الأحد 23/يونيو/2024

غزة.. خزانة معدنية ومراوح ذاتية

غزة.. خزانة معدنية ومراوح ذاتية

بمجرد أن دخلت بيت الستيني أبو محمد، حتى لفت انتباهي تلك الخزانة الجديدة التي انضمت لبيته، رغم عدم وجود ما يمكن أن يضعه فيها، فهي ذات إطار معدني، وعلى ما يذكر الرجل فقد كانت مخصصة لحفظ طعامه وشرابه خاصة في شهر آب اللهاب، كما يقولون.

نعم نعم يا سيدي، المقصود هو ثلاجته.. ولعلمك أيضاً فهي تعمل على الكهرباء المفقودة بشكل شبه كامل في قطاع غزة، فزيارتها الخفيفة اللطيفة لشبكات البيوت في قطاع غزة، لا تجعل الخزانة الجديدة (الثلاجة سابقا)، تلتقط أنفاسها الحارة لتزفرها باردة إلا لسويعات متقطعة لا تتعدى أربع ساعات في أحسن الأحوال.

يتعكز الستيني بحذر شديد وسط الظلام الدامس الذي خلفته الكهرباء عقب زيارة امتدت لساعتين متواصلتين وساعتين متقطعتين، ليصل إلى بطارية صغيرة وضعها في زاوية الغرفة لشبك سلك (اللدات)، كي يستطيع رؤية وجه زوجته العابس البائس من كثرة الأعباء والهموم.

ضوء خافت خرج من مربع صغير، يقول أبو محمد إنه بقوة واحد ونصف فولت فقط، ويبقى مضيئاً طول الليل، يقولها بفخر وكأنه يتحدث عن محطة جديدة لتوليد الكهرباء في غزة بديلاً عن المحطة (بلاعة السولار) الموجودة في قطاع غزة.

بالمناسبة هذه المحطة بأربعة مولدات تعمل بمولد أو اثنين أو ثلاثة، وقد لا تعمل، وهي اليوم تنتج من 50 -70 ميجا وات إذا دخل سولار التفاهمات الحمساوية المصرية، فيما انكمشت كمية الكهرباء التي يوردها الاحتلال لغزة مقابل أموال الضرائب، من 120 ميجا إلى 70، بأمر من رئيس السلطة محمود عباس، وهناك 25 ميجا مصرية تصل عبر خطوط حريرية في أغلب الوقت تخضع لعمليات صيانة مكثفة، وتتوقف أكثر مما تعمل بكثير.

بين 450 و600 ميجا وات، تقول سلطة الطاقة إنها حاجة غزة من الكهرباء، يحسب أبو محمد العجز، وبصعوبة يحاول استجماع قواه العقلية ليكتشف أن العجز يصل إلى أكثر من 75%، ليضع كفيه على خديه وكأنه لم يكن يعرف ذلك بما يراه لا بما يحسبه ويرسمه.

خرجت من عنده، وسط ظلام المخيم الدامس، وفي وسط الزقاق الذي لو أخرجت يدك فيه لم تكد تراها، حتى ارتطمت بقدم أبو سامر الجالس قبالة بيته، ومعه مروحته التي تعمل بطاقته الخاصة دون الحاجة للكهرباء، فهي نصف صينية بلاستيكية قديمة يحرك بها الهواء على وجهه عله يهديه نسيما يساعده على تجاوز ساعات الليل الطويلة.

“الصلاة جامعة، خسوف القمر”.. نادت المساجد، فطلب من ابنه آخر العنقود جابر، أن يحضر له حذاءه ليذهب للمسجد للصلاة، لكنه في ذات الوقت تمتم قائلاً “ضو القمر حيصير في غزة بجدول”.

على فكرة، وحتى لا أنسى، بالنسبة للمراوح الحديثة التي يستخدمها أبو سامر، طبيعي جدا في غزة إذا ذهبت لزيارة قريب أو صاحب، أن يهديك واحدة منها لتنضم لقافلة الجالسين، “كل واحد صينيتو معو وبهفهف”.

صباحاً استثمرت فرصة وجودي داخل أحد مراكز شركة جوال لدفع الفواتير المستحقة، والاستمتاع بالتكييف الذي لا ينقطع وخدمة الإنترنت المجانية.
 
ودخلت إلى حسابي على “فيس بوك” لأقرأ بوست جارنا “أبو الزيك”، وهو يهدد ويتوعد بحرق كبينة الاتصالات؛ لأن خدمة الإنترنت تصله أيضاً حسب جدول الكهرباء.. تخيل النت صارلو جدول.

المهم في الأمر أن كل ما يطرح في الإعلام، وحتى الخطابات الرهيبة التي تتوعد غزة بمزيد من “الضنك” لا يستمع إليها الغزيون، ليس فقط لأنهم “طفروا من صحابها” بل لأن التلفاز هو الآخر تحول لمرآة سوداء بكماء “ملهاش أي لزوم”، فنصيحة لمن يهدد ويتوعد أن يكف، فغزة لا تسمع، ولغير ربها لن تركع.. هيك قال الستيني أبو محمد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

54 شهيدًا بأربعة مجازر خلال ساعات في غزة

54 شهيدًا بأربعة مجازر خلال ساعات في غزة

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 54 مواطنًا وأصيب العشرات غالبيتهم من الأطفال والنساء، في ثلاثة مجازر ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، السبت،...