بين الفحص والرفض.. هكذا اغتال الاحتلال المريض قديح

لعشرات المرات، تلقت أسرة المواطن فؤاد إبراهيم قديح (53 عامًا) رسائل على هاتفها النقال من دائرة الارتباط في جيش الاحتلال تحمل كلمتي (فحص) أو (مرفوض) حتى قضى عليه مرض السرطان.
توفي قديح -وهو من سكان قرية عبسان الكبيرة شرق مدينة خان يونس- قبل أيام، بعد تدهور حالته الصحية، وتفشي السرطان في معظم جسده، وخلال عام كامل حرم الاحتلال قديح من تلقي العلاج واجتياز معبر بيت حانون.
وتمارس مخابرات الاحتلال صورًا شتى من حرمان مرضى قطاع غزة من تلقي العلاج في مستشفيات الضفة المحتلة والقدس والداخل المحتل، وتحاول ابتزاز الكثيرين منهم، وتعرض عليهم العمل معها.
وتوفي خلال حصار قطاع غزة -المتواصل للعام الحادي عشر على التوالي- العشرات من المرضى بسبب منع الاحتلال وحرمان السلطة الفلسطينية تغطية التحويلات العلاجية للمرضى في العامين الماضيين.
اغتيال مريض
وقد أصيب قديح في سبتمبر عام 2016 بوعكة صحيّة مفاجئة ألجأته للقيام بعملية منظار وتحاليل طبّية، كشفت عن ورم سرطاني في القولون، نصحه أطباء غزة بعد اكتشافه بضرورة زيارة مشفى في القدس للسيطرة عليه.
وكان قديح فقد عمله في الداخل المحتل مطلع انتفاضة الأقصى؛ ما أجبره للعمل في الزراعة وبيع البقدونس وأعمال بسيطة ليعيل 8 أبناء وزوجة من بينهم اثنان مصابان بنقص النمو.

null
تقدّمت زوجة قديح بإجراءات اجتياز معبر بيت حانون للحصول على جرعة (إشعاع) في مستشفى المطلع بالقدس المحتلة بعد حصولها على نموذج رقم (1) للحالات الطارئة.
تقول الزوجة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “ذهبت للشئون المدنية، فجاءتني رسالة بعد أيام أن حالته تحت الفحص الأمني، ثم تدهورت حالته النفسية بسبب التأخير، فذهبت لمؤسسات حقوق الإنسان بغزة، وحصلت على موعد بعد 15 يومًا، وبعدها تجدد الرفض بحجة الفحص”.
وصلت محاولات الزوجة إلى ليلة 24 أكتوبر، وحزمت أمتعتها بانتظار رسالة قبول اجتيازه معبر بيت حانون، لكن الاحتلال كرر نفس الرد، فساءت صحة المريض، وأحجم عن تناول الطعام، ما أدى لانتكاسة صحية كبيرة.
حافظت زوجة قديح على تقديم طلب تصريح كل أسبوعين دون جدوى، وفي نوفمبر عام 2016 تبدّلت الرسائل إلى (رفض) ثم عادت الردود (فحص)، بشكل تلاعب بنفسية المريض الذي بدأ السرطان ينهش جسده.
المخابرات توافق
في السادس من نوفمبر 2017 وبعد طول عناء حصلت على موافقة بالسفر، ولم يصدّق فؤاد أنه في طريقه للعلاج، فتحسّنت نفسيته بعد اجتياز معبر بيت حانون، وعندما وصلوا مستشفى المطّلع أجرى الأطباء له تحاليل طبّية، وأخبروا الزوجة أن تأخير العلاج وصل بالسرطان إلى الكبد.
ويتنقل ولداه جهاد وخالد، بحزمة من الأوراق لعشرات التحاليل والتقارير الطبيّة، وردود هيئة التنسيق والارتباط تحمل يوميات والدهم الذي قتله الاحتلال نفسيًّا قبل أن يفتك به المرض.
ويقول جهاد: “عاد أبي وأمي لغزة بعد تأخير علاج 4 شهور، وعندما حاولا العودة بعد أسبوعين، عدنا لدوامة تحت الفحص ومرفوض، فحصل على جرعة كيماوي بغزة، ولكن الأطباء أكدوا ضرورة عودتهم للقدس”.
لم تقطع زوجة قديح الأمل في السفر للقدس يومًا واحدًا، لكن الاحتلال تعمّد تأخير علاج زوجها، فحصلت خلال 12 شهرًا على 15 ردًّا بأنه تحت (الفحص) وردا واحدا أنه (مرفوض).
في يوليو الماضي تكرر الرد السلبي، فأصر زوجها على وصول معبر بيت حانون، وهناك قابل ضابط المخابرات الذي أبقاه ساعتين كاملتين وحالته الصحية سيئة رهن الانتظار، ولم يسأله سوى (اسمك؟، عدد أولادك؟، لماذا تريد السفر؟) وكان كلما يصيبه النعاس من شدة المرض يضرب على الطاولة ويرهبه.
أمام حجرة ضابط المخابرات تشبثت زوجة فؤاد وهي تتأبط ذراعه بالأمل الأخير، وسألت المجنّدة الصهيونية: (هل سنعود؟) فأجابتها باقتضاب (روّحي على بيتك).
فوات الأوان
في أغسطس الماضي تفاجأ قديح بالموافقة على السفر، وعندما وصل في منتصف أغسطس مستشفى المطلع، أخبر الأطباء زوجته بعد الصور المقطعية والتحاليل دون أن يدري أن السرطان تمدد لكامل بطنه، وأنه أصيب بجلطتين في الرئة، فعالجوه بالكيماوي والإشعاع.
عادت قديح بزوجها لغزة على أمل السفر مجددًا، لكن مخابرات الاحتلال عادت لممارسة الإهمال الطبّي المتعمد؛ فلجأ قديح للمستشفى الأوروبي، وفقد جزءًا كبيرًا من وزنه، وطوال 23 يومًا حاول الأطباء مساعدته دون فائدة.

null
في آخر أيامه طلب من أولاده أن يلبسوه رداءه الأبيض ليلحق بصلاة الجمعة، وهو يهذي بكلام غريب أثار تعجّب ابنه جهاد حين قال: “ألبسوني بسرعة، هناك أناس يلبسون أبيض، قالوا سنصلي الجمعة ونعود لك”.
في الساعة الأولى من فجر 23 ديسمبر خفتت أنفاس قديح بشكل مفاجئ، وعندما حاول أحد مرافقي المرضي بالحجرة تفقّد نفسه؛ عاد وتنفس لمرات قليلة، لكن ابنه جهاد كان يعلم أن والده توفي.
وتتساءل زوجة قديح: “متى ستوقف جرائم الاحتلال التي تقتل المرضى نفسيًّا بتأخير ورفض العلاج قبل أن يقتلهم المرض؟! أدعو على كل من تسبب في تأخير علاج زوجي حتى فقدناه”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاتصالات تُحذر من انقطاع الخدمة جنوب ووسط قطاع غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية، مساء اليوم السبت، أنها ستُنفذ أعمال صيانة اضطرارية على أحد المسارات الرئيسية في قطاع...

الدويري: عمليات القسام برفح تمثل فشلا إسرائيليا مزدوجا
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن عمليات كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)-...

شركات طيران دولية تلغي رحلاتها لتل أبيب عقب قصف مطار بن غوريون
الناصرة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركات طيران دولية، صباح اليوم الأحد، إلغاء رحلاتها إلى "تل أبيب"، عقب قصف مطار بن غوريون الدولي. وبحسب...

مؤسسة حقوقية: آلاف المعتقلين بسجون الاحتلال يواجهون عمليات قتل بطيئة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام يواجه الأسرى في سجون الاحتلال تصاعدًا غير مسبوق في عمليات التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، التي تمارسها الإدارة...

جماعة أنصار الله: واشنطن تجاهلت تحذيراتنا لأنها لا تأبه بحياة الصهاينة
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قالت جماعة أنصار الله اليمنية، الأحد، إن "الولايات المتحدة الأمريكية لا تأبه بحياة الإسرائيليين رغم توجيه تحذير لها...

مدير المستشفيات الميدانية بغزة: المجاعة قادمة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة بقطاع غزة، مروان الهمص، إن أغلب سكان قطاع غزة يعيشون تجويعاً ينفذه...

إصابة 43 فلسطينيًا باقتحام قوات الاحتلال البلدة القديمة في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 3 فلسطينيين بينهم طفل، برصاص قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي و40 آخرون بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، إثر اقتحام...