هل تركيا معنية بحرب في كردستان العراق؟

تشهد محافظة كركوك شمالي العراق، منذ الساعات الأولى لفجر الاثنين، تحركات عسكرية من القوات الحكومية المركزية، للسيطرة على المدينة، المتنازع عليها مع الإقليم، وخصوصًا على آبار النفط فيها.
وقد أدت تلك التحركات إلى توتر شديد في المنطقة، ينذر باشتعال الحرب التي حذر منها كثيرون بعد إقدام أربيل، في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، على إجراء استفتاء للانفصال عن بغداد.
واتهمت أوساط كردية أطرافًا “خارجية” بتأجيج الموقف في البلاد، وأكدت صحيفة “باسنيوز” الكردية مشاركة الحرس الثوري الإيراني في عملية اقتحام كركوك.
بالمقابل، فإن مختلف وسائل الإعلام الكردية تعاملت منذ بداية الأزمة بحذر تجاه تركيا، التي أبدت أكبر قدر من الغضب إزاء مساعي انفصال أربيل، رغم أنها لم تتحرك بعد على الأرض بشكل عنيف، وتكتفي بالتهديدات وإبداء الدعم لبغداد.
تهديد الأمن القومي
وترى أنقرة في استمرار أزمات العراق تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، كما صرّح بذلك الرئيس، رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة، كما تخشى من تعزيز انفصال الإقليم موقف الانفصاليين الأكراد لديها، وترى في مساعي خلق كيانات كردية مستقلة على طول حدودها الجنوبية مخططًا لعزلها عن المنطقة العربية بريًا، وضرب موقعها الاستراتيجي في المنطقة، علاوة على كون تحقيق ذلك المشروع يأتي على حساب طرد الكثير من السكان العرب والتركمان من مناطق واسعة في العراق وسوريا، الأمر الذي تعهد أردوغان، في خطاب له أمام البرلمان التركي مطلع الشهر الجاري، بـ”المحاسبة” عليه.
وفي حال تحقق المشروع الذي تخشاه وتحذر منه تركيا، فإن دخولها إلى الأسواق العربية برًّا سيتضرر، كما ستخسر موقعها كممر إجباري لنفط كردستان نحو أسواقه، كما لفت تقرير لمجلة “نيوز ويك” الأمريكية عشية الاستفتاء، فيما تزعم أنقرة أن الأكراد يطمحون للوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، شمال غربي سوريا، وامتلاك مخرج بحري مباشر، وإن كان تحقيق ذلك في الواقع بالغ الصعوبة.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، كانت العلاقات بين أربيل وأنقرة جيدة، واستضاف أردوغان رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، عدة مرات في بلاده، كان آخرها نهاية فبراير/شباط الماضي، وجنى الإقليم الكثير من الأموال من مبيعات النفط عبر تركيا، بالرغم من اعتراضات بغداد، وهو ما دفع أردوغان إلى وصف قرار بارزاني بالمضي في الاستفتاء بـ”الخيانة”، وتهديده برد قاس عليها، “قد” تشمل الخيار العسكري.
الخيار العسكري
وعقب إجراء الاستفتاء، حشدت أنقرة قوات كبيرة على حدودها مع العراق، وأطلقت مناورات مشتركة مع الجيش العراقي، وفرضت إجراءات عقابية بحق الإقليم، أهمها إغلاق المنافذ البرية وتعليق الرحلات الجوية منه وإليه، إلا أنها في المقابل لم توقف تدفق النفط، كما أشار إلى ذلك رئيس لجنة النفط في برلمان كردستان، شيركو جودت، في حديث لقناة الجزيرة الفضائية قبل أيام، الأمر الذي يبرز أهمية نفط كردستان لأنقرة، ويطرح تساؤلات حول خياراتها للتعامل مع هذه الأزمة.
فبالرغم من كل التصريحات التي لم تستبعد الخيار العسكري لمواجهة مخاطر انفصال الإقليم العراقي، إلا أن العديد من الحسابات تجعل من ذلك الخيار مستبعدًا، أهمها صعوبة التنسيق والتفاهم مع طهران وبغداد، في ظل استمرار وجود قدر من عدم الثقة معهم، وصعوبة حسم معركة في الإقليم، أو ربما استحالته بالنظر إلى التأييد الشعبي الذي تحظى به الأحزاب الانفصالية، وطبيعة الإقليم الجبلية الوعرة.
كما أن ذلك الخيار، الذي سيوقع الكثير من الدماء خصوصًا بين المدنيين، سيؤلب شريحة واسعة في المجتمع التركي، وخصوصًا الأكراد، على الحكومة، وهي التي نجحت بالكاد في كسب ود بعضهم بعد عقد ونصف من العمل الدؤوب، علاوة على حسابات المواقف الدولية، والفاتورة الاقتصادية الباهظة التي يتوقع أن تتكبدها تركيا.
أوراق ضغط
في المقابل، فإن لدى تركيا عدة أوراق للضغط على الإقليم للتخلي عن الانفصال، أو تقليص مخاطر انفصاله إن تم على الأقل، أهمها تقليص موارده النفطية من خلال دعم بغداد في بسط سيطرتها على حقول ومصاف تقع في مناطق حدودية ومتنازع عليها، وهو ما ظهر في تحرك كركوك الأخير، وهو ما يعني أيضًا تقليص رقعة الإقليم الجغرافية.
من جانب آخر، يبدو أن تركيا تسعى لخلق منفذ بري مباشر بينها وبين بغداد، غير خاضع لسيطرة أربيل، وقد أفادت صحيفة “خبر تورك” بعد يومين من الاستفتاء أن أنقرة بصدد فتح معبر حدودي جديد أقصى شمال غربي العراق، خلال شهرين أو ثلاثة، بالتنسيق مع الحكومة العراقية المركزية.
ويعني ذلك أنه سيتم اقتطاع مساحة صغيرة، تشكل ممرًا، من كردستان، التي تمتد أراضيها على كامل الحدود مع تركيا، على أن تشكل في نفس الوقت حاجزًا بين أكراد العراق وأكراد سوريا، وممرًا لنفط بغداد إلى تركيا متجاوزًا أربيل، وقد أشارت وكالة أسوشييتد برس للأنباء، الأسبوع الماضي، أن الحكومة العراقية بدأت بالفعل تحديث أنابيب نفطية تصل تركيا “دون المرور بكردستان”.
وبالتوازي مع تلك الخطوات في العراق، تجري تركيا تحركًا عسكريًا شمال غربي سوريا، أحد أهم أهدافه التصدي لتوسع رقعة نفوذ الميليشيات الكردية السورية، وربما إزالة سيطرتها عن منطقة عفرين، في ريف حلب الشمالي، لإنهاء فرص تلك الميليشيات بالوصول إلى الساحل السوري، أو عزل تركيا عن بقية سوريا، وصولًا إلى حصر الأكراد في مناطق شرق الفرات، كما كانت تطالب أنقرة منذ بداية الأزمة السورية.
لن تنهي تلك التحركات التركية مساعي الأكراد للانفصال، إلا أنها قد تدفعهم إلى تأجيل إعلانه إلى حين توفر فرص أفضل، ولكن ممارسات ميليشياتهم، وخصوصًا في سوريا، لتغيير الواقع الديموغرافي ببعض المناطق، لصالح حسابات استراتيجية، تسبب باستعداء قطاعات واسعة من شعوب المنطقة، وربما يكون قبولهم اليوم بدولة صغيرة محصورة في شمال العراق، وإقليم صغير في شمالي سوريا، أفضل ما قد يتاح لهم على المدى المنظور.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يعتدي على الوقف الإسلامي رباط الكرد بالقدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أزال موظفو بلدية الاحتلال الإسرائيلي بحماية الشرطة، يوم الإثنين، ألواحًا من الحديد وأتربة، وفتحوا مدخل قوس...

الاحتلال يشرع بهدم منازل في مخيم نور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، بتنفيذ عمليات هدم في حارة المنشية داخل مخيم نور شمس شرقي مدينة...

الهمص: الاحتلال يقتل طفلًا في غزة كل 40 دقيقة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف مدير عام المستشفيات الميدانية بغزة مروان الهمص، عن استشهاد أكثر من 16 ألف طفل في قطاع غزة، منذ بداية حرب الإبادة...

تقرير: التدمير الإسرائيلي للقطاع الزراعي يستهدف إبادة الفلسطينيين واستئصال وجودهم
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصل منذ أكتوبر 2023، استهدف بشكل...

هيئة الأسرى: إهمال طبي متعمد وقمع متواصل للأسرى في عوفر
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين إن إدارة سجن "عوفر" الاحتلالي تواصل اقتحام غرف الأسرى، وقمعهم، تزامنا مع إهمالهم...

الاحتلال هدم 600 منزلاً في جنين ويوسع عمليات تجريف المخيم
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام يواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 106 أيام عدوانه على مدينة جنين ومخيمها، مع توسيع عمليات التجريف والتدمير داخل...

حماس: الخطة الإسرائيلية الأمريكية لتوزيع المساعدات تمثل خرقاً للقانون الدولي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس، رفضها الشديد تحويل المساعدات إلى أداة ابتزاز سياسي أو إخضاعها لشروط الاحتلال،...