الأحد 30/يونيو/2024

انتفاضة الأقصى.. انتصار ورسائل

د. فايز رشيد

ما قبل أسبوعي انتفاضة الأقصى الأخيرة، هو غير ما بعدها! ذلك بفضل صمود المقدسيين، ووراءهم كل قطاعات الشعب الفلسطيني في مختلف المناطق الفلسطينية.

ما حدث في المدينة التاريخية الفلسطينية العربية الكنعانية اليبوسية الخالدة، هو انتصار الكف على المخرز، انتصار الإرادة على السلاح، انتصار الحق على الباطل، انتصار الفلسطينية على شمشون اليهودي في رواية جابوتسكي، كما حاول تصويره بأنه الذي لا يقهر! يحاولون تهويد القدس وهدم الأقصى بكل الوسائل، ويدّعون أنّ القدس ستظل عاصمة دولتهم المسخ، الأبدية والخالدة.! 

ومنذ أيام جرى التصويت على مشروع قرار في الكنيست بالقراءة الأولى، يقضي بعدم الانسحاب من أيّ جزء من القدس! كما أبلغ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كتلته البرلمانية “الليكود”، بمصادقته على قانون من شأنه أن يضم خمس مستوطنات ضخمة إلى مدينة القدس المحتلة، وعملياً جرى ضم هذه المستوطنات، إلى ما يسمى “السيادة الإسرائيلية” المفروضة قسراً على القدس. وفي المقابل فصل أحياء وضواحٍ فلسطينية ضخمة عن مدينتها القدس. لم تكن انتفاضة الأقصى الأخيرة، مجرّد تحرك من أجل فتح أبواب الأقصى فقط؛ بل هي ردّ على المخططات الصهيونية السوداء لتهويد المدينة وهدم الأقصى! أما عن دلالات هذه الانتفاضة ورسائلها فنقول:

أولاً: إنها إثبات وطني وعملي بأن أهل القدس وفلسطين كلّ فلسطين يرفضون المخططات الصهيونية لتهويد مدينتهم وهدم الأقصى، وأنهم سيفشلون هذه المخططات الحاقدة، التي لن تمرّ إلا على جسد آخر فلسطيني سواء في المدينة المقدسة أو في الوطن الفلسطيني. إنها أيضاً تعلن زيف الرواية والأضاليل الصهيونية حول القدس، والتمسك بعروبة القدس وتاريخها العربي الإسلامي الخالد، المدينة التي لن تهتز لها شعرة من كافة أشكال المخططات الصهيونية لتغيير تاريخ المدينة ومعالمها.

ثانياً: لقد أثبتت انتفاضة الأقصى، أن الإرادة هي أقوى من السلاح، وأثبتت عقم الحوار مع العدو، وأن المطالب تظلّ كما هي، ولا تتجزأ، وأنه يمكن لمقاومة شعب لا يمتلك السلاح، فرض إرادته على محتليه! صحيح أنه أصيب مائة شخص في ليلة واحدة (ليلة الجمعة)، لكن من الصحيح أيضاً، أن المقاومة قادرةٌ على فعل ما يبدو أنه معجزات.

ثالثاً: لقد عززت الانتفاضة، الوحدة الوطنية الفلسطينية، والأخوة الإسلامية المسيحية في فلسطين، وفي القدس تحديداً. بأم العين، كنتَ ترى الكثير من إخوتنا المسيحيين، يعلقون الصليب ويحملون القرآن الكريم، ويركعون ويسجدون مع إخوتهم المسلمين أمام باب الأسباط، ومناطق غيره. كنتَ ترى رجال الدين المسيحيين في الاحتجاجات ضد قوات الاحتلال الفاشية، يسيرون جنباً إلى جنب مع إخوتهم من رجال الدين المسلمين، لقد ترأس البطريرك كامل الصباح مسيرة تضامنية مع المسلمين، من إخوتنا المسيحيين، انطلقت من كنيسة القيامة، من أجل الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، لكن قوات الاحتلال الفاشي منعتها من الوصول. هذا يذكّر بانطلاق الأذان من الكنائس في فترة منعه بالمكبرات من المساجد. لقد شكّلت الانتفاضة رسالة لطرفي الانقسام الفلسطيني من أجل تجاوزه والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية كسابق عهدها.

رابعاً: لقد تضمنت الانتفاضة الأخيرة رسالة مهمة إلى القيادة السياسية الفلسطينية؛ فحواها أن التمسك بالحقوق والدفاع عنها، والصمود حتى اللحظة الأخيرة، وقيادة معركة المواجهات، والاعتماد على جماهير الشعب، الشعب فقط، كلّها كفيلة بالوصول إلى حقوق، تماماً كالوصول إلى الحقوق الوطنية، وأن لا فصل بين الديني والوطني. نعم، أحسنت قيادة المرجعية الدينية إدارة الصراع حول فتح بوابات الأقصى دون مرور المواطنين من بوابات التفتيش ووسائل المراقبة الأخرى كالكاميرات. ما جرى يصلح أن يكون “بروفة” لكيفية الانتصار على العدو.

خامساً: إنها رسالة إلى العالم العربي بشقيه، النظام الرسمي العربي والجماهير العربية؛ إلى الأول بأنها استطاعت كشف حقيقة هذا العدو وتآمره وحقده ليس على الفلسطينيين وفلسطين، والقدس منها في الصميم، وعلى العالم العربي بأكمله، حتى على الدول التي لها اتفاقيات “سلام” مع الكيان الصهيوني، أرأيتم استقبال نتنياهو لأحد حراس أمن السفارة في العاصمة الأردنية بعد قتله بدم بارد لمواطنين أردنيين، استقبله نتنياهو استقبال الأبطال مع أنه مجرم، وكان يجب عدم تسليمه ومحاكمته في عمّان. رسالة انتفاضة القدس تتضمن سؤالاً إلى القادة العرب، أمع مثل هذه الدولة تريدون التطبيع؟ تستقبلون وفودها، وتذهب وفودكم إليها؟. أما إلى الجماهير العربية فتنص الرسالة على: كل الشكر لتحركاتكم في تأييدنا، لكنها لم تكن بالمستوى المتوجب أن تكون عليه.

سادساً: لقد تضمنت الانتفاضة رسالة إلى الرأي العام العالمي من قسمين؛ الأول: شاهدوا هذه الفاشية الصهيونية تجاه شعب أعزل إلا من إيمانه بربه وبقدسه وبأقصاه، وهو يريد الصلاة في مسجده الذي باركه الله سبحانه وتعالى؟ عدو يحاول منع الفلسطينيين من ممارسة أبسط حقوقهم وهي ممارستهم لشعائرهم الدينية. أما القسم الثاني للرسالة، فهو صمود شعبنا، وتجذر وانغراس حقوقه الوطنية في نفوس وعقول وقلوب أبنائه.

سابعاً: رسالة إلى العدو الصهيوني تتضمن: لن تنفع معنا كل أساليبك السوبر فاشية، ولا مذابحك، ولا مصادرة أراضينا، ولا تغييرك لمعالم مدينتنا، لن يهمنا الاستشهاد في سبيل وطننا وترابنا الطاهر المقدس. أنتم غزاة، ارحلوا من أرضنا، [فهي لن،] والصراع معك مفتوح حتى انتصارنا أو انتصارنا.

ثامناً وأخيراً: زادت الانتفاضة من رمزية القدس والأقصى، وطهارة أرضنا الفلسطينية، وهي أكناف بيت المقدس، وأثبتت صمود الشعب الفلسطيني رغم كل عوامل التفكك والرداءة في الوضع العربي والإقليمي المحيط. كما إدراكنا بأن “ما يحك جلدك غير ظفرك”، وأننا سنكون المدافعين الأول عن الأقصى والقدس رغم كل الصعاب، وإلى انتفاضة فلسطينية أخرى، وهي قادمة، هي على الطريق بإذن الله. جملة القول: لأن القدسَ أغنيتي.. هتفت… للأقصى فداكْ.. أنا ابن شعبي… وفي المعنى… رُباكْ..لم أستكن….يوماً.. لمحتلٍّ…وكلّ عائلتي.. وراكْ…. نناضلُ.. كي.. نكون.. .. ولا.. شيئاً سواكْ.. نعم، إنّا …فدائيون..لا شيء يمنعنا..عن هذا المدى… لولاكْ.هي.. قصتي.. الأولى..وجملتي.. الأخيرة…لم تكن.. ولن تكون… إلا فلسطيني.. اللسان…. وفي القلب.. رضاكْ.

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات