الأحد 30/يونيو/2024

يا فخامة الرئيس عباس: مستشاروك لن يقولوا لك إنهم مزقوا صورتك بالقدس

نادية عصام حرحش

بعد انتهاء أزمة الأقصى بموضوع إغلاق البوابات ووضع البوابات الحديدية، وذلك بعد التنكيل المستمر بأبناء القدس لأسبوعين متواصلين، وبعد تدخلكم بالموضوع بعد أسبوع من تفاقمه، وكان هذا يحسب لكم، فمع الأسف، نحن لا نسمع منكم إلا ما ندر. 

ولكن موقفكم بهذه الأزمة بعد أسبوع من اندلاعها كان أفضل من غياب واضح وصارخ للسلطة بهذه الأزمة وغيرها. إلا أنني لا أخفيك أننا في القدس يئسنا من طلب المساعدة من رام الله أو من الخليج . 

فلقد احتسبنا أمرنا إلى الله منذ علمنا أن لا حسيب لنا إلا الله . فالقدس لم يبق بها عائلة إلا وطالها تنكيل الاحتلال من هدم بيت أو تهديد بهدم بيت، ومن اعتقال، ومن قتل. فالحمد لله كل أساليب التنكيل المباحة والمستباحة صارت جزءًا من يومنا في هذا البلد منذ أوسلو. 

والأقصى منذ تشديد الهجمات عليها مستباح من فرق المستعمرين المتطرفين بكل فرصة متاحة.

والحقيقة لن أرجع لما نسب إليكم من إدانة لعمليات ونعتها بالإرهابية، وللحقيقة طيلة عشر سنوات من حكمكم لا يجعلني أستغرب. ولكن ما حصل من موقفكم الأخير جعلني استبشر ببعض الخير، وقلت في نفسي، لعل نبض الشارع أثر فيه، لعلكم فهمتم أن القدس والأقصى كيان واحد، وأبناء هذه المدينة بالفعل يستميتون من أجل نصرة هذا المكان، فوجوده من وجودهم، واغتصابه هو اغتصابهم.

وبما أنه وبالفعل تبين أنكم كنتم مهتمين وتريدون معرفة ما يجري على الأرض من خلال مهاتفتكم لمراسلة تلفزيون فلسطين، والذي هو التلفزيون الرسمي لسلطتكم، الحقيقة ولأول مرة وبكل صدق أكتشف وأتأكد أنه يتم تضليلك من الإعلاميين. 

في السابق كنت أعتقد جازمة أنه لا بد أن تكون المشكلة بفريق المستشارين. ولكن بعد سماعي بالأمس لمراسلة تلفزيون فلسطين وهي تقول لك بالحرف الواحد: ” كل الناس اللي أخذتهم عالهواء أشادوا بموقفك … مشهد البكاء والدعاء على عتبات الأقصى تحول لفرح بدعمك… الشارع ما كان مفصل إلا بدعمك إلا بموقفك اللي حرف المسار تماما. الفلسطينيون بأسبوعين ما كانوش بقدروا يحققوا هدا النصر لولا دعمك، لولا موقفك…”

السيد الرئيس،
بعد سماع هذه الكلمات تأكدت أن ما يجري هو عملية تضليل لسيادتكم. فمن الطبيعي أنكم إذا ما سمعتم هذا الكلام ستصدقونه وستفرحون، وإذا ما كانت مراسلة صغيرة قالت لكم هذا الكلام، فما الذي يقوله لكم رئيسها وطواقم الإعلاميين الذين تدفع خزينة السلطة رواتبهم.

ولكن وبصدق أتمنى أن تصلكم كلماتي هذه، ولن أستغرب إن لم تصلكم أبدا، ولكن علي القول بما يمليه علي ضميري الإنساني أولا.

السيد الرئيس،
أبناء القدس وقفوا وقفة أسود بنسائهم ورجالهم وأطفالهم طيلة أسابيع، بلا نصرة إلا من رب دبّ الإيمان بحقهم في قلوبهم فنصرهم. كنت أتمنى أن نشعر بأن هناك قيادة وسيادة وراءنا كمقدسيين تتقاذفهم سلطات الاحتلال تنكيلا وقتلا على مرأى ومسمع سلطتكم وما من مجيب وما من سميع.

السيد الرئيس،
أنا كمعظم الشعب، باستثناء أولئك الذين تسمع منهم مباشرة، يئسنا منذ زمن وفقدنا الأمل بحل قادم من السلطة.

ما جرى بالقدس كان خال من كل ما للسلطة يد به.

السيد الرئيس،
عندما حاول أحدهم رفع صورتك، تم زقه وتمزيق الصورة قبل التفكير برفعها.

لم يرفع غير علم فلسطين يا سيدي.

ولم يطلب أبناء القدس المساعدة إلا من أنفسهم.

تناوب المقدسيون على السهر وتقديم الطعام والشراب طيلة أسبوعين بلا كلل ولا عناء.

شعر المقدسيون أنهم أيتام، فتكافلوا وتكفلوا ببعضهم، وعرفوا أن ظهرهم لن يحميه إلا سواعدهم وجدران مدينتهم.

والله يا سيدي الرئيس أن من يقول لك إن المقدسيين شاكرين لك فهو كاذب مضلل. لقد غابت في تلك الأسابيع كل إشارة سيادية سلطوية إلا من إصرار أبناء حارات القدس المختلفة بوقفتهم بسجادة صلاتهم أمام الجنود المدججين بالسلاح والهراوات. لقد مل الشعب يا سيدي من الخذلان والاتكال على من يأتي لإنقاذنا، حتى ولو كان ذاك الذي نستجديه ولي أمرنا، فليس للقدس قلب بلا الأقصى  وهذا لا يعيه إلا من يعرف معنى أن يكون ابن هذه المدينة.

لقد غبت يا سيدي الرئيس، كما تغيبت دائما، فالقدس لم يبق من تهويدها إلا سيطرتهم على المسجد الأقصى، ونحن في القدس نعيش تحت بساطير الذل الإسرائيلي متمسكين بنبض هذا المكان، متنازلين عن كل ما يربطنا بالعيش الكريم، أبناؤنا يهانون ويذلون، يسحلون ويضربون ويعتقلون أمامنا ولا نستطيع التفوه حتى بكلمة، تفجع الأمهات بأبنائها عنوة، ونضمد جروحنا بدموعنا، ولكن الأقصى يبقى نبضنا، فلم نكن لننتظر المغيث.

لقد خدعوك أيها الرئيس أن قالوا إننا لم نكن لنصمد بدونك، وخدعوك عندما قالوا إننا نحارب بهمتك.

لقد افتقدناك منذ افتقدناك في كل أزمة.

ولكني اليوم أعي تماما، أنه يتم تضليلك، وما سمعناه من مكالمة هاتفية بينك وبين الإعلامية، كان محاولة لتضليلنا نحن حتى معك.

فلأجل كلمة حق أخيرة … الشعب فقد ثقته بالسلطة منذ مدة طويلة. وما جرى بالقدس كان وقفة شعب عاش الذل حتى تم دوسه، فانتفض لأنني كما قلت سابقا، إن الأقصى قلب القدس، وبدون هذا القلب يعي المقدسيون أن القدس خراب. ويكفينا ما نعيشه من خراب يأكل فينا منذ عقود.

وإذا ما قرأتم كلماتي هذه، أتمنى أن تصلكم قضية نيفين عواودة التي قتلت لأنها فضحت سلسلة فساد لم تترك بابا إلا دقته من مؤسسات السلطة ووزاراتها … ولم يسمع لها أحد… فقتلوها ليسكتوها إلى الأبد.

فقضية نيفين كقضية القدس، قضية حق أضاعه الخذلان وقتله الفساد. ولكن للقدس أهل استيقظوا قبل فوات الأوان، فنصروا مدينتهم، فنصرهم الله.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات