الأحد 06/أكتوبر/2024

تقدير: القمة الإفريقية-الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة

تقدير: القمة الإفريقية-الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة

ملخص:

على الرغم من أن الكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه كان مدركاً لأهمية القارة الإفريقية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً واستراتيجياً، إلا أن الظروف السياسية آنذاك لم تسمح له بتحقيق اختراق واسع في العلاقات مع دول القارة، باستثناء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وعلى ما يبدو بأن الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها المنطقة العربية وما تعانيه من ضعف وتفكك، وما تتعرض له القضية الفلسطينية من تهميش، جعلت الساحة الإفريقية ملائمة لتفعيل الديبلوماسية الإسرائيلية في إفريقية، لذا أتت التحركات الإسرائيلية خلال سنة 2016 في الشرق الإفريقي، والمؤتمر المنوي عقده خلال الفترة 23-27 /2017/10 في توجو، التي تقع غرب القارة، لتتويج الاختراق الصهيوني للقارة الإفريقية.

هناك العديد من العوامل المتداخلة التي قد تسهم في تحقيق السيناريوهات المحتملة لهذه القمة والتي هي: نجاح كامل للقمة وتكريس الاختراق الإسرائيلي، أو فشل القمة وعدم عقدها بتاتاً، أو تحقيق نجاح جزئي للقمة وهو السيناريو المرجح.

مقدمة:

تعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل حثيث لإنجاح مشاركتها في مؤتمر ”قمة إفريقيا – إسرائيل“ الذي دعت إليها جمهورية توجو، والمنوي عقده خلال الفترة 23–27 تشرين الأول/ أكتوبر من هذه السنة. وبالرغم من الأصوات المعارضة من القارة الإفريقية لمشاركة ”إسرائيل“ في المؤتمر، وخصوصاً الدول العربية والإسلامية منها، إلا أن شعوراً بالارتياح النسبي لدى ”إسرائيل“ يدفعها بالسير قدماً نحو المشاركة. ولعل الترحاب الذي شهده نتنياهو من بعض قيادات القارة في أثناء جولته في سنة 2016، هو ما يعطي هذا الشعور بالارتياح ولو نسبياً.

وفي المقابل فإن الأطراف المعارضة لمشاركة ”إسرائيل“ لم ترفع رايات الاستسلام، بل ما زالت تسعى بقوة نحو إفشال المؤتمر أو على الأقل إضعاف مستوى نجاحه.

أولاً: القمة الإفريقية الإسرائيلية وتناقضات الموقف حولها:

تعدّ دولة توجو من أكثر الدولة في القارة الإفريقية قرباً من دولة الاحتلال الإسرائيلي. وعلى ما يبدو فإن الرئيس التوجولي فور غناسينغي لم يَحِد عن الخط الذي سار عليه والده سابقاً؛ حيث استقبل الرئيس السابق لجمهورية توجو غناسينغي إياديما رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير سنة 1987، ومن الملفت للنظر بأن هذه الزيارة سبقها زيارة سرية قام بها بناد أفيتال مدير شعبة إفريقيا بوزارة الخارجية الإسرائيلية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ضدّ إياديما في كانون الأول/ ديسمبر 1986، وهو ما يوحي بدور أمني لـ ”إسرائيل“ في توجو .

وفي السياق نفسه قام الرئيس فور غناسينغي خلال الشهر الحالي (آب/ أغسطس 2017) بزيارة إلى تل أبيب هي الرابعة له، حيث استُقِبل من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وفي ردّ للرئيس فور في أثناء زيارة سابقة له إلى ”إسرائيل“ حول ما إذا كانت توجو تخشى الانتقام من دول شمال إفريقيا أو الدول العربية، قال إن توجو بلد صغير ولا تحصل على مليارات الدولارات من السعودية وقطر، وإن السكان المسلمين في البلاد صغيرون وغير نشطين، وبالتالي فإن الخطر السياسي منخفض.

ومن المتوقع أن يشارك في المؤتمر حسب التقديرات الإسرائيلية والدولة المضيفة للقمة ما بين 20–30 دولة إفريقية، ومنها كينيا، وتنزانيا، ورواندا، وأوغندا، وساحل العاج، وغينيا الاستوائية، وغانا، وزامبيا، وهي دول تسعى ديبلوماسياً إلى نجاح المؤتمر بين ”إسرائيل“ والقارة الإفريقية.

في المقابل، فقد أبدت المغرب معارضتها إلى جانب السودان وجنوب إفريقيا لعقد هذه القمة، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي توحي بأن ”إسرائيل“ تسعى إلى تخطي هذه العراقيل، وذلك من خلال خطوات قامت بها ”إسرائيل“ وأخرى ما تزال تقوم بها ومنها: مشاركة نتنياهو في القمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إيكواس في حزيران/ يونيو 2017، وقد ألقى فيها خطاباً والتقى بعدد من القادة الأفارقة. مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هناك بعض الدول التي ما يزال قرارها متأرجحاً، وأخرى قد تخضع لبعض الضغوط أو تجري تفاهمات مع جهات معارضة للقمة.

ثانياً: الخلفية التاريخية للعلاقات الإسرائيلية الإفريقية:

نشطت الديبلوماسية الإسرائيلية منذ نشأتها في استخدام نظرية شدّ الأطراف؛ والتي عمدت إلى إقامة علاقات بالدول المحيطة بالعالم العربي، ومن بينها الدول الإفريقية، وهو ما حاولت ”إسرائيل“ القيام به في خمسينيات القرن الماضي، حيث عاشت هذه العلاقة منذ قيام دولة الاحتلال سنة 1948 فترة مزدهرة وصولاً إلى حرب الخامس من حزيران/ يونيو 1967، وفي هذه المرحلة بدأت العلاقات الإسرائيلية تتضعضع مع العديد من الدول الإفريقية، ومنها أوغندا، وغينيا، والكونغو، وتشاد.

أتت الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1973 لتشكل نقطة تحول جديدة في العلاقات الإفريقية الإسرائيلية، حيث استخدمت الديبلوماسية العربية نفوذها في الحدّ من الطموح الإسرائيلي في القارة الإفريقية، فقطعت معظم الدول الإفريقية علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي باستثناء جنوب إفريقيا، التي كانت ما تزال تحت حكم نظام الفصل العنصري.

ومن جهة أخرى لم تيأس ”إسرائيل“ من محاولات إعادة ترميم علاقاتها بالدول الإفريقية، ولعل من أبرز ما نجحت فيه هو استثمارها لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع مصر، مما فتح لها العديد من الأبواب الموصدة أمامها في القارة الإفريقية، التي لطالما انحازت للعالم العربي في صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي، فوقّعت اتفاقية تعاون عسكري مع زائير (الكونغو الديمقراطية حالياً) سنة 1981، والتي مهّد لاستئناف العلاقات الديبلوماسية وتطوير تعاونهما عسكرياً وأمنياً. وبعد ذلك توالت الدول التي أعادت علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي ففي ثمانينيات القرن العشرين، استُؤنفت العلاقات الديبلوماسية بين ”إسرائيل“ وزائير في أيار/ مايو 1982، وليبيريا في آب/ أغسطس 1983، وساحل العاج في شباط/ فبراير 1980، والكاميرون في آب/ أغسطس 1980، وتوجو في حزيران/ يونيو 1987، قبل أن تستعيد العلاقات الرسمية، في تسعينيات القرن العشرين، مع نحو أربعين بلداً من إفريقيا.

ومن الجدير بالذكر، فإن الكيان الإسرائيلي استخدم خلال حقبة الثمانينيات أراضي السودان في زمن الرئيس جعفر النميري لنقل الآلاف من يهود الفلاشا، وذلك بمساعدة وضغط أمريكي. أما منطقة البحيرات العظمى فقد لعبت ”إسرائيل“ دوراً بارزاً في الحرب الأهلية بين قبيلتي التوتسي والهوتو، فزودت الجيش البورندي والرواندي بالسلاح. وفي السياق نفسه، دعمت ”إسرائيل“ الحركة الانفصالية في جنوب السودان الذي انفصل لاحقاً عن السودان. كذلك ساندت ”إسرائيل“ أثيوبيا في صراعها مع الصومال. وقبيل إعلان استقلال أريتريا سنة 1993، قامت ”إسرائيل“ بافتتاح سفارة لها في العاصمة أسمرا. ولحقتها بعد ذلك أوغندا التي استأنفت علاقتها سنة 1994، وتنزانيا سنة 1995، بعد انقطاع دام أكثر من عشرين عاماً.

ثالثاً: البعد السياسي والديبلوماسي في العلاقة الإسرائيلية الإفريقية:

تسعى الديبلوماسية الإسرائيلية خلال السنوات القليلة القادمة إلى العودة إلى القارة الإفريقية، وتحقيق أعلى درجات النفوذ، حيث قام رئيس الوزراء الإسرائيلي في تموز/ يوليو 2016 بجولة التقى خلالها برؤساء كل من أوغندا، وكينيا، وجنوب السودان، وزامبيا، ورواندا، ورئيس الوزراء الإثيوبي، ووزير الخارجية التانزاني، وهي كلها باستثناء زامبيا تقع على حوض النيل، الذي يُعدّ شريان الحياة لمصر، وهو ما يعدّ أحد المؤشرات لما تسعى إليه ”إسرائيل“ من محاصرة لمصر.

حددت الديبلوماسية الإسرائيلية على لسان نتنياهو غاياتها السياسية، إذ صرح بأنه يسعى من خلال تطوير علاقاتها مع دول القارة إلى حشد التأييد الديبلوماسي الإفريقي في المحافل والمؤسسات الدولية، وقد لمست ”إسرائيل“ بعض النجاحات في هذا الصدد، حيث صوتت نيجيريا وبعض الدول الإفريقية الأخرى لصالح المرشح الإسرائيلي لرئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة خلال شهر حزيران/ يونيو 2016، كما امتنعت نيجيريا خلال سنة 2014 عن التصويت على مشروع القرار العربي بمجلس الأمن، الداعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وهو ما أسهم في إفشال تبني الأمم المتحدة لهذا القرار.

وفي هذا السياق، ومما يدلّ على أن الاعتبارات الديبلوماسية تقع على رأس أولويات نتنياهو، فقد نقل أنه طالب السفراء الأفارقة في تل أبيب صراحة بالتصويت بشكل جماعي لصالح ”إسرائيل“ في المحافل الدولية. وكان ذلك في أثناء مشاركتهم في حفل نُظّم، خلال سنة 2016، في الكنيست بمناسبة تدشين ”لوبي إفريقيا“ في البرلمان حيث قال ”أعي أنّ ممثلي دولكم سيصوّتون في المحافل الدولية بما يتماشى مع مصالح إفريقيا، وأنا أرى أن مصالح إسرائيل ومصالح إفريقيا تقريباً متطابقة، ما يعني أن التصويت لصالح إسرائيل هو بالضرورة تصويت لصالح إفريقيا“ .

رابعاً: البعد الأمني والعسكري في العلاقة الإسرائيلية الإفريقية:

سعت ”إسرائيل“ إلى مدّ نفوذها الأمني في القارة الإفريقية بما يتوافق مع استراتيجيتها في توسعة دائرة الحماية إلى خارج حدود دائرة صراعها الجغرافية، حيث قامت ”إسرائيل“ بتأسيس قواعد عسكرية بحرية، ومراكز للمراقبة في أريتريا وأبرزها في أرخبيل دهلك. وحسب تقرير لوكالة الاستخبارات المدنية الأمريكية (ستراتفور) فإن ”الوحدات البحرية الإسرائيلية تتمركز في جزيرة دهلك وميناء مصوع في البحر الأحمر، وهي مواقع تتسم بقدرة استراتيجية متميزة على رصد التحركات البحرية في مدخل البحر الأحمر“، مضيفة أن لـ”إسرائيل” أيضاً قاعدة تنصّت على قمة أعلى جبل في أريتريا ”أمبا سواره“، الذي يرتفع عن سطح البحر نحو ثلاثة آلاف متر، وقد وصل عدد القواعد العسكرية الإسرائيلية في أريتريا إلى ستة قواعد. وتأتي أهمية التواجد الإسرائيلي في هذه المناطق من القارة الإفريقية لما يحققه من قدرات لمنع وصول السلاح إلى حركات المقاومة الفلسطينية، وكذلك لمراقبة الدول المعادية لها بما فيها إيران .

وعلى المستوى العسكري، سجلت السنوات الطويلة من العلاقات الظاهرة والخفية بين ”إسرائيل“ والعديد من الدول الإفريقية تعاوناً عسكرياً متصاعداً، يتلمس المراقب لهذا التعاون دور ”إسرائيل“ في تثبيت بعض الأنظمة القمعية في القارة، ولو على حساب حياة المدنيين، وفي إشارة إلى أسباب إطالة أمد الحرب الأهلية في جنوب السودان، فقد ذكر تقرير بعثة مجلس الأمن الدولي إلى جنوب السودان في آب/ أغسطس 2015، بأن البعثة قد وجدت أسلحة إسرائيلية الصنع . أضف إلى ذلك السنوات الطويلة من التعاون بين الدولة ذات الصراعات الداخلية والخارجية و”إسرائيل“، حيث تمكنت شركة يافنيه الإسرائيلية —المتخصصة في صناعة الطائرات دون طيار— في سنة 2006 من إبرام صفقة مع نيجيريا، وقد تضمنت الصفقة تزويد نيجيريا بـ 15 طائرة حربية، وتدريب طيارين نيجيريين، وقد ألمح البعض بأن هذه الصفقة هدفت إلى حماية منطقة غرب إفريقيا حيث تتوسع فيها أنشطة الشركات النفطية الأجنبية .

خامساً: القوى الفاعلة في إفريقيا:

استُخدِمت القارة الإفريقية خلال سنوات الحرب الباردة كمنطقة تنافس أمريكي روسي، إذ سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاصرة الشيوعية من خلال تعزيز تواجدها في إفريقيا. وما زال النفوذ الأمريكي في القارة متصاعداً إلى جانب النفوذ الفرنسي الذي كان متوا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات