المناهضون للتطبيع في المغرب بين الاحتفال والاعتقال

رأينا في الفترة الأخيرة كيف انتشرت عدوى طرد الصهاينة المحتلين من القبب البرلمانية والمؤتمرات الدولية يجرون أذيال خيبتهم تحت أنواع الهزيمة و الذلة التي توارثت وتنوعت أزمنتها وأماكنها، و تنم عن زيف الأساطير الإسرائيلية و خبث الجرائم العنصرية وقسوة وعلو استكبار بني إسرائيل الذي كان سببا في عيشهم تحت نير الطرد والتشتت بلا سكن في الأرض منذ قرون؛ فهم باختصار زاغوا وتجبروا لما قتلوا الأنبياء وانحرفوا فكانوا فتنة وداء حيثما وجدوا وحلوا.

مطرودون أينما حلوا
ويستمر الطرد لكن اليوم بشكل مختلف، لينال الطرد الأول صهيوني يتشدق أنه يهودي مغربي له جذور، لكنه طرد من برلمان المغرب من قبل المناضلين المستشارين لأن سوآته وعوراته كشفت أنه رئيس دفاع صهيوني سابق يسمى “عمير بيرتز” وأنه بطل مجزرة قانا الثانية وجزار أطفالها، لكنه طرد بذلة ومهزلة ببسالة المغاربة الرافضين للمشروع الصهيوني و المناهضين للتطبيع.

الطرد الثاني انتقلت عدواه إلى وفد صهيوني برلماني طرد بسخرية من قبة مؤتمر اتحاد البرلمان الدولي المقام في روسيا.

الطرد الأخير هو الذي يعنيني ليس من جانب المطرود الذي لا خلاق له ولا شأن، بل ما يهمني هو فاعل الطرد الذي تم تكريمه داخل المؤتمر وخارجه وداخل بلده الكويت، لأنه عمل عملا صالحا وقال كلاما طيبا ينصر به المظلوم ويكشف به جرائم الصهيونية، و يوضح للعالمين أن ما يسمى إسرائيل ماهي إلا أكذوبة العصر وبرلمانها في عداد الاحتلال والأساطير الزائفة.

هذا الرجل هو مرزوق الغانم “رئيس مجلس الأمّة الكويتي يَطرد الوَفد الإسرائيلي ويُخاطب رئيسه: “أُخرج من القاعة إن كان لديك ذرّة كرامة يا مُحتل”.

هذا الرجل الذي صنع الفعل بخطاب صداح اخترق وبعثر أوراق الوفد الصهيوني وجعلها تحترق.

هو نائب برلماني كويتي تكلم باسم شعبه وباسم الأمة التي ظن الاستكبار العالمي أنها مازالت منحطة وانحطاطها سيدوم دون عودة وتجديد ويقظة ونهوض.

الرجل لما عاد عودة الرجال إلى بلده نال تكريما خاصا من قبل مسؤول البلاد الكويتي وبعث له برقية شكر وتقدير دون تردد أو خوف من تبعيات مساندة كل من واجه الاحتلال، بل وانهالت التغريدات العربية والإسلامية من هنا وهناك لتغمر ساحات التواصل الاجتماعي، تبارك للرجل الكويتي دوره في مواجهة محتل من خلال حرب القبب، ولا ننسى أن هذا الحدث وقع بعد أيام قليلة من طرد “عمير بيرتز ” من قبة برلمان المغرب ووفده الصهيوني، موافقات ليس إلا.

نأمل مستقبلا طردا كاملا للمشروع الصهيوني من الأمة والعالمين.

أسئلة وتناقضات
جلست أفكر وأتساءل : إذا تشرفت الأمة وبلاد الكويت بموقف الرجل الكويتي وتشرف الرجل بشهادة مسؤول البلاد، فمتى سيتم تكريم المناهضين المغاربة لما شاركوا كشخصيات ومؤسسات و جبهات مناهضة في طرد زيارات صهيونية جاءت متسللة مخترقة باسم الغناء أو الرياضة أو التجارة أو الفكر والتراث اليهودي، ومتى يتم تكريم من كانوا سببا في طرد شخصية “وزير دفاع صهيوني سابق” بمعية وفده، تبعه احتحاج شعبي مغربي كبير بمعية المناهضين، بل كان رفضا جماعيا وشعبيا غمر الشوارع بالاحتجاجات ضد التطبيع، و ملأ صفحات التواصل الاجتماعي بجماهيرية غير مسبوقة ؟

بل ومتى سيتم إرسال رسالة من الحكومة المغربية أو مؤسسات الدولة المكلفة لتشريف وتكريم عمل هؤلاء المغاربة و الرجال الذين قالوا للصهاينة ” أنتم مجرمو حرب أنتم محتلون” ؟

فكرت وتدبرت وتعجلت في الجواب ففتحت مواقع الإنترنت عساها تنشر رسالة، أو تأتيني بخبر يقين عن تكريم أو تشريف يثلج الصدر ويكرم المغاربة المناهضين للتطبيع وكل من ناصر القضية الفلسطينية واحتج ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني.

فتفاجأت بخبر عكس ما أراده المحبون وشغل به المتلهفون، نظرت في مواقع التواصل الاجتماعي وهي تقول :

(أن شركة cmgp المغربية عرضت أدوات فلاحية “إسرائيلية” الصنع من طرف شركة netafim الصهيونية في المعرض الدولي لإنتاج التمور الذي تحتضنه مدينة أرفود المغربية، وهو ما يعد تطبيعا مباشرا مع كيان محتل وغاصب لأرض فلسطين ومقدساتها، و أقدمت السلطات المغربية بنفس المدينة مساء يوم السبت 28 أكتوبر الجاري على اعتقال المناضلة السعدية الوالوس وثلاثة من مرافقيها من نشطاء الحملة الدولية لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني/المغرب، لاحتجاجهم على مشاركة الصهاينة في المعرض).
ليتأكد لي من خلال حدث اعتقال المغاربة المناهضين للتطبيع سواء في طنجة -ضد مهرجان المغنية الصهيونية المجندة- أو أرفود مقارنة بحدث تكريم “مرزوق الغانم ” في الكويت أن :

– الشريف المناهض ضد الصهيونية في الكويت يؤيد بالتبجيل والتكريم أما في المغرب فيشرف بالحصار و التكميم، لماذا؟

– المناهض الكويتي استقبلته المؤسسات الكويتية والسياسية والمجتمعية بالاحتفال، ومناهضونا يستقبلون بالاعتقال، لماذا؟

– المؤسسات الكويتية تسلم بإرادة الشعب الرافض للتطبيع، و الجهات المسؤولة المغربية تسير نحو التطبيع بصحبة الترويع – ترويع المناهضين- دون احترام لإرادة الشعب المغربي الذي لا يعترف بشيء اسمه إسرائيل، خصوصا بعد إدخال “عمير بيرتز” من قبة البرلمان دون مراعاة لمشاعر المغاربة و تقديس تاريخهم الحافل بالبطولات مع صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، لماذا؟

– اعتقال المناهضين سواء في احتجاج ضد مهرجان طنجة باستضافة المغنية الإسرائيلية التي تخفي زي الجندية الصهيونية، أو في معرض التمور بأرفود، يكشف لنا أن الاحتلال يعمد بشكل جدي ومنظم على تطبيع مختلف غير التطبيع السابق، يهدف من هذا التطبيع المتجدد العميق المتصاعد إلى إرساء كيانات وبناء قوة خفية داخل المغرب، وزرع محطة تولد شيئا عنصريا غريبا ربما سيتضرر منه الجميع مستقبلا إن لم نتدارك تداعيات تصاعد هذا الاختراق على النسيج المغربي وصولا إلى المغرب العربي وأفريقيا.

من مرحلة تصاعد التطبيع إلى حماية التطبيع
يسعى الاحتلال الصهيوني إلى تكريس مرحلة جديدة من التطبيع مع المطبعين في المغرب وهي “حماية التطبيع ” وحفظها من التعطيل أو التشويش من قبل المناهضين والنشطاء والحركات والاتجاهات الإسلامية التي تقوم بتعبئة الجماهير ، و تخرج الشعب إلى الشارع لنصرة الشعب الفلسطيني ورفض كل صهيوني محتل غاصب.

عملية حماية التطبيع هذه تسمى عملية “التطهير القبلي” أو “العملية التمهيدية “تنفذ خاصة من الدولة المطبعة وبمشورة الكيان الصهيوني لإفراغ الساحة من كل القلائل المعرقلة للاختراق والتطبيع الصهيوني و الذي يقدم بدوره خدمة للنظام المغربي لإضعاف الشعب المغربي ومكوناته وحراكه.

إن الكيان الصهيوني قد عزز بامتياز من أياديه التمددية و كياناته السياسية التابعة للدولة والتي تتحكم بزمام الأمور، وقوى وشوكتها ونقلها من مرحلة الضعف إلى مرحلة التعزيز، وحدد وجهتها لضرب المؤسسات والحركات والنشطاء المناهضين للمشروع الصهيوني.

التاريخ يحتفل بالمغاربة
أقول للصهاينة الزائرين والمطرودين : مكانكم ليس في المغرب ولا فلسطين التي رابط فيها المغاربة جهادا مع صلاح الدين الأيوبي لتحرير بيت المقدس، ثم رابط فيها من تبعهم من المتأخرين المغاربة في حارة المغاربة من عائلات العلمي والحضيكي والفاسي والمصلوحي لينفذوا وصية صلاح الدين الأيوبي.

ونعم الشهادة التاريخية الأيوبية المؤصلة في التواليف التاريخية و المخصصة احتفالا واحتفاء بالمغاربة وخاصة أهل المغرب الذي ساهموا في هزيمة الصليبية أكبر قوة عالمية آنذاك، وشاركوا فضلا عن ذلك في بناء أعظم أمة وصلت وربطت بين المشرق والمغرب عبر مركز دولي سمي “حارة المغاربة” بجانب المسجد الأقصى، والشهادة الأيوبية هي قول صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ” المغاربة أهل الثغور والرباط”، ونعم الشاهد هو صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي علم علم اليقين لماذا قالها وشهد بها للتاريخ، خصوصا لما سئل عن سبب إسكانه المغاربة بالمنطقة بجانب حائط البراق، و هي منطقة سهلية قد يعود منها الصليبيون مجددا قال “أسكنت هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، من استأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة”.

ولكن في غضون انكسارات الأمة وتشتت القصعة هدم “الإسرائيليون “حارة المغاربة مباشرة بعد احتلال القدس 1967 و سووها مع الأرض تدميرا ونسفا، وكان الضحية العشرات من العائلات المغربية وضاع على إثرها تراث تاريخي قيم، وحضارة مغاربية مقدسية دامت عدة قرون لتنسف في أيام معدودة.

فكيف بالله عليكم تجنح نفس مغربي لاستقبال عدو ومجرم سفاح كان سببا في قتل المسلمين والمجاهدين والفلسطينيين، بل وكيف ذهب حياؤهم – إن كان – أن يفرشوا الأرض المغربية إلى من قتلوا المغاربة في القدس عقب اجتياح 1967، ومن يستقبل القاتل غير من وافق على القتل.

ليس لي حديث أضيفه غير قولي : حسبنا الله ونعم والوكيل.

وأتساءل لماذا هذا السماح المتصاعد لهذه الداء الصهيوني ليدخل بلدنا وشعوبنا المغاربية عموما ؟

أقول إن كثافة الزيارات والاختراقات الصهيونية في المغرب والمغرب العربي وأفريقيا هي أساليب لغاية وشيء يخطط له ويدبر له في الخفاء خصوصا أن العنصر المغاربي رقم صعب شهد به الأولون وسيشهد به المتأخرون.

الأيام بيننا دول والله ناصرنا وهم لا ناصر لهم.