الأحد 10/نوفمبر/2024

الرزنامة المقدسية

د. ديمة طارق طهبوب

إن جزءا من تشكيل مفهوم النصر هو الانقلاب على تواريخ الهزيمة، هو إيجاد حالة ذهنية تحول إرث الخسارة إلى مكسب و تستفز الهمة من بعد الرقود و تحمل الأجيال أمانة الإصلاح حيث أخطأ أو قصر الأولون.

في كل عام ترجع إلينا ذكرى ما يسمى بوعد بلفور الذي حاول أن يلبس لبوس الإنسانية و ينطق بلسانها فينظر بعين العطف إلى ما وصفه بعذابات شعب عانى التقتيل و التشريد و آن له أن يستقر و ينشىء دولته في فلسطين و كأن فلسطين هذه كانت خربة و أرض عزلاء منسية تنتظر من يستوطنها و يعمرها، بينما الحقيقة أن ذلك الوعد المدنس لم يكن أكثر من صفقة اشترت بها بريطانيا مادة لصنع القنابل من الصهيوني حاييم وايزمان و أعطته مقابلها عطاء من لا يملك لمن لا يستحق و كانت السبب في أكبر مأساة في تاريخ الإنسانية حيث محت وطنا عن الخارطة و ما زالت بذات الغطرسة ترفض حتى مجرد اعتذار أدبي و رمزي عن سلوكها الاستعماري بالرغم أنها قدمته للكثيرين بما فيهم قبائل افريقية صغيرة!!

تعود الذكرى السنوية و حال السياسة الرسمية في تردٍ بلغ أشده بالانقضاض على المقاومة لأجل مسار التفاوض الذي ما انفك يثبت فشله جولة بعد جولة و حسن الحظ في هذا ان العدو الصهيوني ينقض و يخلف و يستمر بسياساته الأحادية و المتطرفة دون مراعاة لعهود و اتفاقيات!

تعود الذكرى و قد فهمت بعض الشعوب حال ساستها فغسلوا أيديهم منهم و التفتوا إلى ما بين أيديهم من عناصر قوة و نجاح يستثمرون فيها.

تعود الذكرى و سياسة العدو تحاول إطباق فكي الكماشة على القدس تحديدا فهي و إن أقامت كيانها في الساحل لا تلتفت و لا تنسى أن المركز و إن طال الزمن ليس إلا في القدس إذ لا معنى عندهم لإسرائيل بدون القدس و لا معنى للقدس بدون الهيكل! و مخططاتهم واضحة و معلنة تهدف إلى تهويد المدينة بتغيير معالمها و هويتها و إحاطتها بالمغتصبات و تشجيع الصهاينة على سكناها و طرد أهلها و التضييق عليهم و الثأر منهم و تغيير هويتهم بتغيير التعليم و المناهج و حصار المسجد الأقصى و أهله بتجريم المرابطين و ملاحقتهم و فرض السيطرة الأمنية عليه بالكاميرات و البوابات!

تعود الذكرى و قد فهم أهل الأردن قبل غيرهم دور الأردن تحديدا في قلب الطاولة و تغيير المعادلة بالاستثمار في الإنسان المقدسي ليكون رأس الحربة في مشروع المقاومة الشعبي، تعود الذكرى و أهل الأردن قد فهموا أن إرادة الشعوب غالبة مهما كان التفوق العسكري و لذا بدؤوا مشروعهم منذ سبع سنوات في تثبيت الإنسان المقدسي كعنوان للصمود و الحفاظ على المقدسات.

مشروع جبار حمل لافتة أمل و دعم تزهو بحديث المصطفى صلى الله عليه و سلم “فابعثوا بزيت يسرج في قناديله” فكانت الحملة السنوية فلنشعل قناديل صمودها، حملة حولت كل الآمال و التمنيات و الغضب و الإدانة إلى حالة فعل و قوة قطفنا ثمارها بأعيننا مقدسيون منزرعون في أرضهم و بيوتهم يفدون مسجدنا الأقصى بالغالي و النفيس. 

فلنشعل قناديل صمودها بلغت السنة السابعة من عمرها بستة مراحل من الإعمار رممت خلالها ٢١٨ وحدة سكنية استفاد منها ١١١٠ شخص و أعمرت منشأتين تعليميتين يدرس فيها أكثر من ١٥٠ طالب.

ثمار قطفناها في الانتفاضة الأخيرة يوم قيض الله للمسجد عبادا له أولي بأس شديد يحمونه و يذودون عنه.

يومها كان أهل الأردن موجودين لا بالروح فقط و إنما بأجر الرباط في كل رقعة و بيت عمروه و كل مرابط ثبتوه، يومها كان صوتنا عاليا في كل تكبيرة و قدمنا راسخة في كل خطوة حبسنا العذر فأطلقنا عقال رقابنا بالنصرة بالمال.

هذا اليوم قد حان موعده هذا العام لنجدد وثيقة رباطنا و صك ملكيتنا و ولادتنا المقدسية المحفوفة بالبركة.

كان عطف العالم يوم بلفور و ما زال مع الصهاينة فأين عطفنا و إلى من ترحل عيوننا؟

اليوم أزف و القدس تتجهز و الأقصى ينتظر سراجه فهل عقدتم العزم على نصرته؟

لقد ولت أيام الهزيمة و التباكي و بدأنا بكتابة رزنامة مقدسية و تاريخ جديد و ولادة متجددة عنوانها باقون  باقون ما بقي الزعتر و الزيتون.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات