السبت 10/مايو/2025

ليبيا على مفترق طرق.. الاستنزاف أو التحول إلى معتقل كبير

ليبيا على مفترق طرق.. الاستنزاف أو التحول إلى معتقل كبير

بالرغم من تهديده باستهداف سفنها، استضافت روما، الأسبوع الماضي، الجنرال الليبي “خليفة حفتر”، قائد قوات مجلس النواب المنعقد في طبرق (شرق)، غير المعترف به دوليا.

وشهدت الزيارة، الأولى من نوعها، اجتماعات على أعلى المستويات، ما أثار عدة تساؤلات حول حقيقة الموقف الإيطالي، والأوروبي عمومًا، من الأزمة في ليبيا، وصدقية تمسكهم بـ”المسار الديموقراطي” بالرعاية الأممية، الذي لطالما اتهموا حفتر بالانقلاب عليه.

وفي اليوم التالي للزيارة (الأربعاء الماضي)، نقلت صحيفة “TPI” الإيطالية تصريحات لوزير الداخلية، ماركو مينيتي، تعليقًا على الزيارة، قال فيها إنه لا يمكن التوصل لحل في ليبيا دون التعامل مع الطرفين الرئيسين للأزمة، حفتر الذي يسيطر على الشرق، وفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي المعترف به دوليًّا، ومقره طرابلس، في الغرب.

وعلّل الوزير الإيطالي ذلك الموقف بأن “حفتر يمتلك قوة حقيقية على الأرض”، وينبغي التفاهم معه، ومع كل من يمتلك القوة في البلاد، لتجنب استمرار دوامة العنف، والأهم طبعًا “لوقف استمرار تدفق المهاجرين عبر ليبيا إلى أوروبا”، عادًّا أن الحدود الجنوبية لليبيا تحولت بالفعل إلى حدود جنوبية للقارة الأوروبية، الأمر الذي يرى فيه مراقبون تراجعًا عن “المثالية” الأوروبية في الدفاع عن الديمقراطية والشرعية وحقوق الإنسان، إلى مربع منطق “القوة” وتغليب المصالح بأي ثمن.

وعلى مدار الأسابيع الماضية، انتقدت عدة منظمات حقوقية دولية، خطط إيطاليا والاتحاد الأوروبي في ملف المهاجرين غير الشرعيين، والتي من شأنها تحويل ليبيا إلى معتقل كبير لهم، وسط ظروف لا يمكن مراقبتها، في ظل الانفلات الأمني في البلاد، والتي تمثلت أولى خطواتها بمنع السفن التابعة لتلك المنظمات من الإبحار في المياه الليبية، بالتعاون بين إيطاليا وحكومة السراج، على أن تتولى الأخيرة مهمة العثور على قوارب المهاجرين وإعادتهم إلى السواحل الليبية.

حسابات اقتصادية واستراتيجية
لا يمكن لملامح ذلك الموقف الإيطالي أن تكتمل دون الأخذ بالاعتبار “حسابات النفط” والتجاذبات الأوروبية-الأوروبية، والأوروبية-الروسية، في الساحة الليبية.

فقد أشارت صحيفة “ريبوبليكا” الإيطالية أن الزيارة شملت لقاءً سريا بين حفتر وإدارة شركة “إيني” الإيطالية النفطية العملاقة، التي تمتلك استثمارات هائلة في قطاعي النفط والغاز بليبيا، والتي يسيطر حفتر بدوره على جل آبارهما في البلاد.

ويذكر تقرير لمجلة “ذيس إز أفريكا”، نشرته مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، أن استثمارات “إيني” تشمل حقل “أبو الطفل” في سرت (شمال)، وحقلي “البوري” و”بحر السلام” للغاز الطبيعي، في البحر المتوسط، قبالة سواحل شرق ليبيا، بالإضافة إلى خط أنابيب “الدفق الأخضر”، الذي يمتد لـ500 كم غربي البلاد.

من جانب آخر، فإن الاقتصاد الإيطالي شهد تدهورًا في السنوات الأخيرة، بالتوازي مع خسارة روما المكانة المهمة في حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا مركزًا لتوزيع الطاقة، إثر توقف واردات النفط والغاز من ليبيا عقب الثورة، عام 2011، وإيقاف روسيا عام 2014 تصدير الغاز عبر أوكرانيا وصولًا إلى إيطاليا، حيث يتم تجميعه، وإعادة توزيعه، وذلك مقابل إنشاء خط “نورد ستريم 2” بين روسيا وألمانيا، لتنتزع الأخيرة بذلك تلك الورقة المهمة من روما.

كما أن موسكو سعت على مدار الأشهر الماضية إلى إيجاد موطئ قدم لها في ليبيا، من خلال تواصل مكثف مع خليفة حفتر، الأمر الذي قد يشهد زخمًا أكبر مع هدوء الجبهة السورية، وهو ما تعدّه روما خطرًا على مصالحها، بل عموم أوروبا، بالنظر إلى مساعي روسيا لتعزيز وجودها الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط.

النفوذ الفرنسي
بدوره اتخذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خطوات لتعزيز نفوذ بلاده في الملف الليبي، من خلال استضافة حفتر والسراج في باريس، في يوليو/تموز الماضي، الأمر الذي دق ناقوس خطر أخير في روما، دفعها للتحرك بقوة، وصل حد التصريح علانية برفضها “التدخل الفرنسي”، وفق ما ذكرت وكالة “رويترز” للأنباء، في 24 من الشهر ذاته.

إذن فإيطاليا تسارع لإحلال تسوية في ليبيا، والحصول على أكبر قدر من التنازل من جميع الأطراف مقابل الدعم و”الشرعية” وصولًا إلى الاستقرار، وهو ما قد يشمل تحويل البلاد إلى معتقل كبير للمهاجرين، كما سبقت الإشارة، وتحصيل عقود زهيدة وطويلة الأمد في قطاع الطاقة، إضافة إلى التغاضي عن التجاوزات الحقوقية، وتقسيم كعكة السلطة بين جميع الأطراف، أو بعضها، بحسب التنازلات، وربما إقامة قواعد عسكرية في البلاد، وسيكون على الليبيين بذلك الاختيار بين الاستسلام لذلك المسار، أو الاستمرار في صراع تؤججه المصالح الأجنبية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات