انشر ولك الأجر؟!

تنتشر  على مجموعات الواتس وبقية مواقع التواصل رسائل تُقلل من أهمية التظاهرات والاعتصامات وتربطها بالتخريب والشغب، وأن الرد على قرار ترمب يكون بالرجوع لله والصلاة. 

ولست أدري ما الذي يمنع أن أكون مع الله وأرجع إليه أكثر، وألتحق أيضًا بالمسيرات والاعتصامات والاحتجاجات على مختلف أشكالها؟ 

كنت أؤمن أن تغيير صورة بروفايل ليس شيئًا عظيم الأهمية حتى أدركت كم تغتاظ المخابرات العربية قبل غيرها من ذلك حين يتعلق بالقدس. 

في آخر تلك الرسائل الملغومة يكتبون “انشر ولك الأجر”.. ومن نشرها أخشى أن يؤثم لنشره التخدير وثقافة الخمول وفصل الدين عن الواقع. 

(لا تكلّف إلا نفسك وحرِّض المؤمنين). 

افعل الذي تستطيعه لأجل القدس، وساهم ولو بصغيرة؛ فإن الجبال من الحصى.. التزم بصلاتك وقرآنك وتقرب لله أكثر، ولكن عليك أن تُكمل الأمر الرباني بتحفيز المؤمنين على نصرة قضاياهم وعدم الخمول والتقوقع على ذواتهم، كالذي يعتزل في صومعته تاركًا مظلومًا بلا سند، وظالمًا بلا ردع، ويظن أنه على الحق المبين، وقد نسي أنّ  “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”. 

كم رفعت عزائمنا مسيرات الأردن وماليزيا وتركيا وأفغانستان والمغرب والجزائر وتونس والعراق، وكم استبشرنا بمظاهرات فلسطين المحتلة في الضفة والقدس، وكم افتخرنا بمسيرات غزّة المحاصرة التي جادت بأول الشهداء. وهذا يعني بالتأكيد أنها أغاظت المحتل. 

“ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدوٍ نيلاً إلا كتب لهم به عملٌ صالح”.

يكفي فائدةً من تلك الاحتجاجات أن يسمع الجيل الجديد اسم القدس يتردد صدى الدفاع عنها في أذنيه وأمام عينه وفي هاتفه، ويظل حقها حاضرًا، ومظلوميتها حاضرة في باله بعد أن غُيِّبت عن كتبه في مراحل تعليمه.  

هذه الاحتجاجات تزيد أهميتها مع نشرها عبر الإعلام وإيصال الفعل التضامني من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، و هذا رد على من سألوا “ماذا لو لم تكن وسائل التواصل، كيف كنا سنتضامن مع القدس؟”.

فيكفي أننا بهذه الوسائل نرى مظلومية القدس وبسالة أهلها في الدفاع عنها، حتى لا يأتي في المستقبل من يتهمهم بالخيانة وبيع المقدسات كما اتهموا أهل فلسطين ببيعها؛ لتبرئة تقصيرهم وخذلانهم لها. 

يكفي أننا نرى من يتضامن مع قضايانا ومن يتآمر عليها، ونسجِّل التاريخ القادم، ونجعل لنا فيه سهمًا نعتذر به إلى الله عن القدس.