الإثنين 05/مايو/2025

هل خسرت واشنطن رسميًّا أهم حلفائها في جنوب شرق آسيا؟

هل خسرت واشنطن رسميًّا أهم حلفائها في جنوب شرق آسيا؟

في عام 1898، وعقب هزيمة إسبانيا في حربها مع الولايات المتحدة، وقع الجانبان معاهدة شملت وضع الأخيرة يدها على كثير من المستعمرات الإسبانية.

وقضت المعاهدة، التي وقّعت في العاصمة الفرنسية باريس، بانتقال السلطة على الجزر الفلبينية، في جنوب شرق آسيا، من إسبانيا إلى أمريكا، مقابل دفع الأخيرة مبلغ 20 مليون دولار لإسبانيا.

اشتعلت إثر ذلك الحرب الفلبينية الأمريكية، واستمرت أكثر من ثلاثة أعوام، من 1899 إلى 1902، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الفلبينيين، ومصرع مئات الآلاف جراء الجوع وانتشار أوبئة مع تردي الأوضاع الصحية، وانتهت باستقرار الحكم العسكري الأمريكي، حتى عام 1935، عندما منحت الفلبين حكمًا ذاتيًّا، إلا أن ذلك لم يكن سوى مسعى لتعزيز وقوف الفلبينيين إلى جانب الأمريكيين في مواجهة التوسع الياباني في المنطقة، قبيل اشتعال الحرب العالمية الثانية، ولم تحصل البلاد على استقلالها إلا بانتهاء تلك الحرب عام 1945.

إلا أن “رودريغو دوتيرتي”، الذي تسلم رئاسة الفلبين منتصف العام الماضي، كشف في تصريح نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أن حقبة الاحتلال الأمريكي، على ما شهدته من ظلامية، تسببت في المقابل بتحجيم النفوذ الإسلامي في البلاد، ونقل الثقل السياسي والاقتصادي إلى المسيحيين، وهو ما استخدمه في تصريح سابق للوم واشنطن على ما شهدته وتشهده البلاد من احتقان لدى مسلميها، بحسب صحيفة “فيلستار” المحلية.

وبالرغم من انتهاء الحرب الفلبينية- الأمريكية، عام 1902، استمر المسلمون، وخصوصًا أقلية المورو، في مقاومة الاحتلال، وذلك حتى عام 1913، الأمر الذي صاحبه ارتكاب الأمريكيين جرائم وحشية بحقهم، وما تزال الأعداد الحقيقية للضحايا طي الكتمان، مع تقديرات بسقوط عشرات الآلاف، وتهجير مئات الآلاف إلى الدول المجاورة.

وتسبب النقل التدريجي للحكم إلى الفلبينيين، والدفاع عن البلاد من التوسع الإمبريالي الياباني، وتوحيدها وتسليمها للمسيحيين مع تقليص أعداد المسلمين بشكل كبير، إلى تحويلها لأهم حلفاء واشنطن في المنطقة، وتناست السلطات حقبة الاحتلال، فيما غضّ الأمريكيون الطرف عن ممارسات الحكومات المتعاقبة المنافية لـ”الديمقراطية”، وخصوصًا إبان حكم الجنرال “ماركوس” الدكتاتوري، بين عامي 1972 و1981.

وحتى تولي “دوتيرتي” الحكم، لم يكن في وارد الأمريكيين أن يفقدوا حليفهم الفلبيني، إلا أن الرجل الذي يوصف بـ”القوي”، تسبب بصدمة في واشنطن، عندما بدأ باتخاذ خطوات لتحقيق “استقلالية كاملة” لسياسات بلاده، سواءً الداخلية أو حتى الخارجية.

واستهل الرئيس الجديد مسيرته بضرب تجار ومتعاطي المخدرات في البلاد، بيد من حديد، وصلت حد التصفية خارج إطار القضاء، وهو ما انتقده الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، مطلع سبتمبر/أيلول من العام الماضي، ليرد عليه دوتيرتي بشتمه في مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر تجمع دول جنوب شرق آسيا “آسيان”، بوصفه “ابن عاهرة”.

لم تكن تلك سوى البداية في مشوار ابتعاد دوتيرتي ببلاده عن النفوذ الأمريكي، ففي حوار مع قناة “روسيا اليوم”، في مايو/أيار الماضي، اتهم واشنطن بسعيها لدفع بلاده، مع دول أخرى في المنطقة، للدخول في حرب مع الصين، مؤكدًا أن ذلك سيتسبب بـ”مذابح”، وكرر مطالبته الولايات المتحدة بالتوقف عن التدخل في شؤون بلاده، وهدد بالتعاون مع بكين وموسكو، وشراء أسلحة منهما.

وكان تقرير لمجلة “رشا بيوند” الروسية، قد أشار في تقرير، نهاية العام الماضي، أن وفدًا من مانيلا قد زار بالفعل المعرض العسكري التقني الروسي “الجيش – 2016″، الذي عقد في سبتمبر/أيلول من ذلك العام، مشيرًا أن الفلبين تعد من أكثر الدول اعتمادًا على السلاح الأمريكي في العالم، بواقع 75% من مجموع واردات البلاد من السلاح، وأن ذلك قد يتغير قريبًا.

وبالفعل مثّلت تلك الزيارة، وما أعقبها من زيارات عسكرية متبادلة تمهيدًا لما حدث قبل أيام، عندما وقعت الفلبين، بحسب “أسوشييتد برس”، عقدًا لشراء أسلحة روسية، على هامش اجتماع وزراء دفاع “آسيان”، الذي حضره وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، منهية بذلك كونها الدولة الوحيدة في العالم التي لم تشتر سلاحًا روسيًّا في تاريخها.

ولفتت قناة “روسيا اليوم”، أن دوتيرتي عزا توجه بلاده الجديد إلى الشروط التي تفرضها واشنطن عليها مع كل صفقة سلاح جديدة، وهو السبب نفسه الذي دفعه لرفض مساعدة عسكرية أمريكية لمواجهة “إرهابيين” جنوبي البلاد، في أغسطس/آب الماضي، بحسب صحيفة “رابيلر” الفلبينية، بل ولرفض مساعدات إنسانية من الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، مقابل قبوله مساعدات عسكرية مجانية من الصين وروسيا مطلع الشهر الجاري.

ومع احتفاظ الرئيس الفلبيني بشعبية كبيرة، لمساعيه إنهاء معاناة البلاد من الفساد وتجارة وتعاطي المخدرات، وتحقيق السلام مع الجنوب ذي الغالبية المسلمة، وتحقيق استقلالية قرارها الوطني، فإن الفجوة التي خلقها مع حليفة البلاد القديمة في عام واحد قد تشهد المزيد من الاتساع في السنوات الخمس المتبقية لولايته، وربما في السنوات الست التي تليها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات