الإثنين 24/يونيو/2024

تلكّؤ الحكومة يزرع القنابل في طريق المصالحة

تلكّؤ الحكومة يزرع القنابل في طريق المصالحة

في غمرة تلكؤ الحكومة في تحمل مسؤولياتها، جاءت تصريحات قادة فتح التوتيرية، لتزرع القنابل أمام قطار المصالحة الفلسطينية الذي انطلق في ظل مطالبات شعبية واتفاق فصائلي، ورعاية مصرية، لفتح صفحة جديدة في العلاقات الوطنية على قاعدة التوافق والشراكة.

الحكومة التي بدت منذ البداية مترددة في “هجوم المصالحة”، لم تقدم أي خطوات جديدة للتخفيف عن معاناة أهالي غزة، فبقيت العقوبات والأزمات، دون أي مؤشر على رفعها، في تناغم مع تصريحات قادة فتح لا سيما حسين والشيخ وعزام الأحمد، اللذان ظهرا فجأة على عدة قنوات إعلامية ليهاجما حماس ويتهماها بالتعطيل، في وقت تجمع فيه الفصائل أن حماس قدمت الكثير من التنازلات دون أن تقدم لها أو حتى لغزة عمومًا أي بادرة حسنة من الحكومة.

نحو التأزيم الحقيقي، صعّدت الحكومة بقرارها الثلاثاء الماضي دعوة الموظفين المستنكفين للعودة لعملهم في مؤسسات الحكومة؛ ما أحدث حالة إرباك ومشاكل فيما تحدث الأحمد عن ذهاب عشرات آلاف الموظفين إلى بيوتهم؛ الأمر الذي أشعل حالة غضب، وعكس سياسة الإقصاء التي تنتهجها حركة فتح.

استشعار خطورة الموقف بعد القرارات الانفرادية، والتصريحات التوتيرية، دفعت قائد حماس في غزة يحيى السنوار، لدعوة الفصائل لاجتماع طارئ، بغزة، وبالتوازي مع ذلك، تسارعت تحركات الوفد المصري ليعقد لقاءً مشتركًا بين حماس وفتح ونائب رئيس الحكومة زياد أبو عمرو، انتهى بطلب حركتي حماس وفتح تأجيل عملية استكمال تسلم الحكومة مهامها 10 أيام عن الموعد الذي كان مقررًا في الأول من ديسمبر، بينما اختتم اجتماع الفصائل بأربع توصيات أهمها التأكيد على مرجعية اتفاق 2011 لعملية إتمام المصالحة، والمطالبة برفع العقوبات عن غزة.

ولا تزال عقوبات غزة التي فرضتها السلطة في أبريل/ نيسان الماضي خاصّة (الكهرباء- التقاعد-الرواتب- المعابر) تعطّل إيقاع الحياة اليومي رغم إجماع الفصائل في القاهرة على أهمية رفعها وضرورة عدم ربطها بأي أمر آخر.

ضغوط خارجية معطلة
ويؤكد الكاتب ذو الفقار سويرجو، القيادي في الجبهة الشعبية، أن تلكّؤ الحكومة مرده لضغوطات خارجية ضمن صفقة سياسية في الإقليم هدفها إعادة ترتيب المنطقة عبر مشروع ضخم.

وقال: “المصالحة محل إجماع الفصائل، وهناك معيقات، ومطلوب إخضاع أي طرف يحدث خللًا، وربما نشهد قرارات وضغوطات معطّلة حتى شهر 2؛ لأن الثمن السياسي القادم باهظ، وهناك أنظمة ودول تعمل لمصلحة إسرائيل”.

(نتنياهو) رئيس وزراء الاحتلال صرّح قبل أيام أنه يتعامل مع الملف الفلسطيني خطوة بخطوة بعد الدراسة، والرئيس الأمريكي (ترمب) يدعو لإخضاع غزة حتى لا تشكل نقطة تأثير في المرحلة المقبلة بعد ازدياد قوة ومحور إيران وروسيا في المنطقة.

ويشير سويرجو إلى أن موقف حركة فتح المعاكس لإجماع الفصائل في إنفاذ المصالحة يعكس حالة الاستجابة للضغوط الخارجية والابتزاز بهدف إيصال الحالة الإنسانية لغاية السوء بغزة وتحدث مرحلة مقايضة مع الوضع القادم في ظل نظام ضعيف لا يشكل معارضة.

ويتابع: “بقاء العقوبات غير مقبول؛ لأنه غير إنساني، وغير أخلاقي، فهو محاصرة للشعب، وليس لحماس، هناك إرادة سياسية خارجية تريد تحويل القضية لجزء صغير من الصراع في المنطقة وليس جوهر الصراع العربي، لذا سنعيش مزيدًا من الضغط والإرباك”.

خارج السرب
وبدت قرارات الحمد الله وتصريحات عدد من قادة فتح تغرّد خارج السرب الفلسطيني؛ فظهر قادة الفصائل والمحللين السياسيين يحذرون من خطورة الوضع الإنساني وضرورة تطبيق اتفاقيات القاهرة برعاية المخابرات المصرية.

وشهدت غزة سلسلة اجتماعات للفصائل سبقها اجتماع مع وفد المخابرات المصرية التي أبدت انزعاجها من قرارات حكومة الوفاق وتصريحات شخصيات فتحاوية.

ويدعو أسامة الحاج أحمد، القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلى الالتزام بما اتفق عليه في القاهرة (2011) وفي حوار شهر نوفمبر الأخير؛ لأن بيان القوى الوطنية الصادر بعد جولة الحوار لم يحمل شيئًا ملموسًا للمواطن في غزة على صعيد (الكهرباء- الرواتب- التقاعد المبكر- المعابر).

الحاجة الماسّة الآن هي تعزيز ثقة المواطن والموظف، لكن ما يجرى مؤخراً يثير حالة إحباط؛ فقرار عودة المستنكفين -حسب رؤية الحاج أحمد- مثير للشك، ويزرع مشاكل بينما اتفقت الفصائل على إحالة القضية برمتها للجنة إدارية وقانوية.

ويتابع: “قرار الحكومة يخلق إرباكًا، ويعطّل المصالحة، بينما مفروض على حكومة الحمد الله الوفاء بالتزامها في رفع العوقبات. أطالب الحكومة بالإفصاح عن برنامج الطوارئ المقرر لغزة، فلن تتحقق مصالحة بواسطة إقصاء أحد”.

الالتزام بالاتفاق
أما محمود خلف، القيادي في الجبهة الديمقراطية، فيتوقع أن يكون الوفد الأمني المصري عاملا مساعدا في نزع فتيل الخلاف بعد انقسام عمره زاد على عقد كامل.

المرونة التي أبدتها حماس في حل اللجنة الإدارية والتنازل عن سلطاتها في غزة وتسليم الحكومة كانت محل إجماع وتقدير الفصائل، حسب رؤية القيادي خلف.

ويشير إلى أن قرار إعادة المستنكفين يتعارض مع الاتفاقيات الموقعة، ويخلق إشكاليات، بينما على الحكومة وفتح الالتزام بالاتفاق الموقع حتى يشعر المواطن تدريجياً بصوابية ما يجرى.

ويتابع: “بعد مرونة حماس مطلوب من حكومة الحمد الله رفع العقوبات حسب إجماع الفصائل، لكن فتح تذرعت في حوار القاهرة الأخيرة بمبدأ التمكين والحقيقة، أن رفع العقوبات لا يتعارض مع التمكين؛ بل هو ما يمكّن”.

الخشية من ارتدادات سيئة تقتل المصالحة وتعود بالخلاف السياسي على شاسات الفضائيات؛ لأن إجماع الفصائل كما يؤكد القيادي خلف هو عدم العودة للوراء.

مخالفات قانونية
ويقول نافذ المدهون، الخبير القانوني: إن غياب الإرادة السياسية لإتمام المصالحة وقرارات الحمد الله يؤّيد عدم وجود نوايا صادقة خاصّة في قرار عودة الموظفين المستنكفين عن عملهم من عام (2007).

ويضيف: “الأولى أن تتولى هذا الأمر اللجنة القانونية والإدراية، لكن قرار الحمد الله خلق اضطرابًا وزعزعة قانونية في ملف الموظفين الأخطر في كل القضايا”.

الحكومة الحالية هي محل شكّ قانوني؛ لأنها -حسب رؤية الخبير المدهون- لم تنل ثقة التشريعي وأعمالها خارج رقابته، ما أدى لارتكابها مجموعة مخالفات قانونية.

ويتابع: “المخرج من هذه التجاوزات إعادة بناء مؤسسات النظام السياسي وانعقاد التشريعي بكتله كافة؛ لمناقشة المصالحة، فلا يمكن أن تؤدي الحكومة عملًا في غياب رقابة وثقة التشريعي وفق معايير الحكم الرشيد”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات