الجمعة 28/يونيو/2024

قصور الخليل القديمة.. بطولات الحجر والبشر

قصور الخليل القديمة.. بطولات الحجر والبشر

ما زال أهالي الخليل يتندرون على بطولات المجاهدين عطا الزير، ومحمد جمجوم، (أعدمهما الانتداب البريطاني عقب ثورة عام 1929م في سجن عكا)، يستذكرون وفاء الأرض الحامية لأبنائها، فأزقة وحواري مدينة خليل الرحمن وتلالها وجبالها تحتضن قصورا تاريخية ومواقع تراثية شاهدة على تاريخ جهادي ونضالي يتغنى به الأبناء والأحفاد.

حينما جلسنا إلى بعض معمري الخليل، رووا لنا شيئا يسيرا من بطولات لا تنتهي، تحدثوا عن “جمجوم” و”الزير”، ومن بعدهم، عبد الحليم الجولاني (أبو زيدان) الملقب (بالشلف)، أحد أبرز مجاهدي  ثورة عام 1936م، ومقاومتهم للانتداب البريطاني والصهاينة، ولكنهم ركزوا أكثر على تفاصيل المكان، وكيف كانت بيوت وقصور أعيان المدينة ووجهائها، مقرات للثوار ومنتديات للقاءاتهم التشاورية.

اتساق روحي جسدته الخليل بين البشر والحجر، حينما ربطت المكان بالتضحيات، “فدماء الشهداء روت البنيان، لتدب الروح بكتل إسمنتية لم تنفك تذود عن ثوارها”.

  
تقول مديرة مديرية وزارة الثقافة الفلسطينية في الخليل هدى عابدين في حديث خاص، لمراسلنا: هذا القصر هو قصر جدي لأمي، (الحديث هنا عن قصر تراثي أسسه وبناه الحاج أحمد حسن الصغير عام 1933م ، كان مقرا للثوار إبان الثورة)، بني في منطقة حبايل الرياح العالية والمطلة على البلدة القديمة من الخليل، وهي إحدى ضواحي المدينة الجميلة، تحيط فيها كروم العنب وأشجار التين والزيتون، وتعزو سبب تسميتها بـ(حبايل الرياح) نظرا لكثرة الهواء العليل النقي الذي يخيم على المكان”.
     
وتضيف عابدين: “كان قصر جدي الحاج أحمد الصغير، مقرا لاجتماعت الثوار، إبان ثورة عام 1936م، وملاذا لوجهاء المدينة وحكمائها، يجلسون ويتشارون ويتدارسون أمر المدينة والوطن، وآليات الدفاع عنهما، في ظل الانتداب البريطاني والتهديد الصهيوني”.
             
مقهى بلاط الرشيد
وفي ميدان باب الزاوية وساحتها التاريخية لا زالت قصور تاريخية قديمة عامرة بالحياة شاهدة على عراقة هذه المدينة، (بنيت قبل 6000 عام)، وهي عبارة عن سلسلة من المنازل القديمة والحوانيت، أسسها وبناها المرحوم الحاج عيسى كردية، وعائلة الصفدي، وآل السعيد، كانت تضم فندقا قديما، ومقرا للشرطة، وفي أسفلها مقهى تاريخي قديم عرف باسم “بلاط الرشيد” (سجل لقاءات تاريخية سياسية وجهادية، كان لها الأثر في تاريخ الثورة الفلسطينية).
   
الحاج عبد الرزاق التميمي “أبو سعد” (86 عاما)، أحد المعمرين الذين شهدوا تلك المرحلة، يكشف لنا حقيقة هذا المقهى فيقول: “كان “بلاط الرشيد” ملتقى الثوار، وأصبح مقرا للهيئة العربية العليا، التي كان يرأسها الحاج أمين الحسيني”.

ويضيف “التميمي” في حديث، لمراسلنا: “عندما بدأ التجهيز للثورة، اجتمع وجهاء البلد في مقهى بلاط الرشيد، وحضر مندوب عن الهيئة العربية العليا، وطالبوا أهل الخليل بدعم الثورة، وبدأنا بتشكيل لجان دعم وأصبح المقهى مستودعا للسلاح والملابس والطعام والمونة التي سيتم تسليمها لقيادة الثورة”.
     
وعلى بعد مئات الأمتار، من “بلاط الرشيد”، في قلب حارة القزازين بالبلدة القديمة من الخليل، وتحديدا تحت التوتة التاريخية الكبيرة المعمرة، يقع مقهى “بدران”، وهو عبارة عن بيت عربي قديم بني في عهد المماليك تبلغ مساحته نحو (350 مترا مربعا) كساحة واحدة تحت سقف واحد بني على شكل أقواس متداخلة، (لا يزال قائما رغم مضايقات الاحتلال)، وقد كان له وقفات وذكريات مع الثورة والثوار.
   
ويروي الحاج إسماعيل أبو اسنينة (88 عاما)، كان أحد رواد هذا المقهى طيلة سبعين عاما، إلى أن أقعده المرض، فيقول: “في موسم العنب قبل الثورة الكبرى بسنتين استقبلنا الحاج أمين في مقهى بدران، بعد ما صلى الظهر في الحرم الإبراهيمي، وكان في استقباله من أعيان الخليل، الشيخ محمد على الجعبري، والشيخ عبد الحي عرفة، والشيخ حسين أبو اسنينة، ويوسف عمرو، وجموع كثيرة، حتى أن حارة القزازين لم يبق فيها متسع للناس، وكانت النسوة يزغردن من شبابيك القصور والبيوت العالية، يا حاج أمين يا منصور وبسيفك هدمنا السور!”.
      
هكذا كان عطاء القصور والبيوت والمقاهي الخليلية في دعم الثورة والثوار، ولا زال كبار السن من أهل الخليل يتغنون بتلك الأيام والأمجاد التي لا زالت آثارها شاهدة على تلك المرحلة المشرفة من تاريخ شعبنا الفلسطيني.


null

null

null

 
 
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات