الخميس 26/سبتمبر/2024

مصنع الصفا .. كيف انهار أكبر مشروع تأهيلي بأيدٍ فتحاوية؟

مصنع الصفا .. كيف انهار أكبر مشروع تأهيلي بأيدٍ فتحاوية؟

قبل قرابة الشهر أقفل مصنع الصفا للألبان في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، أبوابه، وتوقفت عجلة الإنتاج، لكن هذه المرة ليس بقرار من الاحتلال، بل بقرار من لجنة زكاة نابلس المركزية، الجهة المالكة له.

فتراكم الديون والخسائر المتواصلة، دفعت لجنة الزكاة لإيقاف المصنع عن العمل، لوقف نزيف الخسائر؛ حيث وصلت الديون المتراكمة إلى قرابة الـ17 مليون شيكل (5 ملايين دولار)، جلّها للموردين وللجنة الزكاة ذاتها.

عشر سنوات مضت على سيطرة حركة فتح على المصنع، ضمن العديد من المؤسسات التي استولت عليها بعد الانقسام عام 2007، كانت كفيلة بأن تهوي به من قمة المجد إلى مستنقع الفشل والانهيار.

ولم يجد رئيس لجنة زكاة نابلس الحالي محمد سامح طبيلة، بُدًّا من الخروج للإعلام لتوضيح حقيقة الإشاعات التي بدأت تتردد عن إغلاق المصنع، والذي كشف بدوره عن حقائق بدت صادمة للكثيرين، لكنها عادية بالنسبة للمطلعين على ما يجري داخله.

حقائق صادمة
وبحسب طبيلة، فإن المصنع توقف منذ عدة سنوات عن استخدام الحليب الطازج في إنتاجه، واستعاض عنه بمسحوق الحليب المجفف (البودرة)، وأن معدل الإنتاج اليومي هبط إلى 4 أطنان فقط، في حين أن القدرة الإنتاجية للمصنع تبلغ 54 طنًّا يوميًّا.

وأشار إلى أن المصنع وصل هذا العام إلى حافة الانهيار، ولم يكن هناك سوى خيارين، إما عرضه للضمان، ما يعني الاستغناء عن 62 موظفًا وعاملاً، أو السعي لإصلاح أوضاعه.

ووافق صندوق الزكاة قبل نحو سبعة شهور على أن تتسلّم زكاة نابلس المصنع بشكل كامل لمدة 6 أشهر، وعند انتهاء تكليفها مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول، تم تمديد تكليفها وتعيين رئيس جديد لها من وزارة الأوقاف.

وبدأت اللجنة قبل سبعة شهور بدراسة وضع المصنع، وحاولت رفع مستواه، وقد وجدت أن ماكينة إنتاج الحليب المعقم UHT كانت معطلة، فتم استقدام خبراء لإصلاحها، وأعادت بذلك استخدام الحليب الطازج من مزارع الأبقار، وسعت لتسديد الشيكات الراجعة للموردين.

ولفت إلى أن اللجنة عملت مع مدقق مالي على مراجعة حسابات المصنع، ووجدت أن المصنع مدين بمبلغ يتراوح ما بين 14-17 مليون شيكل للموردين وللجنة الزكاة، وأن الديون كانت تزداد في كل سنة بمعدل 2 مليون شيكل.

خسائر متتالية
وبينما رفض طبيلة استباق نتائج التحقيقات، ألمح إلى ما يمكن عدّه فسادًا وسوء إدارة، أدى إلى تحقيق خسائر متتالية.

وأوضح أن المصنع تعاقبت على مجلس إدارته عدة لجان كان يشكلها صندوق الزكاة بوزارة الأوقاف، تضم مندوبين عن الوزارة ولجنة الزكاة، لكن إدارة المصنع كانت تتصرف بمعزل عن تلك اللجان، ولم تكن تقدم لها أية ميزانيات.

ويقول طبيلة: “كنا نعرف بوجود خسائر في المصنع، لكن لم نكن نعرف مكمن الخلل، خاصة وأن إدارته لم تكن تطلعنا على الميزانيات”.

ويأتي إقرار طبيلة هذا بوجود خلل في عمل المصنع، ليؤكد إشاعات لطالما ترددت على ألسنة المواطنين في السنوات الماضية، ومنها وجود فساد وحالة التسيب والإهمال الإداري، وعدم التزام الإدارة بتوجيهات مجلس الإدارة.

وكثيرًا ما شكا مستهلكو منتجات الصفا من سوء جودتها، وفساد بعض المنتجات حتى قبل فترات طويلة من تاريخ انتهاء الصلاحية، الأمر الذي هوى بسمعة المصنع إلى الحضيض.

وكشف تقرير نشره “المركز الفلسطيني للإعلام” أواخر عام 2011 عن عمليات غش منظمة للحليب ولبعض مدخلات الإنتاج، وكذلك عمليات تصريف للمنتجات عبر صفقات سرية مع بعض التجار دون عقود، ودون إدخال هذه الصفقات في حسابات المصنع.

ضياع حُلم
وأنشئ المصنع عام 2000 ليكون أحد المشاريع الخيرية الإنتاجية الكبرى في مدينة نابلس، وكان هدف إقامته الأساسي تشغيل أكبر عدد من العاطلين عن العمل، والاستفادة من عوائده في مساعدة الفقراء، وسد احتياجات السوق الفلسطينية بخصوص منتجات الألبان.

وبلغت تكاليف إنشاء المصنع كاملاً خمسة ملايين دولار، بتمويل من جهات مانحة عربية وإسلامية، وكان يحصل على الحليب الخام من مئات الأسر الفقيرة التي تم تزويدها بالآلاف من رؤوس الأبقار، ما ساعدها في توفير مصدر دخل مناسب لها.

وتميز المصنع عند إنشائه بكونه أول مصنع ينتج الحليب المعقم الخالي من المواد الحافظة (UHT) الذي تبلغ مدة صلاحيته ستة أشهر، دون الحاجة إلى تبريد.

وكان للمصنع دور في تغطية احتياجات المواطنين في أيام الحصار والإغلاق ومنع التجول التي كثيرا ما تعرضت لها نابلس في السنوات اللاحقة.

كما أن المصنع كان هدفًا للاحتلال الذي أصدر أمرًا بإغلاقه عام 2006 على إثر عملية أسر الجندي جلعاد شاليط، بدعوى ارتباط إدارته بحركة حماس؛ حيث كان يرأس إدارته رئيس لجنة الزكاة الدكتور عبد الرحيم الحنبلي، وهو والد الشهيد القسامي المهندس محمد الحنبلي.

وفي العام التالي، سيطرت حركة فتح على المصنع ولجنة الزكاة، وشرعت بإجراء تغييرات على إدارته واستبعاد الموظفين المحسوبين أو المقربين من حماس، لتبدأ معها مسيرة انحدار المصنع على مختلف الصعد، إلى أن انتهى به الأمر إلى الإغلاق.

ودفعت هذه الحقائق التي خرجت للإعلام حديثا، لخلق حالة رأي عام تطالب بإعادة لجنة إدارة المصنع السابقة برئاسة د. الحنبلي، والتي كان هناك إجماع على كفاءتها ونزاهتها، وفي الوقت ذاته، تحمّل السلطة وحركة فتح المسؤولية عما آلت إليه أحوال المصنع.

ويذكر التاجر علي مصطفى أن التجار كانوا يتسابقون على منتجات المصنع في عهد الحنبلي، ويضيف: “كنا نترجى حتى نحصل على 100 كرتونة حليب من المصنع”.

أما القيادي في حركة فتح حسام خضر، فحمل حركته المسؤولية عما أصاب المصنع، وعدّ ذلك نتيجة طبيعية لفساد إدارته، وطالب بإعادته لمؤسسيه، لأنهم الأقدر على إدارته.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

أضرار وإصابات في هجوم بالمسيرات على إيلات

أضرار وإصابات في هجوم بالمسيرات على إيلات

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن الجيش الإسرائيلي أن طائرة مسيرة أطلقت من العراق انفجرت مساء اليوم الأربعاء في مدينة إيلات على البحر الأحمر،...