تحرك انتصاراً للقدس التي تشكل في عمق الذاكرة الشعبية العربية “مرتكزاً” للتحرر والاستقلال، تحرك رغم المحاولات التي جرت لإسكاته بل ونعيه أيضاً، لكن الصحيح أن هذا الجسد ما زال بلا رأس، وبالتالي لا يملك إلا التعبير عن غضبه، ولا يستطيع أن يفعل أكثر مما فعل.

إذاً، ما فعلناه بأنفسنا كان أسوأ مما فعله الأخرون بنا، ليس هذا جلداً للذات ولا دعوة لليأس والقبول بالواقع، وإنما للاعتراف بالخطأ ومحاولة تجاوزه، فلا مصالحات مع الذات من دون مصارحات، ولا سبيل للخروج من الكارثة إلا بالتوافق على الحل وتحديد الوصفة اللازمة للعلاج.

يبقى السؤال الأخير: ماذا بعد؟ هنا يمكن الإشارة إلى مسألتين، الأولى أن القرار الأمريكي أصبح واقعاً لا مجال لتغييره لأنه يعبر عن تحولات جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، بما فيها القضية الفلسطينية، وبالتالي فإن السؤال عن التعامل معه والتقليل من تداعياته أفضل من الرهان على إلغائه.

أما المسألة الثانية فهي أن خطر هذا القرار لا يكمن فقط في نقل السفارة وإنما يتجاوزه لجهتين: إحداهما أنه أعاد “ترتيب” أولويات المشروع الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة دون النظر لأي التزامات أو علاقات تربطهما بالعرب والمسلمين، والآخر أنه كشف “الظهر” السياسي العربي تماماً، ليس أمام الشعوب فقط، وإنما أمام العالم أيضاً.

هنا يصبح من “اللاجدوى” أن نراهن على أي مستقبل للعرب كأمة، ولفلسطين كقضية وهوية، وللنظام السياسي العربي كهياكل قابلة للاستمرار، إلا إذا توافقت القوميات الثلاث التي تشكل هوية المنطقة على إقامة حوار يجمع العرب والترك والفرس يضع على أجندته وقف الحروب والصراعات والتدخلات بينها، وإقامة نظام إقليمي يشكل سور حماية للجميع، وبناء أطر حقيقية للتعاون والتنسيق يؤهلها لمخاطبة العالم والتعامل معه “كقوة” إقليمية وليس كمحاور متصارعة.

قد يكون هذا مجرد “حلم” ولكنه ليس مستحيلاً، خاصة إذا أدرك الجميع أن “أقدامهم أصبحت في الفلكة”، وأن ما حدث للقدس سيكون زلزالاً يهز المنطقة كلها، ولن يسلم أحد من تبعاته.   

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات