عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

حماس بين خيارين

أحمد الحيلة

عانت غزة كثيراً من أشقائها أتباع اتفاقية أوسلو الذين ما زالوا يعيشون أمجاد الماضي وأحلام المستقبل بالاتكاء على مقولة، لا بديل عن المفاوضات إلا بالمفاوضات؛ فحوصرت غزة بسيف العقاب الجماعي، بذريعة الانقسام الذي يتحمل مسؤوليته بشكل كبير محمد دحلان ومحمود عباس، لسوء تصرفهم سياسياً وأمنياً عقب هزيمتهم في الانتخابات التشريعية عام 2006.

أصدقاء الأمس، افترقا على عداوة بينهما لكثير من التفاصيل وأهمها سعي محمد دحلان لخلافة  محمود عباس بدعم مصري إماراتي مباشر، ما أزعج الأخير واعتبره إهانة وتحدياً شخصياً له. وبدلاً من تقاربه مع “حماس” الحريصة على المصالحة الوطنية لمواجهة دحلان المدعوم مصرياً وإماراتياً، ذهب لفرض المزيد من القيود على غزة؛ بقطع رواتب الشهداء والأسرى، وتخفيض رواتب الموظفين، ووقف التحويلات الطبية، والطلب من الاحتلال تقليص إمدادات الكهرباء..، ظناً منه أن ذلك سيشفع له عند الرئيس ترامب لاستعادة الحياة لجسد المفاوضات الميّت منذ نيسان 2014.

العناد السياسي الذي أصبح صفة لازمة للرئيس محمود عباس، استغلّه غريمه محمد دحلان برعاية مصرية للتقدم نحو غزة كطرف قادر على المساعدة في اختراق الحصار بالتفاهم مع الكيان الإسرائيلي بصفته صديقاً قديماً، ومن خلال توفيره لشبكة أمان مالي عبر السعودية والإمارات التي يقدم لها خدمات أمنية في العديد من الدول العربية والأجنبية.

على تلك الخلفية جرت لقاءات “حماس” بقيادة السنوار مع محمد دحلان وفريقه في القاهرة لمناقشة فرص التعاون المشترك لفك الحصار أو التخفيف منه.

تلك اللقاءات بتفاصيلها، لم تكن لتمر بسهولة في مؤسسات الحركة التي تتعامل بحساسية عالية مع شخص محمد دحلان المسؤول الرئيس عن التمرد الأمني المسلّح على حكومة إسماعيل هنية عام 2007، فأحدثت بدورها تداعيات ونقاشات واختلافات في وجهات النظر داخل الحركة، حول جدوى تلك اللقاءات وتوقيتها المتزامن مع قيام السعودية والإمارات ومصر باستهداف قطر الداعم الأكبر إنسانياً لغزة والمستضيفة لجزء من القيادة السياسية. 

وبمتابعة مواقف وتصريحات قيادات الحركة في الداخل والخارج، يمكن الوقوف على رأيين متباينين على النحو التالي:

أولاً: فريق يرى أن “حماس” في غزة تواجه أوضاعاً إنسانية كارثية، في ظل خيارات محدودة أو شبه منعدمة في المدى المنظور، خاصة مع ازدياد الحملة على الإسلام السياسي بقيادة واشنطن، وبالتالي فإن صفقة دحلان علاوة على أنها توفر حماية من الاستهداف المباشر ولو مؤقتاً، فإنها تُعدّ فرصة سانحة لاختراق الحصار بتوفير الكهرباء والدعم المالي واللوجستي، وفتح معبر رفح لحركة الأفراد والتبادل التجاري دون شروط سياسية أو المساس بسلاح المقاومة، مقابل منح دحلان فرصة للعودة إلى غزة لممارسة نشاطه كقيادي فلسطيني يمكن التفاهم والعمل معه كشريك سياسي، زاعمين أن محمد دحلان ليس بأسوأ من محمود عباس الذي تَنَكّر لكافة مساعي المصالحة الوطنية عبر التعطيل والتحريض على غزة. ويرى هذا الفريق في معرض رده على المشككين في نوايا دحلان وداعميه من الدول؛ بأن “حماس” في غزة لديها من القوة والقدرة العسكرية والأمنية ما يحميها من احتمال تمرّد محمد دحلان، ووضع حد له إن فكر في ذلك، وفي الحسم العسكري عام 2007 لعبرة.

ثانياً: فريق آخر، يرى أن هذه المقايضة أو الصفقة، ستمنح دحلان الفرصة لاختراق قطاع غزة  سياسياً وأمنياً واقتصادياً ..، والتحكم التدريجي وتهيئة الظروف داخلياً لفرض أجندة سياسية إقليمية تقودها مصر والسعودية والإمارات..، عنوانها تصفية القضية الفلسطينية. فما يُسمى بدول “الاعتدال العربي” كانت وما زالت تسعى لفرض تسوية سياسية مجحفة بالفلسطينيين، تخففاً من استحقاقات القضية أولاً، وسعياً منها لطلب الحماية الأمريكية عبر البوابة الإسرائيلية في ظل الاضطرابات الداخلية والصراعات الإقليمية ثانياً. ويرى هذا الفريق أيضاً أنه من غير المنطقي أن تُهاجَم قطر بذريعة دعمها لحماس، في الوقت الذي يُقَدِّم فيه المُحاصِرون لقطر حبل النجاة لحماس في غزة..، فتوقيت صفقة دحلان برعاية مصرية سعودية إماراتية يشير إلى رغبة هذه الدول في عزل “حماس” عن قطر، لِيَسْهُل استهداف الأخيرة، والذي سيمهد الطريق لاحقاً لاستهداف الحركة ذاتها بعد أن يتم  حرمانها من شبكة أصدقائها في الإقليم.

لا شك أن لكل رأي وجاهته، ومبرراته، خاصة مع محدودية الخيارات، وصعوبة الأوضاع التي تمر بها غزة، والقضية الفلسطينية وعموم المنطقة العربية. 

وأمام هذا التباين فإننا نعتقد أن هناك مجموعة من الملاحظات التي تدفع بنفسها بين يدي هذا النقاش، على النحو التالي:

1.إن برنامج وسقف حركة “حماس” السياسي مرفوض من قبل ما يسمى بمحور “الاعتدال العربي”، ومهما حاولت الحركة التمظهر بالاعتدال عبر وثيقتها السياسية أو التعاون مع مصر لضبط الحدود مع سيناء فلن يغير استراتيجياً من موقف تلك الدول  (السعودية، الإمارات، مصر..) وخصومتها لحماس والمقاومة، إلا إذا غيرّت الحركة نهجها السياسي عبر القبول الصريح بشروط الرباعية الدولية أو التماهي مع المبادرة العربية للسلام (المبادرة السعودية في قمة بيروت 2002)، وهذا إن حصل فلن يُبقي من “حماس” إلا الذكرى والتاريخ.

2.موقف محور “الاعتدال العربي”، واضح وصريح في معاداة الإسلام السياسي باعتباره خطراً وجودياً حسب ظنهم، وفي المقدمة منه الإخوان المسلمون العمق التاريخي لحركة “حماس”، ولعل تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بقوله “طفح الكيل، وعلى قطر وقف دعم جماعات مثل حماس والإخوان المسلمين”، يشير بوضوح إلى أن المرحلة الراهنة هي مرحلة الحسم، و”حماس” عن ذلك ليس ببعيد.

3.الحركة وكما تحتاج لتعدد مصادر الدعم حتى لا يسهل خنقها من هذا الطرف أو ذاك، فإنها معنية ببناء علاقات إيجابية مع دول الإقليم العربي والإسلامي بشكل متوازن ودقيق، وبما يحفظ القضية الفلسطينية من التصفية..، والأولوية هنا تتجه نحو تعزيز العلاقات استراتيجياً مع الدول والأطراف التي كانت وما زالت تدعم الحركة وتتقاطع معها في الرؤية السياسية ولا تُكنّ لها العداء بسبب برنامجها السياسي كما تفعل دول “الاعتدال العربي”، ومن هنا يمكن القول: أن “حماس” أصبحت معنية أكثر من أي وقت مضى، باستعادة علاقاتها ورصّها مع مكونات ما كان يُعرف بمحور “الممانعة والمقاومة”، بالإضافة إلى تركيا وقطر لمواجهة الخطر القادم بقيادة واشنطن التي تَحْمِل بالشراكة مع السعودية والإمارات ومصر مشروع تصفية الإسلام السياسي، والإطاحة بكل الأنظمة التي تتقاطع معه.. والذي يعني في المحصلة تصفية القضية الفلسطينية.

إن كان البعض في “حماس” ينظر إلى التقارب مع دحلان كخطوة تكتيكية قادرة على كسر الحصار عن غزة، وفي هذا وجهة نظر، إلا أنه من الخطأ الجسيم تقديم ما هو تكتيكي على ما هو استراتيجي، فأي خطوة تكتيكية عليها أن تخدم الإستراتيجية أو لا تتعارض معها بالحد الأدنى. وهذا ميزان حساس يحتاج إلى النظر بعيداً، خاصة في منطقة تعج بالتحولات والمفاجآت. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات