الأحد 04/مايو/2025

مسجد بئر السبع الكبير.. المحراب يبكي مصليه

مسجد بئر السبع الكبير.. المحراب يبكي مصليه

في أقصى الجنوب الفلسطيني في صحراء النقب حيث دفء المكان، تقف مئذنة شامخة في عنان السماء بجوارها قبة بيضاء وأروقة جميلة، لكنها تشكو إلى الله ظلم الظالمين، فلم يرفع منها الأذان منذ 69 عاما.. إنها مئذنة مسجد بئر السبع الكبير، هذا المسجد الذي شكل تحفة معمارية إسلامية جميلة بأقواسه ونوافذه الأندلسية، وأبوابه المزينة بالأعمدة الرخامية المستخلصة من حجارة فلسطين.

يأسرك جمال المكان بساحاته الخضراء حيث أشجار الزيتون والنخيل والأرز، لكن البؤس يخيم عليه لغياب المصلين المسلمين قسرا بسبب إجراءات الاحتلال الصهيوني منذ نكبة عام 1948م.

الجذور التاريخية

أسس العثمانيون المسجد عام 1906م في نهاية الدولة العثمانية، فكان أول مسجد يبنى في مدينة (بئر السبع) عاصمة الجنوب الفلسطيني، التي كانت تشكل حلقة وصل بين محافظة الخليل ومحافظات غزة، وقد كان هذا المسجد ملتقى عشائر النقب وشرقي الأردن وعشائر صحراء سيناء؛ لكونه يشكل بالنسبة لهم محطة راحة وتزوّد، فكان يحتضن بين أروقته القادمين من الشام إلى مصر، وكذا الحال القادمين من مصر إلى فلسطين والشام، فيصلون ويأكلون ويشربون وينامون في ساحاته الرحبة، كما أرّخ لذلك المؤرخ الفلسطيني عارف العارف قائمّقام بئر السبع في الثلاثينيات، في موسوعته الشهيرة “تاريخ قبائل بئر السبع والنقب”.

مذبحة الهاجاناه

عام 1948م وإبان النكبة الكبرى اجتاحت العصابات الصهيونية مدينة بئر السبع تحت حماية الانتداب البريطاني، وحولت مسجدها إلى معتقل احتجزت فيه المئات من الأسرى الفلسطينيين والمصريين الذين تعرضوا لمذبحة من عصابات الصهاينة أدت إلى مقتل العشرات منهم بعد أن ألقى أحد الصهاينة قنبلة داخل المسجد وبين الأسرى؛ ما أدى إلى تناثر أشلائهم ودمائهم على جدران المسجد وفي ساحاته.

ومنعت الصلاة في مسجد بئر السبع منذ احتلال المدينة عام 1948م ، وحظرت سلطات الاحتلال على فلسطينيي الداخل الصلاة فيه.

وفي عام 1952 تحول المسجد إلى متحف أطلق عليه ابتداء (متحف النقب)، وكان ذلك بقرار من مهندس بلدية بئر السبع الصهيوني (تسيبي عوفر)، الذي أتاح للزوار والسائحين دخول المسجد المتحف برسومٍ، والصعود على مئذنته.

وبعد إجراء عدة ترميمات للمسجد وتطور المتحف، وضعت تسمية جديدة له: (متحف الحضارات الإسلامية والمشرق)، حيث جلب الكثير من التحف الحجرية والبيزنطية والفسيفساء التي يعود تاريخها للقرن الخامس والسادس إضافة إلى ساعة شمسية مصنوعة من حجارة بيضاء كتب عليها أحرف بيزنطية وضعت داخله، ونسبت إدارة المتحف هذه المكتشفات إلى التاريخ الإسرائيلي الصهيوني.

ثورة الغضب

خاض الفلسطينيون في الداخل عدة معارك جماهيرية وقانونية مع سلطات الاحتلال لاستعادة أمجادهم ووقفياتهم التي شكل مسجد بئر السبع أهمها، فأقاموا الصلوات في ساحاته والاعتصامات والمظاهرات أمام الكنيست ومقرات حكومة الاحتلال، ورفعت مؤسسة الأقصى للدفاع عن الوقفيات عدة قضايا قانونية ضد تهويده، إلا أن المحكمة الصهيونية أصدرت قرارا في حزيران عام 2011م يعدّ المسجد متحفا خاصا لثقافة الإسلام والشعوب الشرقية، وقد استخدم المسجد للعروض الفنية والحفلات الموسيقية الأسبوعية.

في شهر آب من عام 2002م تصدّت الجماهير العربية الفلسطينية بالداخل لقرار من بلدية بئر السبع يعلن عن مهرجان للخمور في ساحات  مسجد بئر السبع وأروقته، والذي كان مقررًا أن يشارك فيه أكثر من ثلاثين مصنعا للخمور.
 
تجمع عشرات الآلاف من الفلسطينيين في ساحات المسجد ومحيطه رغم الإجراءات والحواجزالعسكرية، الذين عدّوا ذلك اعتداء على مشاعر المسلمين، واستمرت الحشود والاحتجاجات عدة أسابيع تخللها إقامة الصلوات، ورفع الأذان، وإقامة صلاة الجمعة في ساحات المسجد الخارجية، وتمكنت هذه الجماهير الغاضبة من إلغاء مهرجان الخمور، ورفع عدة دعاوى قضائية انتهت بقرار من محكمة الصلح الصهيونية في القدس المحتلة بإلغاء مهرجان الخمور الذي تعدّ إقامته خدشا للدين الإسلامي بحسب المحكمة!!

حماية المقدسات

من جانبه، عدّ الشيخ عكرمه صبري رئيس الهيئة الاسلامية العليا وقفات وفعاليات الحركة الإسلامية داخل المناطق المحتلة عام 1948م بأنها حمت الوقفيات من الانتهاكات والتهويد.

وقال في حديث خاص لمراسلنا: “إن الحركة الإسلامية، ومن خلال مؤسسة الأقصى للدفاع عن الوقفيات والمقدسات الإسلامية تمكنت من استعادة الكثير من المساجد والمقابر وترميمها وحمايتها من التهويد، مثل مسجد حسن بيك على مشارف تل أبيب ومسجد العجمي ومسجد البحر في يافا ومسجد طبريا وبيسان وغيرها، لكن الصهاينة مصرون على الاستمرار في تهويد مسجد بئر السبع، رغم أنه مسجد إسلامي، ومسجل منذ أكثر من مائة وعشرة أعوام في سجل أملاك الأوقاف الإسلامية”.

وقال الشيخ جمعة القصاصي، أحد قيادات الحركة الإسلامية في النقب: “سنحمي مساجدنا ووقفياتنا بصدورنا وأرواحنا. لقد قامت الحركة الإسلامية بمئات الفعاليات الجماهيرية والقانونية والسياسية لحماية المقدسات والوقفيات الإسلامية في الداخل من التهويد، وتعرض الكثير من قياداتنا للاعتقال، إلا أن ذلك لن يثنينا عن عزمنا في مواصلة الدفاع عن مقدساتنا ووقفياتنا”.

وأضاف الشيخ القصاصي في حديث خاص لمراسلنا: “إننا في النقب نعمل جاهدين على حماية مساجدنا ومسجد بئر السبع الكبير، ونبذل جهدنا لاسترداده وعودة الصلاة فيه رغم تشبث الاحتلال به وإصدار العديد من قرارات المحاكم لبقائه متحفا، لكننا لن نستسلم”.

من جانبه عدّ إبراهيم صرصور، النائب السابق عن الحركة الإسلامية في الكنيست، أن ما تقوم به سلطات الاحتلال من إغلاق للمساجد وتهويد لها هو عنصرية مقيتة مخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية.

وقال النائب صرصور في حديث خاص لمراسلنا: “نحن وظفنا كل طاقاتنا؛ فشكلنا اللجان والهيئات، وجمعنا ملايين الشواقل للدفاع عن مقدساتنا ووقفياتنا واستردادها، وتمكنّا من حماية نحو 76% من الوقفيات وجعلها تحت سيطرة الوقف الإسلامي، ولا تزال جهودنا مستمرة، ولن نتوقف حتى نستعيد مسجد بئر السبع ومسجد قيساريا ومسجد باني ياس، والوقفيات المصادرة في القدس المحتلة مثل مقبرة مأمن الله”.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح

رفح - المركز الفلسطيني للإعلام قتل جنديان صهيونيان وأصيب 4 آخرون - اليوم السبت- بكمين في رفح جنوب قطاع غزة. وأفاد موقع حدشوت لفني كولام، بمقتل...