السبت 05/أكتوبر/2024

شاكر: مستجدات التطبيع تقتضي رؤية إعلامية فعالة

شاكر: مستجدات التطبيع تقتضي رؤية إعلامية فعالة

أكد الاستشاري الإعلامي حسام شاكر أهمية تطوير رؤية إعلامية لمقاومة التطبيع بما يراعي التحوّلات الماثلة في الحالة التطبيعية وملابساتها في الواقع الإعلامي وتطوّراته.

جاء ذلك في ورقة موسعة عن التطبيع وتفاعلاته الإعلامية قدّمها شاكر في ندوة بحثية عن التطبيع، عقدتها حركة مقاومة التطبيع في اسطنبول بمشاركة خبراء وباحثين من بلدان عدة.

واستعرض شاكر الخطاب التطبيعي وذرائعه، وأطوار الحالة التطبيعية وتفاعلاتها الإعلامية، وخيارات التأثير الفعال في مناوأة هذه الحالة، مع أهمية تطوير الخطاب وأدوات العمل في هذا السياق.
 
تفكيك الخطاب التطبيعي
وباشر حسام شاكر تفكيك “الخطاب التطبيعي”، مشيراً إلى أنه “لا يفتقر إلى الهشاشة والسذاجة والتناقض، لكنه ليس معروضاً للمناقشة الجادّة أساساً بل هو خطاب مفروض بقوّة معادلات غير متكافئة غالباً وبسطوة الضخ الدعائي المكثف والترهيب من النقد أحياناً، كما يأتي مشفوعاً بمؤثرات نفسية وعاطفية تتلبسه بغرض تمكينه من النفاذ إلى الأوساط التي يخاطبها”.

وأوضح الاستشاري الإعلامي أنّ الخطاب التطبيعي يسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف، حسب السياق والحالة والأطراف، ومن ذلك “محاولة كسب المشروعية للتوجّه التطبيعي أو السعي إلى نزعها عن التوجّهات التي تعارضها، وتبرير التوجّه التطبيعي وتسويغه والتماس الذرائع له، والتكييف الذهني للوعي الجمعي، عبر تهيئة الأذهان للانزلاقات التطبيعية التدريجية”.

وأضاف شاكر أنّ الخطاب التطبيعي يسعى أيضاً إلى “تشويه الأطراف المقابلة الرافضة للتطبيع، وكبح مساعي مقاومة التطبيع، مثلاً عبر التشكيك بها وبولائها”. وتابع إنّ هذا الخطاب يهدف ضمناً إلى “تحسين الرصيد المعنوي والأخلاقي الزائف للضالعين بالتطبيع، ومنح الانطباع بتنامي القبول بالحالة التطبيعية والالتفاف الداعم حولها”، علاوة على “التيئيس والتثبيط من مقاومة التطبيع وكذلك من مساندة قضية فلسطين عموماً”، كما قال.

وأوضح شاكر أنّ الخطاب التطبيعي يقوم على “مضامين نمطية متعددة، ذات منحى تبسيطي وساذج غالباً، ولا تفتقر إلى التناقض في ما بينها أيضاً”. وأضاف أنّ “هذه المضامين قد لا تهدف إلى الإقناع دوماً بل قد تكون لها مقاصد تبريرية ذرائعية، أو لدفع الاتهام صوب وجهة أخرى، أو للتعمية على الموقف بسُحُب دخان تحرف الأنظار عن الواقع”.

وأكد حسام شاكر الحاجة إلى تطوير خطاب مقاومة التطبيع، وقال إنّ ذلك يتطلب استيفاء جملة من الشروط والمواصفات، من قبيل:”تبْيئة خطاب مقاومة التطبيع أو التكييف البيئي له حسب البيئات والأوساط والفئات المُخاطبة، وملامسة الخصوصيات والنظام الرمزي لبيئات التحرك والأوساط والفئات”.

وأوضح أنّ ذلك يفرض “تجاوز نمطيّات الشعار الواحد والخطاب الواحد والبرنامج الواحد والأداة الواحدة إلى تكييفات متعددة من ذلك كله حسب البيئة والظرف”. 

وأكد شاكر في هذا الصدد أنّ “تطوير الخطاب يقتضي صياغة المقولات والحجج بعناية بما يشمل الملفات والقضايا الفرعية المتعددة ذات الصلة بالتطبيع”، كما أنّ تفنيد خطاب التطبيع يقتضي “رصد هذا الخطاب ومرتكزاته، وقائمة الذرائع المحبوكة التي يَحتجّ بها، خاصة في التطوّرات وفي ظلال الخطوات التطبيعية، والسعي بالتالي إلى تفكيكها وتفنيدها بحجج مقابلة، ومن ذلك، مثلاً، العناية بالحجج التي تلامس اهتمامات الشرائح والفئات المتعددة”، وفق توضيحه.

وأشار شاكر إلى “معادلة الالتزام والمصالح”، مؤكداً أهمية “الدفع باتجاه وعي يدرك تناقض التطبيع مع المصالح المباشرة وغير المباشرة للمواطن والشعب والبلد والأمّة، فبيان الوجوه الواقعية والمصلحية المتوخّاة من رفض التطبيع يعزز القناعة بخيارات مقاومة التطبيع وجدواها”.
 
أطوار التطبيع وتفاعلاتها الإعلامية 
وقام شاكر بتصنيف خمسة أطوار للحالة التطبيعية والتفاعلات الإعلامية التي تلازم كل طور منها. وهي تشمل طور التهيئة الذهنية والتكييف المعنوي، وطور الإرهاصات والمقدمات التطبيعية العملية، وطور الانخراط التطبيعي الفعلي الذي يسعى لتكريس حضوره وتوسيع نطاقه، وطور التطبيع المتكرِّس والمزمن، والطور الذي تجسده التفاعلات والتداعيات المترتبة على بعض وجوه التطبيع التفصيلية.

وشرح شاكر السمات الإعلامية لكل طور من هذه الأطوار وخيارات تفكيك الخطابات والحملات الإعلامية التطبيعية التي ترافق كل طور منها.

من جانب آخر لاحظ شاكر أنّ مساعي التطبيع المنسّقة “تبذل قصارى جهدها في الوصم الانطباعي السلبي والكريه بحق قضية فلسطين عموماً ومقاومة التطبيع ضمناً، بما يهدف إلى إسدال ظلال انطباعية سلبية قاتمة ومنبوذة على الوعي الجمعي بفلسطين وقضيتها وبمقاومة التطبيع، مع تقديم إيجابي لمساعي التطبيع في سياقات إيجابية ومُشرقة وحالمة”.

وقال مستدركاً “لا ينبغي في هذا السياق معالجة هذا التأثير وحسب؛ بل والدفع به بشكل ارتدادي إلى نقيضه، بالوصم الانطباعي السلبي للتطبيع والضالعين به. كما ينبغي درء مساعي احتكار بعض المصطلحات والمفردات لصالح الخطاب التطبيعي، بالعمل على تحييد مفعولها أو استعمالها باتجاهات عكسية”.
 
خيارات التأثير الإعلامي
وفي ما يتعلق بخيارات التأثير الإعلامي أكد حسام شاكر “أهمية المبادرة وصناعة الحدث، ومن وجوه ذلك التوجّه إلى صناعة أحداث تضغط في اتجاه محاصرة التطبيع ومناوأته، عبر خيارات من قبيل الفعاليات الرمزية والحملات وتحرّكات التضامن النوعية والمواقف التي تجتذب الانتباه”. 

كما شدّد شاكر على أهمية إطلاق طاقات التفاعل الكامنة، مثلاً من خلال تحريك النخب الإعلامية وجماهير الجيل الإعلامي الجديد وكسب صفوة المجتمعات وقادة الرأي ضد التطبيع، بما يتكفل بإحداث فارق ملموس في منسوب الجهود وكفاءتها”.

وقال “إنّ جهود الأوساط الشابة، بشكل خاص، في المتابعة والرصد والتوثيق والقيام بالمبادرات الإعلامية والمدنية والجماهيرية، واشتغال الخبراء والمختصين على الملفات والتحركات والمبادرات والحملات عبر حالات تفاعلية متبادلة؛ من شأنه أن يمثِّل استجابة إيجابية فعالة لتحديات التطبيع”.

وأشار شاكر إلى مفعول “تركيز الضغط على مفاصل محدّدة في مجالات التطبيع”، وقال إنّ “هذا الخيار يكتسب جدوى فائقة بالنظر إلى فعاليته في تحقيق منجزات ملموسة، فهو يستحث تفاعلاً أكثر حيوية مع مسألة محددة النطاق، ويتيح تكثيفاً للضغط الموضعي المؤهّل لإحداث فارق. ويتيح هذا الخيار اعتماد متوالية من الضغوط التي تستهدف عدداً من مفاصل التطبيع واحداً تلو الآخر.

كما أنّ التركيز الموضوعي ضمن نطاق محدّد يعين على نقل مقاومة التطبيع من عمومية الشعار الذي قد يبدو فضفاضاً؛ إلى خيارات التنزيل العملي في الواقع، ويضع الأطراف ذات الصلة في مواجهة مسؤولياتها في محاصرة التطبيع ونبذه”، حسب توضيحه.

وأوضح شاكر أهمية تنمية المحتوى الإعلامي والشبكي ضمن اتجاهات وأنساق مدروسة وموجّهة في اتجاهاتها قدر الإمكان، وجدوى رفع كلفة خطوات التطبيع، محذراً من أنّ “فتور ردود الفعل المناوئة لخطوات التطبيع من شأنه أن يشجِّعها على التمادي، خاصة وأنها تمضي إلى محاولة تكييف أذهان الجماهير باتجاه يعتبرها حالة نمطية اعتيادية مفروضة بقوة الأمر الواقع ولا يمكن عرقلتها مهما بدت مفتقرة إلى ثقافة مجتمعية داعمة لها”.

وأظهر الاستشاري الإعلامي جدوى “الاستثمار في الجهود الاستباقية”، قائلاً “إنّ استباق خطوات التطبيع المحدّدة التي يمكن استشرافها؛ والترصّد لها بجهود مناوئة لها، من شأنه أن يعود بتأثيرات أوقَع من معارضتها بعد وقوعها”، مشيراً إلى أنّ “ضعف الحسّ الاستباقي في مجال مقاومة التطبيع من شأنه أن يتيح لمساعي التطبيع فرصة إحراز السبق وترتيب أولويات التناول الإعلامي وإلجاء جهود مقاومة التطبيع إلى ردود الأفعال المفتقرة إلى المبادرة”.

ودعا شاكر إلى “استثمار التطوّرات باتجاه تعزيز التصرّف” قائلاً “من المهم تحويل الالتزام المبدئي والارتباط العاطفي بقضية فلسطين إلى حالة ذات تأثير ملموس في الواقع عبر جهود عملية فعالة. وتأتي مقاومة التطبيع ضمن وجوه التصرّف المتاحة للمجتمعات في تعبيرها عن الالتزام نحو فلسطين وقضيتها.

يرتِّب هذا على جهود مقاومة التطبيع المنظّمة أن تسعى إلى صياغة خيارات متاحة للتصرّف الإعلامي والمدني والجماهيري الفعّال في ظلال الأحداث والتطورات الداهمة، للإفادة من شحنة العاطفة وروح الإقدام في مسارات عملية فعّالة ومؤثرة”. 

وأكد الاستشاري الإعلامي أهمية تطوير تجارب نوعية في مقاومة التطبيع لضمان الكفاءة التراكمية المتواصلة والاستجابة الفاعلة للتحديات، وإطلاق مبادرات من الأوساط المجتمعية المحلية والقطاعات والأوساط الفرعية، من خلال “شبكات فعالة ونشطة تتخلّل المجتمع وتضمن الاستجابة لتحديات محددة مما يقع ضمن اهتمامات مقاومة التطبيع، انبثاقاً من عمق المجتمع، وبفعل يُراهن على تراكم جمعي قابل للتأثير، مع توظيف آليّات التواصل والتأثير في العالمين الواقعي والافتراضي عبر خياراتهما المتاحة”.

وفي ما يتعلق بالتطبيقات العملية المفتوحة، حثّ حسام شاكر على تمليك الجماهير الفكرة وخيارات التحرّك، عبر “بثّ روح المبادرة لدى الجماهير، وتمليكها أفكار العمل ونماذج التطبيق في اتجاهات مقاومة التطبيع، مع تيسير ذلك وبيان جدواه، واستحضار جملة من العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية المحفِّزة، خلافاً لأساليب التلقين التقليدي والاستدعاء للالتحاق بحالة تفاعل مركزية”.

وقال: “عندما تستشعر الجماهير أنها صاحبة القضية وشريكة الموقف؛ قد تبدي جاهزية أعلى للتصرّف بروح المبادرة التي تستحضر المسؤولية. ويندرج ضمن تمليك خيارات التحرّك؛ اللجوء إلى أسلوب التطبيقات المفتوحة، المتمثل في نشر أدلّة العمل الإرشادية القابلة للتنزيل في واقع الأوساط المجتمعية والتشكيلات والأطر والأفراد الناشطين والمهتمين”.
 
أولويات المرحلة
ورأى حسام شاكر أنّ من أولويّات مقاومة التطبيع في المرحلة المقبلة “تطوير رؤية مقاومة التطبيع بما يراعي التحوّلات الماثلة في الواقع وفي الحالة التطبيعية وملابساتها، وتطوير خطاب مقاومة التطبيع في محاوره ومضامينه ومفرداته وتعبيراته، والتصدي لاتجاهات تصفية قضية فلسطين باعتبارها اتجاهات تطبيعية بالأحرى، بما في ذلك مقاومة الاتجاه إلى ما يسمى إنجاز “مصالحة تاريخية” مع نظام الاحتلال”.

وأضاف شاكر ضمن هذه الأولويات “العمل الفاعل في حقول المقاطعة ونزع الاستثمارات وفرض العقوبات مع تكييفها بما يراعي خصوصيات البيئات، وتوجيهها بصفة خاصة لمواجهة اتجاهات التطبيع القائمة في المجالات التخصصية وما يترتب عليها من شبكات مصالح ومشروعات وبرامج ونحوها”.

وتابع الخبير والاستشاري الإعلامي أنّ من أولويات المرحلة المقبلة في هذا الشأن “تطوير برامج عمل تخصصية وفرعية، فالاكتفاء بمقاومة التطبيع بصفتها العامة ليس مؤهلاً لأن يكافئ تطوير الحالة التطبيعية بتفريعاتها المتعددة، كما أنه قد يجعل مقاومة التطبيع عالقة في مساحة التنديد المفتقرة إلى قدرات الضغط الموضعي والتنزيل التفصيلي للجهود في واقع يزداد تخصصاً وتعقيداً وتفصيلاً”.

وحثّ شاكر على إنجاز “سلسلة من المقاربات التطويرية في الأساليب والطرائق، وحشد القوى وتحقيق انخراط جماهيري وإطلاق الطاقات الكامنة، والعمل بأسلوب التطبيقات المفتوحة التي تتيح التفاعل الواسع مع الحالة، وتطوير جهود التعبئة والتكتل وحشد التأييد والمناصرة، والإبداع في فنيات الضغط والتأثير المكثفة وفي أساليب الضغط المركز الفعال وعزل الحالات”، حسب ما ذكر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

13 عملا مقاوما في الضفة الغربية خلال 24 ساعة

13 عملا مقاوما في الضفة الغربية خلال 24 ساعة

الضفة – المركز الفلسطيني للإعلام تواصلت عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية خلال الـ24 ساعة الماضية، وتضمنت عمليات...