الأحد 04/مايو/2025

صعود اليمين المتطرف.. رياح عاتية تعصف بأوروبا الموحدة

صعود اليمين المتطرف.. رياح عاتية تعصف بأوروبا الموحدة

بالرغم من فوزها بولاية رابعة مستشارةً لألمانيا، إلا أن حزب الزعيمة الألمانية، أنجيلا ميركل، سجل تراجعًا كبيرًا في الانتخابات العامة، التي أجريت يوم الأحد الماضي، مقابل صعود تاريخي لحزب اليمين المتطرف، الأمر الذي زاد من جدية المخاوف حول مستقبل القارة الأوروبية.

وبحسب النتائج التي نشرتها صحيفة “دير شبيغل” الألمانية، أمس الأول الاثنين، فقد خسر حزب الاتحاد (تحالف حزبي “الاتحاد الديموقراطي المسيحي” و”الاتحاد الاجتماعي المسيحي بولاية بافاريا”) الذي تتزعمه ميركل 8.6% من الأصوات مقارنة بانتخابات عام 2013، مقابل اكتساب حزب “البديل” 7.9%، ليتمكن الأخير بذلك من دخول البرلمان “البوندستاغ”، وهو ما لم يتحقق لحزب يميني متطرف منذ 6 عقود، وفق صحيفة الغارديان البريطانية.

ليست تلك حالة خاصة بألمانيا؛ فعموم أوروبا تشهد موجة صعود للشعبوية والتطرف اليميني، بالتوازي مع ضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة، على مدى السنوات العشر الأخيرة، والتي يؤذن استمرارها في السنوات القادمة بمزيد من الميل نحو اليمين، وبالتالي إحداث تغييرات عميقة في توجهات دول القارة، تنعكس على العالم، اقتصاديًّا وسياسيًّا، بالنظر إلى أهمية تلك الدول على الساحة الدولية.

وبالنظر إلى أبرز ما تتبناه تلك الأحزاب، وبالتالي أنصارها، من أفكار، فإن أهم تلك التغيرات التي ستطرأ هي توجه أوروبا نحو انغلاق على العالم، وتراجعها عن كثير من قيم الليبرالية التعددية، وهو ما برز في حملات الحزب الألماني اليميني الأخيرة، من دعوته للتضييق على الإسلام والحد من تدفق المسلمين إلى البلاد، بحسب تقرير لمجلة “نيوستيتمنت” البريطانية في مارس/آذار الماضي، وبالتالي الحد من اهتمام الغرب بشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، أو انتهاج سياسات تحول دون تأثر القارة الأوروبية بمشاكل ذلك الجزء من العالم.

قد يعني ذلك خفضًا للتوترات في عدد من الدول بتراجع الغرب عن العبث فيها، إلا أنه قد يعني كذلك توجه أوروبا للتنكر لمسؤولياتها في مجالات حقوق الإنسان، دون التخلي عن أطماعها الاقتصادية والاستراتيجية، وهو ما حذر منه حقوقيون، وفق تقرير لوكالة رويترز منتصف سبتمبر/أيلول الجاري.

ولفت التقرير إلى انتقادات حقوقية واسعة لمساعي أوروبا منع تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط، من خلال تحويل ليبيا إلى معسكر كبير لإيوائهم، مقابل دعم أطرافٍ ليبية على حساب أخرى، وهو ما قد يتكرر في دول أخرى بالمنطقة، بعيدًا عن حسابات الديموقراطية وحقوق الإنسان.

من جانب آخر، فإن صعود اليمين يعني تراجع تماسك الاتحاد الأوروبي، وربما انهياره في مرحلة متقدمة، حيث تتبنى أغلب تلك الأحزاب توجهات قومية متطرفة، تعدّ أن الاتحاد يضعف الهوية الوطنية، مقابل فشله في تحقيق مستوى مرتفع ومستقر من الازدهار الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي.

وقد ظهر ذلك جليًّا في تصويت البريطانيين، بتشجيع من اليمين واليمين المتطرف، منتصف العام الماضي، لصالح مغادرة الاتحاد، ما أحدث صدمة في أوروبا والعالم، ينتظر أن تكون لها آثار اقتصادية حادة.

فقد اكتسبت أوروبا أهميتها الاقتصادية على الساحة العالمية باعتبارها تمتلك أكبر سوق اقتصادية موحدة، من حيث العدد (508 ملايين نسمة وفق بيانات الاتحاد) والقدرة الشرائية، الأمر الذي سيشكل انهياره هزة للاقتصاد العالمي، وقد يصب في مصلحة دول أخرى مثل روسيا، بحسب تقارير.

 حينها ستتمكن روسيا من التعامل مع دول القارة منفردة، بعيدًا عن القيود التي تفرضها هموم دول أخرى في الاتحاد، فيما سيتضرر شركاء الاتحاد التجاريون الآخرون، كالولايات المتحدة والصين، الذين استفادوا على مدار العقود الماضية من اتفاقات منحتهم فرصة الدخول مرة واحدة إلى سوق عملاقة.

من جانب آخر، فإن تلك النزعة الشعبوية تنذر باندلاع صراعات داخل القارة، خصوصًا مع تبني بعضها أفكارًا نازية، مثل حزب “جوبيك” المجري و”الفجر الذهبي” اليوناني، بالإضافة إلى تنامي النزعات الانفصالية داخل دول أخرى، مع تباين ميول الأقاليم بين اليسار واليمين، ما يعني انتقالًا لتمركز الأزمات من الشرق الأوسط إلى أوروبا، ودخول دول أخرى على خط الصراعات لتحقيق مكاسب استراتيجية، وخصوصًا الولايات المتحدة وروسيا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات