دعم الصحفيين: قانون الجرائم الإلكترونية يودي بحرية التعبير

استهجنت لجنة دعم الصحفيين في فلسطين، ازدياد حدة الانتهاكات بحق الصحفيين والنشطاء من خلال استصدار قرارات وقوانين مهينة ليس فقط لحقوق الفلسطينيين وحرياتهم؛ بل أيضاً لكرامة الشعب وعدالة قضيته.
وعبرت اللجنة، في تقرير لها، عن بالغ قلقها بعد مصادقة رئيس السلطة محمود عباس في السادس والعشرين من حزيران الماضي، على القرار بقانون رقم (16) لسنة 2017 والمتعلق بالجرائم الإلكترونية، دون وجود عقوبات قانونيّة لعدم وجود قانون حديث ينصّ على عقوبات رادعة لجرائم كهذه، في ظلّ العمل بقانون العقوبات الأردنيّ رقم 16 لعام 1960 في الضفة الغربية، والقانون المصري في غزة، واللذين عفا عليهما الزمن، ولا يتضمنان أي نصاً أو عقوبة لمثل هذه الجرائم الحديثة.
وطالبت اللجنة، بضرورة الوقف الفوري لتطبيق هذا القرار، بشأن الجرائم الإلكترونية، وإعادته للتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني، بهدف تعديله بما ينسجم والقانون الأساسي الفلسطيني والالتزامات الدولية لدولة فلسطين في اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها، وبما يوفر حماية حقيقية لخصوصية الصحفيين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعمل القانون المستجد على تنظيم المعاملات الالكترونية، وكذلك عمل المواقع الالكترونية الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، من حيث فرض عقوبات على “من يخلّ بالسلوك العام”، أو التحريض من خلال هذه المواقع، ويتجه القانون لفرض عقوبات مشددة على مرتكبي الجرائم الالكترونية في فلسطين تصل إلى السجن 10 سنوات وغرامة بقيمة 5 آلاف دينار أردني.
وذكرت اللجنة في تقريرها النصف سنوي لعام 2017 أن الانتهاكات الفلسطينية بحق الصحفيين بلغت (40) حالة اعتقال غالبيتهم على خلفية كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والتعبير عن آرائهم، مبينة أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت مسمى قانون الجرائم الالكترونية عملت على إغلاق أكثر من 40 موقعا الكترونياً.
غطاءٌ قانونيّ لانتهاكات حرية التعبير
واستطلعت اللجنة آراء الصحفيين والقانونيين والأكاديميين حول قانون الجرائم الإلكترونية؛ حيث قال الصحفي خالد معالي من سلفيت بالضفة الغربية: إن الأصل في تشريع القوانين في الدول المتحضرة أن يكون من خلال المجلس التشريعي، ولا يصح التداخل بين السلطات الثلاث في أي دولة أو أن تأخذ سلطة دور وسلطة السلطتين الأخريين.
ونبه معالي إلى أن هذا القانون يمس حرية التعبير بشكل كبير، لافتاً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي خاصة التي يعبر فيها الأفراد عن آرائهم تكون في الغالب افتراضية.
وأضاف: “الدول القوية لا تخشى آراء جمهورها بل تشجعها وتدحض بالحجة الآراء الضعيفة، ومن هنا فإن هذا القانون لا طائل منه والأجدر مراجعته وإلغاؤه”.
وأوضح أن قانون الجرائم الالكترونية يمنح غطاءً قانونياً لانتهاكات حرية التعبير والخصوصية، تمارسها الأجهزة التنفيذية بحق الصحفيين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تمثلت مؤخراً بحجب المواقع الإخبارية، والاعتقال والاستدعاء على خلفية تقارير صحفية أو منشورات على موقع “فيسبوك”.
وقال مستغرباً: “هل يعقل أن يتم استدعاء أو اعتقال مواطن أو ناشط لمجرد لايك، ويكون هناك غطاء قانوني لاعتقاله؟ الأصل في الحريات أن تتوسع وتنطلق لتنطلق معها طاقات وقدرات الشعب والجماهير، لكن في حال كبتها فإن الحالة تتراجع، والوضع يتدهور للأسوأ”.
إسقاط قانون الجرائم الالكترونية
من جهته، حذر الأكاديمي في الشؤون القانونية في جامعة بير زيت محمد خضر، من تطبيق قانون الجرائم الالكترونية والعمل به، مطالباً بإسقاط ذلك القانون.
وأشار إلى أن القرار بقانون الجرائم الالكترونية أُصدر دون استشارة مجلس القضاء الأعلى في شأنٍ يتعلق مباشرة بالنيابة العامة والمحاكم والإجراءات الجزائية بخلاف صريح نص المادة ١٠٠ من القانون الأساسي.
وقال: إذا كانت السلطة التنفيذية قادرة منفردة أن تنظم عمل المحاكم والنيابة العامة بتعديل الإجراءات والضمانات وفقاً لما هو وارد في القانون، وهذا يشمل من ضمن أشياء كثيرة توزيع الاختصاصات بين الجهتين والإجراءات المتبعة وطرق الطعن والمراجعة.
وتساءل: “لماذا تكون السلطة التنفيذية قادرة على تعديل قانون السلطة القضائية المتعلق بهيكلية السلطة القضائية والنيابة العامة دون استشارة مجلس القضاء الأعلى؟!”.
وأضاف: إن هذا القانون أعطى صلاحيات للجهات التنفيذية بالرقابة وانتهاك الخصوصية بحثاً عن فعل مجرم يقوم به المواطن.
ولفت خضر، إلى أنه لا تزال تصر النيابة العامة أن تباشر التحقيق والاتهام والحكم والتنفيذ، وأن تجمع النيابة العامة بيدها صلاحيات استثنائية خطيرة على الحرية وغير ضرورية وغير مبررة، وهذا يعني تخويل النيابة صلاحية اتخاذ إجراءات قضائية بحق الخصم الآخر في الدعوى، وهو المواطن العادي الذي يحتفظ حسب القانون الأساسي بافتراض البراءة، ودون ضمانات الحياد والمواجهة والعلنية له في مواجهة السلطة العامة.
ونبه إلى أن هذا الأمر فيه تعدٍّ ليس فقط على حقوق الفرد وحرياته وخصوصيته وكرامته، بل أيضاً على السلطة القضائية والمحاكم التي لا ينقصها أن تنعدم ثقة المواطنين بها بصورة كلية، بما يعني اتساع المبرر المجتمعي والحقوقي للسلطة التنفيذية، بخلاف المقصود الحقيقي طبعاً، لمزيد من الانقضاض عليها وعلى استقلالها، وهذا يعني أنه إضافة إلى المؤسسات الإعلامية والنقابية والمجتمعية، مطالباً السلطة القضائية ذاتها بإلغاء هذا التشريع حفاظاً على هيبتها وكرامتها واستقلالها.
مقبرة لمفهوم الحرية
من جهته، أوضح ماجد العاروري الخبير في القضايا القانونية والإعلامية وحقوق الإنسان، أن القوانين الموجودة حالياً على مستوى فلسطين، في قانون العقوبات كافية للردع فيما يتعلق بالجرائم الالكترونية، مشيراً إلى أن معظم الجرائم التي شملها هذا القانون جاءت مغطاة خاصة التي يمكن أن ينجم عنها مسٌّ بانتهاك الخصوصية.
وأفاد أن قانون الجرائم الالكترونية جاء موسعاً وحمل مضامين، وجاء على خلاف ما يطالب به البعض من وجود قانون للجرائم الإلكترونية، واحتوى على تجريمات واسعة تمس على وجه الخصوص حرية التعبير.
وقال: “هو بمنزلة مقبرة لمفهوم الحرية في المجتمع الفلسطيني ومقبرة لحماية الخصوصية، وهو قانون مختزل لا يراعي الحد الأدنى من حماية الحقوق والحريات، يمكن هذا القانون أن يلاحق من يتهم بالترويج لجريدة أو صحيفة أو يشارك منشورًا لكاتب أو مقالًا على صفحته، فهو يُتهم بالترويج، فهذا مفهوم توسع غير مقبول لاتهام بالجرائم”.
وعد المصادقة على ذلك القانون تطورًا خطيرًا يمس الحريات وحرية الصحافة، ويمنع الناس من التعبير عن آرائهم عبر التواصل الاجتماعي، وهذا اختراق ومس بضمانات حقوق الإنسان.
وذكر أن الاقتراح الذي جرى قبل يومين ماضيين، لإعداد مسودة قانون معدل لقانون الجرائم الالكترونية يضمن معالجة جميع المواد التي تمس الحريات العامة والخصوصية، تشكل مخرجاً مقبولاً للخروج من الأزمة التي خلقها القانون، والعمل على قانون يلبي الاحتياجات المجتمعية منه ويلغي أي مساس بحرية التعبير أو بالخصوصية.
وقد اقتُرح خلال الورشة التي عقدت قبل يومين في مقر منظمة التحرير بدعوة من مركز مدى والمنظمة بتشكيل لجنة برعاية الدكتورة حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعضوية النائب العام الذي شارك بالورشة، ومشاركة ديوان الفتوى والتشريع ووزارة العدل والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية وشخصيات قانونية في إعداد المسودة وتقديمها للرئيس لإصدار قانون معدل، وعدم تفعيل مواد القانون الحالي المتعلقة بهذا الشأن من النيابة العامة إلى أن تنهي اللجنة أعمالها خلال فترة زمنية محدودة.
وطالب رئيس السلطة الفلسطيني، أن يصدر قراراته بوقف العمل به إلى أن تعالج فيه بعض القضايا، ومن أجل الغايات التي أنشئت من أجلها لا من أجل تحقيق مكسب وطابع شخصي، داعياً الهيئة المستقلة ومؤسسة حقوق الإنسان ونقابة المحامين والصحافيين للتفاعل العاجل من أجل إيقاف تنفيذ هذا القانون.
وشدد العاروري على أهمية الحفاظ على تماسك المجتمع وسلمه الأهلي وحرياته التي هي الأولوية التي يجب أن يسعى لها الجميع.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قتلى وجرحى في تفجير مبنى بقوة من لواء غولاني برفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...

شهيد وإصابات برصاص الاحتلال في البلدة القديمة بنابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحام البلدة القديمة من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية...