الأحد 30/يونيو/2024

ماذا يريد ترمب في الأراضي المحتلة؟

صابر كل عنبري

بعد سبعة أشهر من فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يزور الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منطقة الشرق الأوسط في ظل الغموض الذي لا يزال يكتنف سياساته الخارجية، ولاسيما فيما يتعلق بالصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي محطته الثانية حل أمس الاثنين ضيفا في فلسطين المحتلة بعد الإشارات الإيجابية التي أرسلها في محطته الأولى لصالح المضيف الإسرائيلي، والترويج له وللتطبيع معه بين زعماء العالمين العربي والإسلامي. 

في ظل هذه الغموض الذي يحيط سياسات ترامب في التعامل مع القضية الفلسطينية، وانتظار الجميع بما فيهم قادة الكيان الصهيوني معرفة توجهه الحقيقي حيال الصراع الدائر في فلسطين المحتلة، ثمة مؤشرات منذ حملته الانتخابية إلى يومنا هذا، تظهر بعض ملامح هذه السياسات بانتظار ما ستدفعه الإدارة الأمريكية عمليا.

ومن هذه المؤشرات، طرح نقل السفارة الأمريكية إلى القدس رغم توقفه حاليا، ودعم الاستيطان الإحلالي في الأراضي الفلسطينية، وتوجيه انتقادات لاذعة للأمم المتحدة لوقوفها أحيانا وبشكل نادر في وجه استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وأراضيهم، واختيار شخصيات يهودية في حكومته، ومنهم من يدعم بالمال الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والتراجع عن حل الدولتين. 

بدأت زيارة الرئيس دونالد ترمب للأراضي الفلسطينية المحتلة وسط هذا الانطباع الغامض عن سياساته الشرق أوسطية، وتلك المؤشرات الدلالية، وأقاويل وسائل الإعلام الإسرائيلية، والإقليمية والعالمية عن مشروع ما يحمله دونالد ترمب معه.

قبل الزيارة، وبقدر ما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” تجميل السياسات الإسرائيلية المتشددة تجاه الفلسطينيين من خلال تقديم تسهيلات جزئية تحسّن ظروف اعتقال شعب بأكمله لأيام معدودة، سعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتقديم أوراق اعتماده للضيف الأمريكي من خلال تضييق الخناق على قطاع غزة والتصعيد ضد المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ أكثر من شهر، لإظهار جديته في مواجهة هذه المقاومة بعدّها إرهابية أمريكيا.

الآن، وفي ظل هذا التحضير الإسرائيلي والفلسطيني (السلطة الفلسطينية)، يبقى السؤال المحوري:  الرئيس الأمريكي ماذا يريد في زيارته إلى الأراضي المحتلة؟ فهل حقا يحمل مشروعا سياسيا جديدا للتسوية، يختلف عن المشاريع السابقة؟ 

عند الإجابة على هذه التساؤلات، لا بد أن تكون الظروف الإقليمية والدولية حاضرة، حيث إنها لا تميل لصالح الحق الفلسطيني، ولا تشكل أدنى ضغط على الإدارة الأمريكية الحالية، لكي تقوم بموجبها بفرض مشروع على الكيان الصهيوني يعيد الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية. 

وفي الوقت ذاته، السلطة الفلسطينية لا تملك أي أوراق قوة تجبر الاحتلال الإسرائيلي على تلبية المطالب الفلسطينية عبر الوسيط الأمريكي. 

عليه، فإن المشروع الذي يرمي إلى تحقيقه دونالد ترمب لن ينصف الفلسطينيين، وأنه مشروع إسرائيلي بامتياز على حساب الثوابت والحقوق الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من الظهيرة العربية إلى الأبد، وإن كانت هي موجودة أصلا، عنوان هذا المشروع هو “التطبيع بين إسرائيل والأنظمة العربية”.

هذا المشروع لكي يتمكن الرئيس الأمريكي من تمريره وإنجاحه يتطلب اتخاذ سياسات وإجراءات محددة، على رأسها:

ـ إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية
ولتحقيق ذلك، يتوقع أن يجمع الرئيس الأمريكي خلال زيارته هذه، رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني معا على طاولة واحدة، وبذلك يطلق عملية تسوية جديدة، بمضامينها القديمة، ودون أي جديد ولو شكليا لصالح الطرف الفلسطيني، حيث ستكون عملية التفاوض لأجل التفاوض، دون وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، ودون أن تتحقق الشروط السابقة التي طرحها الرئيس محمود عباس لاستئناف المفاوضات. 
كما أنه لا يستبعد أن يقدم أبو مازن تنازلات سخية مرة أخرى يشرعن بموجبها جزءا من الاستيطان الإسرائيلي، حسب ما نشرته وسائل إعلام حول استعداده التخلي عن أراضي في الضفة الغربية لقاء الوصول إلى حل مع الكيان الصهيوني. 

ـ تقديم تسهيلات للفلسطينيين في الضفة الغربية

بالتزامن مع استئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، يتوقع أن يتفق الرئيس الأمريكي مع الإسرائيليين على تقديم تسهيلات للجانب الفلسطيني، أولا: لإظهار نفسه منصفا في حق الفلسطينيين أمام الرأي العام، وثانيا: لاسترضاء السلطة الفلسطينية وجرها إلى وحل سياسة الباب الدوار مرة أخرى، أي التفاوض لأجل التفاوض، وثالثا: لعدم إحراج النظام العربي أكثر مما هو محرج اليوم، حيث بهذه التسهيلات يتم تجميل عملية التطبيع. 

ـ التصعيد ضد إيران

دشن دونالد ترامب هذا التصعيد من قمة الرياض، وأكد عليه خلال زيارته إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة أيضا، فعلى ما يبدو أن هذا التصعيد الذي جاء بالدرجة الأولى لوقوف الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب السعودية في مواجهة إيران، لم يكن دون مقابل لصالح الكيان الصهيوني وهو التطبيع، إلى جانب المقابل الذي حصلت عليه واشنطن نفسها من صفقات رابحة تقدر بمئات مليارات الدولارات. 

خلاصة القول؛ إن زيارة الرئيس الأمريكي للأراضي الفلسطينية تأتي تتويجا لعملية التطبيع القديمة الحديثة، يحيي خلالها عملية التفاوض بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية كأحد المتطلبات الرئيسة لتلك العملية، وبناء على ذلك يفترض أن تشهد المرحلة المقبلة جولات أخرى لمفاوضات، تستغلها “إسرائيل” كغطاء لتمرير مشاريعها التهويدية الاستيطانية وكذلك لتجميل صورتها المهتزة في العالم الغربي، حيث ستظهر نفسها محبة للسلام مرة أخرى أمام الرأي العام الغربي. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات