أوروبا الممزقة.. كاتالونيا الإسبانية ليست سوى البداية

ألقى تسارع خطوات إقليم كاتالونيا، شمال شرقي إسبانيا، للانفصال عن مدريد، مؤخرًا، الأضواء على العديد من المساعي المشابهة في مختلف الدول الأوروبية، ووضع العديد من علامات الاستفهام والتعجب حول انتشار هذه النزعة في أوروبا.

ففي إسبانيا وحدها، توجد ثماني نزعات رئيسية للانفصال عن التاج الملكي، على تفاوت بينها في القوة والشعبية، أبرزها في كاتالونيا، سابقة الذكر، والباسك، شمالي شبه القارة الأيبيرية، التي اتخذ المطالبون فيها بالانفصال منحىً دمويًا على مدار عقود، من خلال عمليات منظمة “إيتا” المسلحة، قبل أن تتخلى عن العنف عام 2011.

وبدرجة أقل، ولكن أكثر خطورة، توجد نزعة مشابهة في إقليم الأندلس (أندلوسيا)، جنوبي إسبانيا، أكثر أقاليم البلاد الـ17 سكانًا، والثاني من حيث المساحة، والأهم من حيث الموروث التاريخي للبلاد، علاوة على أهميته الاستراتيجية الكبيرة؛ حيث يحاذي أحد أهم المضائق المائية في العالم “جبل طارق”.

ويعود تاريخ ظهور تلك النزعات إلى أربعينيات القرن الماضي، عندما قضى الدكتاتور الإسباني، فرانثيسكو فرانكو، الذي حكم البلاد من عام 1939 إلى 1975، على حلم الدولة الفدرالية، الذي كان يرضي تلك الأقاليم، وخصوصًا كاتالونيا، التي كانت ولا تزال الأقوى اقتصاديًّا في البلاد.

ولم يشفع لمدريد نفضها الحكم الدكتاتوري ولحاقها بركب الديموقراطية، بل تخلى كثير من الإسبان عن مطلب الفدرالية، وتبنوا خيار الانفصال التام.

وإلى جانب إسبانيا، توجد في العديد من الدول الأوروبية مطالبات نزعات انفصالية، كما هو الحال في بريطانيا؛ حيث تلقى الفكرة رواجًا واسعًا في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية، تصاعد بعد اتخاذ لندن قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، العام الماضي.

وإذا كان أنصار استقلال اسكتلندا عن لندن فشلوا في استفتاء عام 2014، بحصولهم على نحو 45% من الأصوات، إلا أنهم يسعون لتنظيم استفتاء جديد عام 2019، سيدخلوه بثقة أكبر، بعد إظهار استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي رفضًا كبيرًا لدى الاسكتلنديين للرؤية التي تبناها الإنجليز لمستقبل البلاد.

كما أدى ذلك “الطلاق” مع بروكسل إلى تعزيز أصوات المطالبين، في إيرلندا الشمالي، بالالتحاق بجمهورية إيرلندا، بعيدًا عن لندن والتاج الملكي البريطاني.

وفي فرنسا، يطالب قطاع واسع من سكان جزيرة كورسيكا، مسقط رأس “نابليون بونابرت” ورابع أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط، بالاستقلال عن حكم “الإليزيه”.

وبالرغم من انتهاء النزاع المسلح الذي خاضه انفصاليون في الجزيرة، طوال النصف الثاني من القرن الماضي، إلا أن تصاعد النفس الانفصالي في أوروبا يخيف باريس من عودة تصدر تلك المطالبات في الجزيرة، وربما يطال غيرها من الجزر التابعة لها حول العالم.

ولا تقتصر تلك النزعات على الشطر الغربي من القارة، بل توجد العديد من القنابل الموقوتة في الشطر الشرقي منها، تهدد استقرار دول شهدت اضطرابات متلاحقة في العقود الأخيرة، وتسعى جاهدة للملمة الجراح، مثل البوسنة والهرسك، التي يطالب الصرب فيها باستقلال جمهوريتهم عن الإطار الفدرالي، ومولدوفا، التي أعلن إقليم ترانسنيستريا انفصاله عنها بالفعل بعد استقلال البلاد عن الاتحاد السوفييتي، عام 1990، دون اعتراف من الحكومة المركزية، وأغلب دول العالم.