تل السكن.. حضارة كنعانية تلتهمها أسنان الجرافات!
كل شيء في موقع (تل السكن) الأثري يدعو للقلق؛ فالموقع الذي اكتشف عام 1998 مهدد بالزوال رغم صموده أكثر من 5000 عام بقي فيها شاهداً على حضارة كنعانية تعود للعصر البرونزي الأول.
ويقع (تل السكن) شمال مدينة الزهراء، جنوب مدينة غزة، واكتشف عام 1998 خلال أعمال تجريف لبناء أبراج سكنية، وأقرت بعثة فرنسية- فلسطينية مشتركة بأهميته موقعاً أثرياً سجلته لاحقا في (اليونسكو)، وتوقفت أعمال التنقيب فيه بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000؛ بسبب نيران مستوطنة (نتساريم) المجاورة.
وعادت أعمال التنقيب للمكان بعد انسحاب الاحتلال من مستوطنات قطاع غزة عام 2005، لكن الموقع الأثري بعد بدء الحصار عام 2007 لم يحظَ باهتمام بسبب توقف البعثة الفرنسية عن زيارته بقيادة خبير الآثار الفرنسي في فلسطين (جون باتيست).
وتتباين التقديرات بشأن مساحة (تل السكن)؛ فبعض الخبراء قدروها بـ(200) دونم، وآخرون بـ(100).
مؤخراً بدأت الجرافات أعمالها في قطع أرض مخصصة لملكيات خاصة ملاصقة للموقع، فكشفت عن آثار كنعانية من قبيل (جدران طينية وآنية فخارية)، تعود لمدينة صغيرة أنشأها الكنعانيون في منطقة مرتفعة عن سطح البحر بقرابة (30) متراً.

جون باتيست، خبير الآثار الفرنسي
أقدم موقع أثري بغزةوحاول (جون باتيست) خبير الآثار الفرنسي، إقناع الجهات الحكومية والمهتمين بغزة بخطورة ما يجرى لموقع (تل السكن)، مشيراً إلى أن ما يجرى تجريفه الآن، هو أقدم موقع أثري بغزة.
ومنذ مطلع سبتمبر الجاري بدأت آليات تابعة لجهات حكومية في تجريف جزء من (تل السكن) الأثري، وتخصيص قطع أرض لتعويض موظفين بالحكومة عن مستحقاتهم المالية المتأخرة.
وعلم مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، أنه خُصّص 12 دونمًا من المساحة الكلية للموقع الأثري؛ بدل مستحقات متراكمة لمصلحة الموظفين منذ عام 2015.
وقبل أسابيع دخلت الجرافات لتسوية الأرض، لكن التجريف كشف عن جدران طينية وآثار فخار تعود للعصر البرونزي الأول، ما أثار حفيظة المختصين وخبير التنقيب الفرنسي (جون باتيست)، وهو ما أعاد قضية الموقع للسطح من جديد.
وبحسب اتفاقية وقعها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع الرئيس الفرنسي الراحل (جاك شيراك) عام 1994؛ فإن (جون باتيست) خبير الآثار الفرنسي هو المسئول عن اتفاقية التنقيب في غزة.
ويقول د. غسان وشاح، أستاذ علم التاريخ في الجامعة الإسلامية، لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، إن الموقع يعد من أوائل البقع التي أقامها الكنعانيون في فلسطين، ويحمل اسم (تل السكن)؛ لأنه أقيم من طين مجبولة بمادتي (الفحم والسكن).
وانتقد وشاح أعمال التجريف التي طالت جزءًا كبيرًا من الموقع الأثري، وأزالت مساحة ترقد في أعماقها آثار كنعانية، مشيراً أنه أجرى اتصالات بعدة جهات حكومية وعدد من المسئولين لإيقاف أعمال التجريف دون جدوى.
أما د. أيمن حسونة، أستاذ علم الآثار في الجامعة الإسلامية فيؤكد أن تل السكن يجسّد مدينة بناها الكنعانيون من الطين، وشيدوا جدرانها بما أسماه مادة (الكحلة)، وهي طين مجفف في العصر البرونزي.
ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “قبل أيام اكتشفوا جرّة فخار تعود للعصر البرونزي ومقتنيات تؤكد وجود مدينة صغيرة نقبت عنها بعثة فرنسية ما بين عام (1998-2000)، وعادت لها بعد عام 2005، ثم انقطعت 11 عاما بسبب الحصار” .
البعثة الفرنسية أكدت أن المدينة الكنعانية تعود لزمن العصر البرونزي المبكر، وهو أقدم استيطان بشري في جنوب فلسطين، ومن أوائل المدن المصوّرة في جنوب فلسطين.
ويتابع: “كانت المدينة نموذج دولة صغيرة في الشق السياسي والاجتماعي، وكانت مطمعًا للصوص، لذا أقاموا الأسوار حولها في وقت لم تكن فلسطين تعرف الوحدة السياسية، وكانت حضارتها ثقافية وتجارية فقط”.
ويدعو الخبير حسونة لحضور خبراء تنقيب للحفاظ على (تل السكن) وكشف حضارته؛ لأن 11 عاماً من الحصار أوقفت نشاط بعثات التنقيب بغزة، مشدداً على أن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي صراع ثقافي وحضاري يحاول الاحتلال فيه زوراً إثبات وجوده القديم لكيان لم يعثر له على عمق تاريخي.

موقع مهمل
ولسنوات رافق فضل العطل، خبير الآثار الناشط في المدرسة الفرنسية لعلم الآثار، الخبير (جون باتسيت)، الذي أكد له انفراد موقع (تل السكن) بأهمية تاريخية.
ويقول العطل لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”:”ما حصل شيء مؤسف؛ فالموقع يجب المحافظة عليه، وعلمياً قدرنا مساحته في المدرسة الفرنسية لعمل الآثار بقرابة 200 دونم، وفي بداية الاكتشاف عملنا حفرية أثرية فيه، وعام 2002 عملنا مجسين حفريين، ثم انقطعنا بسبب الانتفاضة”.
وراقب العطل الخبير (جون باتيست) وهو يذرف الدموع على الموقع الأثري (تل السكن) الذي التهمت الجرافات جزءًا منه، وقد حاول الحد من أعمال التجريف، وكتب رسالة لقسم الآثار في الجامعة الإسلامية يصف ما جرى.
وحاول (باتيست) الحديث أن المكان برمته يحمل تحت التراب آثاراً كنعانية، لكنه أمام واقع التجريف عاد وطلب عدم المساس بالجزء الشمالي من الموقع الأثري رغم أن أعمال التجريف كشفت عن بقايا جدران وجرار فخار في الجزء الجنوبي.
وحصل “المركز الفلسطيني للإعلام”، على صورة من الرسالة التي وجهها (جون باتيست) خبير الآثار الفرنسي لقسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية مخاطباً المتخصصين والمسئولين بضرورة حماية موقع (تل السكن).
وقبل أسابيع عثر موظف وزارة السياحة والآثار فخري العصار على جرّة فخار قديمة، تؤكد وجود آثار في المكان كشفت عنها أعمال التجريف الأخيرة للموقع.
ويعمل العصار حارسا للموقع معينا من وزارة الآثار، وشهد بدء أعمال الحفريات عام (1998) حين شارك في أعمال التنقيب، وتولى مهمة قيادة فريق من أحد عشر عاملاً.
ويقول لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “بدأت تظهر آثار فخارية وجدران طينية جديدة قبل أسابيع خلال التجريف، ومؤخراً عثرت على جرّة فخارية كبيرة جميلة، ورأيت أواني أخرى مهشمة”.
خلاف في الموقف الرسمي
ورفض رياض الأشقر، مدير العلاقات العامة والإعلام بوزارة السياحة والآثار، التعقيب لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، مفضلاً عدم إثارة القضية لحين التوصل لحل مع إحدى الجهات حسب وصفه.
وتدعي اللجنة العليا لتخصيص الأراضي أن وزارة السياحة والآثار وافقت على تخصيص المكان، فيما تنفي الوزارة ذلك، وتؤكد أنها خاطبت الحكومة مشيرةً أن ما يجرى في (تل السكن) هو اعتداء على الموقع الأثري.
وينص قانون الآثار على حق الوزارة في حيازة ملكية أي قطعة أرض أثرية حتى لو كانت لمالك خاص واللجوء للقضاء إذا ثبت وجود أي اعتداء، وهنا المقصود أعمال التجريف، لكن وزارة الآثار لم تدافع عن حقها في (تل السكن) قانونياً.
ويقول إبراهيم رضوان، رئيس اللجنة العليا للأراضي: إن وزارة الآثار أبدت موافقتها على تخصيص (تل السكن) للجمعيات السكنية، مشيرا إلى أن المجلس التشريعي والحكومة لم تراجعهم بشأن أي اعتراض رسمي من الوزارة حول تخصيصه للموظفين.
ويؤكد حسن أبو ريالة، نائب رئيس سلطة الأراضي، أن “تل السكن في الأوراق الرسمية غير معتمد منطقة أثرية من مجلس الوزراء، وغير محدد المساحة والمعالم، وقدمنا رؤية لاعتمادها منطقة أثرية بشرط أن يتم التنقيب عنها”.
وكانت اللجنة العليا للأراضي قد اعتمدت المكان مشروعاً للإسكان قبل سنة ونصف بمصادقة المجلس التشريعي والمؤسسات المختصة؛ الأمر الذي برر لسلطة الأراضي ما تقوم به على الأرض!
ورغم أن موقع (تل السكن) مسجل في (اليونسكو)، ويحظى بأهمية كبيرة إلا أن الملكية الخاصة لم تحترم حضارة آلاف السنين، وواصلت أعمال التجريف، وهي تطحن آثار (5000) سنة مضت في دقائق.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ألبانيز: الجميع مسؤول أمام القانون الدولي لصمته على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
تونس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، إن...

أبو سلمية: نفاضل بين الجرحى والمرضى والمنظومة الصحية شبه منهارة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، إن الأطباء في المستشفى يفاضلون بين المرضى والجرحى. وأضاف أبو...

القوات اليمنية: نفذنا عمليتين استهدفتا مطار رامون ردًا على جرائم الاحتلال
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأربعاء، تنفيذ سلاح الجو المسير عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار رامون في...

حماس: عملية جنين أبلغ رد على محاولات الاحتلال إخماد المقاومة
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء اليوم الأربعاء، إن عملية إطلاق النار البطولية التي وقعت عند حاجز الريحان...

إصابة جندي إسرائيلي بعملية دهس في الخليل واستشهاد المنفذ
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد، يوم الأربعاء، منفذ عملية الدهس قرب حاجز "سدة الفحص" جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، والتي أسفرت...

قرار أمريكي بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قرر السفير الامريكي في الكيان "مايك هاكبي" وفي خطوة غير مسبوقة إغلاق مكتب الشئون الفلسطينية في القدس ودمجه...

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...