الجمعة 09/مايو/2025

الخليل.. الزواج المبكر خوفا من الباير والعانس

الخليل.. الزواج المبكر خوفا من الباير والعانس

كانت غرفة الانتظار تعج بالشباب والصبايا وذويهم، غالبية العرسان في مقتبل العمر لا تتجاوز أعمارهم ما بين الرابعة عشرة وحتى السابعة عشرة، ينتظر كل شريكين منهم دورهم في محكمة الخليل الشرعية بمنطقة باب الزاوية وسط المدينة.

نادى موظف المحكمة ومسؤول إجراء العقود بالاسم: أين (فاطمة..)، ووالدها وعريسها، تفضلوا عند القاضي.

دخل الوالد والعروس وخطيبها إلى غرفة القاضي الشيخ ربحي القصراوي قاضي محكمة الخليل الشرعية. عندها  سأل القاضي العروس: كم عمرك يا ابنتي؟ فأجابت  فاطمة 14 عاما، فرد والدها على القاضي مسرعا وقال: “يا سيدي البنت كبيرة وخرج جيزة، بدنا نسترها الله يستر على ولاياك”.

لكن القاضي رفض إجراء العقد وقال لوالدها: “القانون لا يجيز تزويج فتاة في هذا العمر، عد إلى البيت وارجع إلى المحكمة بعد ستة أشهر و21 يوما!”.

وينص قانون الأحوال الشخصية الفلسطيني بالسماح للشاب بالزواج عند بلوغه 15 عاما و6 أشهر و11 يوماً بينما يسمح للفتاة بالزواج عند عمر 14 عاما و6 أشهر و21 يوماً.

مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، الذي تلمس تصاعد الانتقاد لهذه الحالة الاجتماعية الآخذه بالاتساع، يشير إلى أن أحد الدوافع تعود إلى ثقافة الأهل الذين يرون أن ابنهم إن لم يتزوج مبكرا يمكن أن يصبح “بايراً”، وإن تأخرت ابنتهم عن الزواج تصبح “عانساً”، وهو ما يشكل دافعا للبحث عن تزويجهم في سن مبكر.

نسب وإحصاءات
تشير الدراسات والإحصاءات في المجتمع الفلسطيني إلى ارتفاع نسبة الزواج المبكر.

ووفق دراسات دائرة الإحصاء المركزي الفلسطيني؛ فقد بلغ عدد السكان في فلسطين نهاية 2016 حوالي 4.88 مليون فرد، منهم 2.48 مليون ذكر بنسبة 50.8% و2.40 مليون أنثى بنسبة 49.2%، وحوالي 11.0% من الأسر الفلسطينية ترأسها نساء، بواقع 12.1% في الضفة الغربية و9.0% في قطاع غزة.

كما تشير المعطيات إلى أن أكثر من خُمس الأفراد (21.4%) تزوجوا دون 18 عاما. وحوالي 20.3% نسبة الزواج المبكر للإناث مقابل 1.1% للذكور.  

وعلى مستوى محافظات الضفة الغربية بلغت أعلى نسبة للزواج المبكر للإناث في محافظة الخليل بنسبة 36.2% من مجموع الإناث المتزوجات (في عمر أقل من 18 سنة) في الضفة الغربية. بينما يكثر الزواج المبكر في المحافظات الجنوبية في غزة بنسبة 40.8 في المائة.

“الباير” والعانس”
بينما ينظر للزواج المبكر بحسب القوانين والأعراف الدولية بأنه كل زواج يجري قبل الثامنة عشرة، وهذا ما أشارت له وثيقة حقوق الطفل الصادرة عن اليونيسيف في الأمم المتحدة.

لكن المجتمع الفلسطيني يتعامل مع هذه القضية الاجتماعية بمنطق آخر، فالزواج المبكر بالنسبة للكثير من الفلسطينيين حالة ملاصقة لواقعهم السياسي والاجتماعي والثقافي.

فمن تأخر زواجه عن الثانية والعشرين يعدّ عند البعض بالعامية (باير) يعني لم يجد أحدا يعطيه ابنته لعيب فيه!.

فيما من وصلت من الفتيات إلى العشرين تعدّ عانسا عند الكثيرين وخاصة المجتمع القروي الريفي الذي يعد الزواج المبكر وكثرة الإنجاب يزيد من منعة وقوة العشيرة، إضافة إلى أن الذين يتزوجون مبكرا ينجبون الكثير من الأولاد فيصبحون سنداً وعونا له في العمل، وهو لم يصل كأب إلى الأربعين من عمره بعد.

لكن الأخصائيين الاجتماعيين النفسيين لهم وجهة نظر أخرى، حيث يرى رامي الطروة، أن الزواج المبكر خلف الكثير من الأزمات والمشاكل الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني كون الزوجة والزوج غير ناضجين.

هذا بالإضافة إلى عدم الجاهزية الاجتماعية بالنسبة للأسرة، فابنة الأربعة عشر عاما طفلة بعد لم تستوعب متطلبات الحياة الزوجية وإدارة بيتها، وكذا الحال عند الزوج الذي لا يعرف متطلبات الزوجة ولا حقوقها.

ويضيف الطروة، وهو مختص اجتماعي، في حديث خاص لمراسلنا: “هذا النوع من الزواج وأقصد المبكر تنشأ فيه مشاكل كثيرة مبكرة في عدم تفهم إدارة الأسرة، ويصبح الزوجان في مهب الريح تعصف بهم الأقاويل فينتهي إلى الطلاق”.

نتائج الزواج المبكر

وأشار الطروة: “لاحظنا الكثير من الأزواج وبعد عشر سنوات من زواجهم يستيقظ ويقول: ليس هذه الزوجة التي أريدها. والدي ووالدتي ضحكوا علي، ولو كان الخيار بيدي لما تزوجت هذه الفتاة، وعندها إما يطلقها أو يتزوج عليها بأخرى، وتدب بينهما المشاكل والأزمات”.

وتقدم خديجة النتشة، مسؤولة قسم حماية الأسرة في مركز الإرشاد التربوي والقانوني في الخليل، تصورا لواقع الزواج المبكر، وتعرض نسباً ليست بالقليلة لحالات الطلاق والخلاف.

وتقول النتشة لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”: “من الظلم تزويج الفتيات والشباب في سن مبكرة، فنحن نعاني يوميا من عشرات الحالات والمشاكل المعقدة نتاج هذا الزواج”.

وتشير إلى أن “بعض الزوجات اشتكين من كثرة الإنجاب، فقالت إحداهن في شهادة لها لدى قسم البحث الأسري في المؤسسة عندما تقدمت بشكوى رسمية: “عمري 26 عاما، وعندي أربع بنات وولدان، وحامل ببنت، وربما إذا تحقق فعلا أنها بنت ممكن أن تكون سببا في طلاقي! أنا في مشاكل مستدامة منذ زواجي، وزوجي يقول لي دوما: أنا بدي أولاد”.
 
وتشكل الخليل النسبة الأكبر في الزواج المبكر؛ وذلك لقناعات الكثيرين من أبناء المحافظة أن هذا النوع من الزواج يساهم في تكوين أسرة كبيرة وقوية، تساهم في رفع شأن العائلة اقتصاديا واجتماعيا، وخاصة عند أصحاب المصانع والمشاغل الذي يكوِّنون من أبنائهم وأحفادهم قوة عاملة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات