الإثنين 24/يونيو/2024

الأسير مازن النتشة.. 13 عاماً بدّدت دفء الأسرة

الأسير مازن النتشة.. 13 عاماً بدّدت دفء الأسرة

كانت أفنان تغالب دموعها وهي حزينة عندما رنّ جرس الهاتف، وكان على الخط المحامي محمود جبارين؛ الذي أبلغهم أن والدهم الأسير مازن جمال النتشه (45 عامًا) قد جددت سلطات الاحتلال اعتقاله الإداري أربعة أشهر جديدة.

أفنان ابنة الخمسة عشر ربيعا كانت تنتظر على أحرّ من الجمر عودة أبيها من المعتقل إلى البيت، فهي لم تعرف من حياة أبيها منذ أن أطلت على هذه الدنيا سوى الاعتقال والإفراج، وتفتيش جيش الاحتلال منزلهم، وزيارات السجن، والدخول عبر الأسلاك والأبواب الحديدية لرؤية والدها.

لوعة الفراق

تقول وهي في حالة يرثى لها بعد أن استقبلت خبر تمديد اعتقال والدها: “نحن على أبواب الشتاء، وكنت أنتظر الدفء بالإفراج عن والدي الحنون الذي يحبنا كثيرا.. أنتظر الشتاء وأحبه لأنني أحس بالدفء في أحضان والدي الذي كان يشتري لنا (الكستنة) ويشويها على المدفأة، ويقشرها وينادي “أفنان حبيبتي هذه لك”، وعندما أتناولها أشعر أنني ملكت الدنيا.. والدي ووالدتي وإخواني كلهم بجانبي.. كانت الحياة متكاملة بوجود والدي أبو حذيفة”.



وتضيف أفنان في حديث خاص لمراسلنا: “ليلة اعتقاله تمسمرت بجانب أمي، بدأ الجيش يفتش المنزل ويكبلون والدي وهو ينظر لي نظرات غريبة.. كنت أدرك أنه يتمزق ألما ليس خوفا من السجن والاعتقال، وإنما حزنا على حزني وألمي.. لأنه يدرك كم أحبه وأتلوع على فراقه”.

وتابعت: “تمالكت نفسي، وحبست أنفاسي، واستجمعت قواي، وقلت له: الله معك يا أبي لا تحزن علينا، معنا الله.. فهزّ رأسه، ونظر نظرة تأمل ووداع دون أن يتكلم بكلمة، وقاده الجنود إلى سيارة الاعتقال”.

عميد الأسرى الإداريين مازن جمال جبريل النتشة، من مدينة الخليل اعتقل نحو 13 عاما إداريا، وهي المدّة الكبرى في حياة الأسرى الإداريين، وهو قيادي بارز في الحركة الفلسطينية الأسيرة وفي حركة حماس، يحمل الماجستير في الإدارة التربوية، وقد مثل المعتقلين كثيرا، وشارك في إدارة شؤونهم كما خاض معهم العديد من الإضرابات كان آخرها مشاركته في إضراب الإداريين عام 2014م، حيث أضرب 64 يوما عن الطعام رغم أنه مصاب بمرض خطير ومزمن في الأمعاء، ويأخذ لعلاجه عشرات حبات الدواء أسبوعيا، لكن أبو حذيفة قامة كبيرة في المواجهة والتحدي، وعنيد في الدفاع عن قضايا شعبه وأمته.

رحلة الاعتقال

الدكتورة الطبيبة فاطمة الشرباتي (أم حذيفه) زوجة الأسير مازن النتشة تحتسب حياتها وحياة أبنائها وبناتها ومحنتهم في سبيل الله.

وتقول الشرباتي: “منذ أن تزوجت مازن ونحن لا نعرف سوى الاعتقال والإفراج والسجون والمحاكم، وأنا فخورة بزوجي وأعتز به، فهو داعية وخطيب وقائد، ويكفيني شرفا أن أكون زوجة لهذا القائد الاستثنائي الذي لا يعرف الانكسار”.

وأضافت “أبو حذيفة إنسان كبير يحب دينه ووطنه وشعبه فهو يعيش لغيره لا لنفسه.. كان إذا جلس ليشاهد الأخبار على التلفاز ونظر إلى المآسي التي يتعرض لها شعبنا يذرف الدمع ويتفطر ألما وحزنا على حالهم.. فقضية فلسطين هي قضيته، وقضية المسلمين هي قضيته، وقضية الأسرى هي قضيته!! لا يعرف الراحة النفسية ولا السكون، وهو قلق على حال شعبه. هكذا عرفت أبا حذيفة منذ أن تزوجته”.

وتضيف الدكتورة أم حذيفة عن رحلة زوجها في الاعتقال الطويل والمؤلم: “كان أول اعتقال له  عام 1991، حيث احتجز شهرًا واحدًا، وجاء الاعتقال الثاني في 10/8/ 1994، حيث قضى في السجن 8 أشهر، وفي  عام 1997 اعتقل مازن 9 أشهر إداريا، أما في عام 1998 فقد أمضى عاماً كاملاً في الاعتقال الإداري وفي 29/3/2004 اعتقل مازن للمرة الخامسة إداريا 9 أشهر”.

وتابعت: “وجاء الاعتقال السادس في عام 2005 ليعتقل إداريا  44 شهراً، وكان هذا هو الاعتقال الأطول والأصعب، ولم يمض على الإفراج عنه عام أو أقل حتى أعيد اعتقاله في 7/10/2009 إدارياً ولمدة 41 شهراً، وقد أطلقت عليه الحركة الأسيرة ووزارة الأسرى عميد الأسرى الإداريين، وبعد الإفراج عنه من هذا الاعتقال الطويل أعيد اعتقاله للمرة الثامنة 22 شهرا إداريا، وهذا الاعتقال الذي خاض فيه الإضراب عن الطعام مع الإداريين”.

مدّة قاسية

وتشير الدكتورة أم حذيفة إلى أن مازن أب لثلاثة أطفال: حذيفة وأيهم وأفنان، وخلال غيابه عن البيت وعن الأبناء، كانت المدّة قاسية، فأطفاله لا يزالون صغاراً يحتاجونه بينهم، وقد ذهل مازن بعد خروجه من الأسر في إحدى المرات بابنه الأكبر حذيفة يناديه بـ(عمو)، بدلاً من (بابا) فهو لم يعش معه ولم يعرفه، ما كان له عظيم الأثر في نفسية مازن.

ولم تسمح سلطات الاحتلال لأبي حذيفة بالتقاط أنفاسه والتمتع بالحياة الأسرية مع زوجته وأطفاله، فأعادت اعتقاله يوم 18/4/2016، وذلك بعد أن اقتحم عشرات الجنود منزله، واحتجزوا عائلته في غرفة واحدة، وفتشوا المنزل كاملا، وحطموا العديد من محتوياته، وصادروا الهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب المحمولة، ولا يزال أبو حذيفة في المعتقل حتى الساعة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات