الثلاثاء 24/سبتمبر/2024

حماس والأزمة الخليجية.. الواقع الحرج والخيارات المطروحة

مؤمن بسيسو

تواجه حركة حماس واقعا جديدا ومريرا هذه الأيام -في ظل مستجدات الأزمة الخليجية- يقذف بها في أتون خيارات بالغة الحرج والصعوبة، ويدلف بها إلى مرحلة جديدة لن تستطيع معها الفرار من تلبية استحقاقاتها في ظل العاصفة الأخيرة التي هبّت عليها من غير حسبان.

تطورات الواقع
لم تتوقع حماس يوما أن يستبد بها القلق لوجود بعض قياداتها وكوادرها الأساسية في قطر، فقد كان الاحتضان القطري الكبير للحركة عنصر أمان وركيزة استقرار استثمرته حماس في نشر أشرعتها السياسية وبناء علاقاتها الإقليمية طيلة المرحلة الماضية.

فعلى مدار سنوات خلت؛ تمكّنت حماس من التكيّف مع متغيرات الواقع الإقليمي العربي في ظل هبوب رياح الثورات العربية، واجتازت -مع كثير من الخسائر- منعطفات حادة أرهقتها ومسّت وجودها وتحالفاتها وإمكانياتها، إلا أن الأزمة الراهنة التي تواجهها تبدو أشد صعوبة في تاريخ الحركة.

للمرة الأولى منذ تأسيس حماس يطبق فكّا الكماشة على رقبتها، لتواجه أزمة داخلية وأزمة خارجية على السواء، وتجد نفسها أمام تطورات متلاحقة أشبه ما تكون بالعاصفة الهوجاء، دون أن تملك من أوراق القوة المنيعة ما يثبّت أقدامها ويحملها إلى بر الأمان.

في الداخل، تواجه حماس أزمات داخلية متفاقمة على المستوى المعيشي والحياتي لأهالي غزة، وزادتها ارتباكا إجراءاتُ السلطة الفلسطينية الأخيرة بشأن إمدادات الكهرباء والدواء، في سياق الصراع السياسي المحتدم بينهما، وها هي تواجه أزمة خارجية من العيار الثقيل يبدو أنها لم تكن مطلقا في الحسبان.

حين أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب تصريحاته التي زجّ بها حماس في خانة المنظمات الإرهابية أمام بعض القادة العرب في الرياض مؤخرا، اعتقدت حماس أن الأمر لا يعدو تصريحا اعتياديا أو شطحة عابرة كغيرها من الشطحات المعهودة في عالم السياسة، إلا أن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق.

فوجئت حماس بالأزمة الخليجية التي وضعت طرد حماس من قطر في صدارة أجندة الحل المطروحة بشأنها، وصُدمت مجددا بتصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي اتهمها فيها بـ”الإرهاب”، قبل أن يختتم وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الأمر بقوله إن وجود حماس في قطر يمثل مشكلة للمنطقة.

وهكذا أدركت حماس أن مخططا سياسيا مرسوما يجرى تنفيذه بدقة متناهية هذه الأيام، وأن واقعا جديدا تتم صناعته في المنطقة، وأن الأحداث المتلاحقة التي تعصف بالعلاقات العربية/العربية، تحشرها تماما في الزاوية وتضع ظهرها إلى الحائط، وتجبرها على إعادة بحث ومراجعة وجودها وتموضعها السياسي على المستوى الخارجي، فضلا عن خياراتها الفلسطينية الداخلية.

“فعلى مدار سنوات خلت؛ تمكّنت حماس من التكيّف مع متغيرات الواقعالإقليمي العربي في ظل هبوب رياح الثورات العربية، واجتازت -مع كثير منالخسائر- منعطفات حادة أرهقتها ومسّت وجودها وتحالفاتها وإمكانياتها، إلاأن الأزمة الراهنة التي تواجهها تبدو أشد صعوبة في تاريخ الحركة”

ووسط المعطيات السالفة، وفي ظل البيئة الجديدة المعادية لحماس التي تتشكل بوضوح في المنطقة العربية؛ تعيش حماس اليوم وضعا لا تحسد عليه، وتتضاءل أمامها الخيارات إلى درجة غير مسبوقة.

فقدت حماس حكم حلفائها الإسلاميين الذي شكل العمود الفقري لآمالها وطموحاتها المستقبلية في السنوات الماضية، كما فقدت مواردها المالية جراء إغلاق الأنفاق وتشديد الحصار، وفقدت أيضا حليفها الإيراني مع بدايات الربيع العربي على إيقاع الموقف من الثورة السورية، ولم يتبق لها سوى الحليف القطري في ظل اتفاق المصالحة التركي/الإسرائيلي، وها هي الورقة القطرية تحت الضغط والحصار في ظل احتدام الأزمة بين قطر وبعض الدول العربية.

وما يؤلم حماس ويكسر ظهرها أن الحصار المفروض على غزة قد بلغ درجة غير مسبوقة أورثت معاناة قاسية في حياة الناس، وأعطبت العديد من المجالات والقطاعات الحيوية، واقتربت بالأوضاع من حد الكارثة والانهيار.

ومع ذلك؛ فإن مخزون الصبر والعناد الذي تميزت به حماس والقوة العسكرية والأمنية التي تملكها في غزة، منحا الحركة مزيدا من الاستمرارية والقوة الدافعة طيلة السنوات الماضية التي شهدت إسقاط حكم الإسلاميين وتشديد الحصار على غزة.

بل إن الحركة واجهت بعناد غريب تهديدات وإجراءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الأخيرة، التي استهدفت كسر موقف الحركة وحملها على إنهاء الانقسام، ولم تصدر عنها أي بادرة تراجع أو تغيير بهذا الخصوص.

لكن حماس ربما لم تعد قادرة على اللوذ بجناب ملكاتها الذاتية التي وفرت لها الثبات والصمود في الماضي، إذ إن عوامل الصمود الذاتي لدى الحركة لا تقوى هذه الأيام على مواجهة مخطط متعدد الرؤوس أشبه ما يكون بهجمة شاملة، تواطأت فيها جهات داخلية وخارجية على تحجيمها ونزع أنيابها ومخالبها.

ما تواجهه حماس هذه الأيام جاء في توقيت بالغ السوء؛ فالوضع الخارجي المتردي يتأسس على وضع داخلي حرج في غزة، في الوقت الذي تتربص فيه “إسرائيل” الدوائر بحماس وحكمها في غزة، ولا تخفي استعداداتها للمواجهة القادمة التي يراها العديد من قادتها السياسيين والعسكريين والأمنيين قريبة وحتمية.

السيناريوهات المحتملة
والحال كذلك، فإن حماس تدرك أن الأزمة الخليجية قد تضيق الخناق عليها إلى أبعد حد، إلا أن تركّز قيادة الحركة في غزة إثر الانتخابات الداخلية الأخيرة يمنحها هامشا يمكن الاعتماد عليه للالتفاف على الأزمة الحالية والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.

من هنا؛ فإن خيارات حماس في مرحلة ما بعد الدوحة تبدو ضيقة إلى أبعد الحدود، وتنحصر في تعزيز التحالف مع إيران لا غير، ووضع كل البيض في سلالها، مع ما يعنيه ذلك من معانٍ ودلالات، وما قد يفضي إليه من آثار وتداعيات.

“يبدو الصراع الداخلي بين حماس وفتح الوجه الآخر الأكثر وضوحا وارتباطامع الصراع الذي تواجهه حماس على المستوى الخارجي، إذ إن حل أو تفكيكالصراع مع “أبو مازن” وفتح من شأنه أن يلقي بظلاله الإيجابية على الأزمةالخارجية التي تؤرق حماس هذه الأيام”

يبدو الصراع الداخلي بين حماس وفتح الوجه الآخر الأكثر وضوحا وارتباطا مع الصراع الذي تواجهه حماس على المستوى الخارجي، إذ إن حل أو تفكيك الصراع مع “أبو مازن” وفتح من شأنه أن يلقي بظلاله الإيجابية على الأزمة الخارجية التي تؤرق حماس هذه الأيام.

وفي الوقت الذي يفتح فيه استمرار الأزمة مع “أبو مازن” وحركة فتح الطريق أمام مزيد من الاستهداف الخارجي لحماس، فإن بسط جسور التوافق معهما من شأنه أن يسهم في إنقاذ الحركة من أزمتها الخارجية، وانتشالها من وهدة المحنة التي علقت في شراكها بين عشية وضحاها.

لم تكن حماس مهيأة للتفاعل مع أية فكرة أو توجه بخصوص تطبيع العلاقات مع “أبو مازن” وفتح في الأيام الأخيرة، فقد بلغ الصراع السياسي والإعلامي بين الطرفين حدا خطيرا في الآونة الأخيرة على خلفية الضغوط التي مارسها “أبو مازن” على حماس لتسليم مرافق الحكم في غزة للسلطة، وتمكين حكومة التوافق الوطني من أداء مهامها في غزة بكل حرية ودون معوقات.

لكن حماس قد تكون مجبرة اليوم على إعادة النظر في تفكيرها السياسي في ضوء الحقائق الجديدة والتطورات الأخيرة التي لا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال.

لم يعد التوجه إلى “أبو مازن” وفتح حالة اختيارية تملك حماس حرية التعامل معها حسب أجندتها وأولوياتها الخاصة، بل أصبح ذلك ممرا إجباريا لا مندوحة عنه للفرار من ثقل وطأة الأزمتين الخارجية والداخلية، اللتين تعصفان بالحركة وتزج~ان بها في أصعب أوضاعها وأحرج حالاتها منذ تأسيسها.

قد تفتح زيارة وفد حماس إلى مصر برئاسة قائد الحركة في غزة يحيى السنوار هذه الأيام بابا واسعا أمام الحركة في سبيل استعادة توازنها الوطني واستقرارها الداخلي.

إذ إن الرسائل المصرية التي تم توجيهها لوفد حماس على شكل نصائح يرتكز بعضها على المسارعة بإنهاء الانقسام، وقطع الطريق أمام المخططات الإسرائيلية التي تهيئ المسرح الإقليمي والدولي لتوجيه ضربة عسكرية لغزة بعد انتهاء شهر رمضان، انتهازا للمعطيات الجديدة التي تفرزها البيئة الإقليمية والدولية المعادية لحماس حاليا.

لا شك أن الموروث السلبي للانقسام الفلسطيني الداخلي بالغ العمق والتعقيد، إلا أن تعقّد المشهد الإقليمي والدولي في وجه حماس ينزلها منزل الاضطرار القسري، ويجعل اقترابها من “أبو مازن” وفتح أهون الشرين وأخف الضررين من وجهة نظرها، بديلا عن مواجهة العاصفة برأس مرفوعة دون أي انحناء.

لا تمتلك حماس فسحة من أمرها، فقد وجدت ذاتها في زاوية ضيقة وحرجة للغاية إثر المواقف الخليجية والإقليمية والدولية الأخيرة. ورغم المخاطر المترتبة على علاقتها التحالفية مع إيران؛ فإن حماس ليست في وارد التخلي عن الحضن الإيراني الذي يُتوقع أن يوفر لها الدعم المادي المهم لتمويل برامجها ونشاطاتها، ويمنحها قاعدة ارتكاز قوية عوضا عن القاعدة القطرية.

“السيناريو الثاني -وهو الأكثر رجحانا- فيكمن في جنوح حماس نحوالاستدراك السياسي، والمسارعة نحو عقد صفقة توافقية مع “أبو مازن” وفتحتسمح بعودة السلطة إلى حكم غزة من جديد، دون أن يعني ذلك التحلل من تحالفهامع إيران”

وفي ضوء العلاقة التحالفية التي يُتوقع أن تتعزز أكثر فأكثر بين حماس وإيران إبان المرحلة القادمة، ينتصب سيناريوهان محتملان في سياق تعاطي حماس مع استحقاقات المرحلة الراهنة:

يتمثل السيناريو الأول في اعتماد حماس على الحليف الإيراني بشكل مطلق، وإبقاء الأمور على ما هي عليه دون أي تغيير، وعدم قيام الحركة باستحداث أية مقاربة سياسية للخروج من المأزق، عبر التوافق مع “أبو مازن” وفتح أو تحت أي شكل آخر.

ولا شك في أن هذا السيناريو يحمل تجاهلا كليا للمتغيرات الإقليمية والدولية الحاصلة، ويستجلب متاعب كبرى لا تقوى حماس على استيعابها واحتمال شدتها المتوقعة.

وحينذاك لن يكون عسيرا أن ينحو مؤشر التوقعات تجاه تشديد الحصار على الحركة، ولربما تصنيفها عربيا كحركة “إرهابية” بشكل رسمي، وصولا إلى تعرضها لضربة عسكرية إسرائيلية موجعة بغزة قد تجبرها مكرهة على النزول عند السيناريو الآخر.

أما السيناريو الثاني -وهو الأكثر رجحانا- فيكمن في جنوح حماس نحو الاستدراك السياسي، والمسارعة نحو عقد صفقة توافقية مع “أبو مازن” وفتح تسمح بعودة السلطة إلى حكم غزة من جديد، دون أن يعني ذلك التحلل من تحالفها مع إيران.

ومن شأن ذلك تخفيف حدة الضغوط الإقليمية والدولية التي تمارس ضد الحركة إلى أقل درجة ممكنة، وتجنب التداعيات الكارثية لأي ضربة عسكرية إٍسرائيلية محتملة لغزة.

باختصار: فإن حماس اليوم في سباق مع الزمن للفرار من العاصفة القادمة وتدارك المخاطر التي أفرزتها التطورات والأحداث الأخيرة، وهي الآن أمام مخاض قسري لتحديد خياراتها واتجاهاتها المستقبلية التي ترسم سبل تعاملها مع البيئة المحيطة، وما يترتب على ذلك من آثار وانعكاسات داخليا وخارجيا.

المصدر : الجزيرة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات