عاجل

الأحد 30/يونيو/2024

مصطفى الهندي.. سنوات اللجوء لم تُنسِهِ بحر يافا

مصطفى الهندي.. سنوات اللجوء لم تُنسِهِ بحر يافا

رغم خروجه منها طفلاً صغيراً، لا زالت يافا ترتسم في مخيلة الحاج مصطفى سيد الهندي (76 عاما)، ولا زالت زُرقة بحر يافا تداعب أحلامه أملا بالعودة إليها، حتى لو تحقق ذلك في خريف العمر.

ولا زال الهندي يذكر أيام طفولته القصيرة التي عاشها في يافا قبل تهجيرهم منها على يد العصابات الصهيونية عام 1948.

ففي حي المنشية بجانب جامع حسن بيك، شمال مدينة يافا وعلى شاطئ البحر المتوسط، نشأ الهندي مع عائلته المكونة من أخوين وأختين يتوسطهم هو في الترتيب، يعيشون حياة تتسم بالرخاء، إلى أن جاء من يعكر صفو حياتهم ويقلبها رأسا على عقب.

بلسان من أتعبه الزمن، روى الهندي لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” حكاية خروجه من بلده ومنزله الأحب إلى قلبه، وقال: “كنا نعيش حياة هانئة، ولم يسلبنا اليهود أرضنا من فراغ، فقد مكنوا لأنفسهم جيدا دون أن ندري”.

برتقال يافا
خمس سنوات من عمره أمضاها الهندي على بحر يافا، الذي لم يكن لينساه يوما، ولا زال يذكر برتقال البلاد الذي كان يكفي الغريب قبل القريب.

ويقول إن أهل فلسطين كانوا يأتون من كل حدب وصوب من شمال البلاد حتى جنوبها، لينتفعوا من العمل بالبيارات وقت الحصاد، فذاك الذي يقطف الثمار، وتلك التي تجمعها بأوعيتها الخاصة حتى تغلف، وتشحن إلى أمريكا وأوروبا بالبواخر.

“لا عودة بعد اليوم” كلمات قالها يهودي بريطاني الأصل للهندي عندما خرج من بيته بعد أن أرغمه على الخروج منها، فتشرد الأهالي عن بعضهم البعض، ويُتم أبناؤهم، ورملت نساؤهم.

“أخلى البريطانيون معسكراتهم لليهود، فاستحلت لهم كل أنواع البنادق والأسلحة، ليرعبوا بها السكان ويجبروهم على ترك منازلهم عنوةً تحت تهديد السلاح، في حين أن سكان البلاد لا يمتلكون أي نوع من الأسلحة للدفاع عن أنفسهم”؛ يقول الهندي واصفا كيف تواطأ الإنجليز مع العصابات الصهيونية.

ويضيف: “في ذلك الحين لم نكن نعلم أن الأخبار التي أذيعت قبل فترة وجيزة من الحرب كانت حقيقية”.
 
مشوار الضياع
من يافا شمالاً إلى غزة جنوباً، سار مصطفى وعائلته، أياما وليالي لم يتذوقوا فيها طعم الراحة والطمأنينة، لكنهم لم يستطيعوا المكوث كثيرا بالمنطقة، فبدأت رحلة البحث عن مأوى جديد، فسارت القافلة من الخليل إلى الأردن.

وفي الطريق تشتت عائلة الهندي كلٌّ في اتجاه، فسار مصطفى مع إخوته الأربعة باتجاه، وسار والداه في الاتجاه الآخر، ويقول: “حل الليل، ولا رؤية جيدة، فقد نفد الزيت والكاز من الأسرجة التي كانت تنير لنا الطريق، وصلنا حدود الأردن، ومكثنا قرب جماعات البدو التي كانت تحت سيطرة اليهود، فمنعتنا من اجتياز الحدود”.

ويتابع: “كنا أنا وإخوتي نمسك ببعضنا خشية الضياع، كما حصل مع العائلات التي كانت معنا، وأثناء القتال مع البدو وإقناع الأهالي لهم بالسماح لهم بالعبور، تشتتنا عن أبي وأمي، فعدنا مع عائلة من مدينة رام الله، اعتنوا بنا حتى جاء والدي بعد عشرة أيام من البحث، وأخذنا معه”.

وأثناء محاولة العائلة من جديد الوصول إلى الأردن من منطقة بئر السبع، ألقت قوات الاحتلال القبض على والد مصطفى، وأحالته إلى السجن، إلا أن صراخ زوجته وبكاء أطفاله أنقذه من قبضة اليهود.
 
رحيلٌ إلى حين
قطعت عائلة الهندي الحدود ووصلت الأردن، وهناك قام المركز المتخصص باللاجئين الذي أنشأته الأونروا آنذاك، باستقبالهم وتخييرهم بالمكان الذين يودون العيش فيه حتى نهاية الحرب والعودة إلى ديارهم.

وبين العيش بمناطق عمان أو المكوث بالزرقاء يقول مصطفى: “عند وصولنا المركز خيرنا المسؤول عن اللاجئين بالأماكن المتاحة، فظننا أن منطقة الزرقاء سميت كذلك نسبة للبحر الذي يطل عليها كما كنا في يافا، فابتهجنا وألححنا على والدي حتى يختارها لنعيش فيها”.

ويضيف: “وصلنا ويا ليتنا لم نصل، فقد صعقنا من هول المشهد.. خيم في كل مكان، وأطفال يلهون بالطين وثياب معلقة على جدران الخيمة، نظرنا نظرة تفقد وتفتيش علنا نجد متسعا لنا، فكانت آخر نقطة في المخيم مكان سكننا الجديد، فلا بحر هناك ولا شجر برتقال كما كنا نعتقد”.

ويكمل الهندي: “أحضروا لنا خيمة، ونصبوها، شأننا شأن بقية السكان، وبعض الأغطية والفراش لنريح الجسد المتعب عليها بعد عدة أشهر من المسير والهرب”.

لم يستطع والد مصطفى تحمل مرور الأيام بلا عمل، ففتح بسطة صغيرة بجانب الخيمة لصيانة البوابير والمصابيح التي كانت تستعمل للإنارة والطبخ في المخيم.

يعيش الهندي في مخيم الزرقاء بالأردن منذ 69 عاما، ولا زال يحتفظ بمفتاح بيته في يافا، وينتظر عودته بفارغ الصبر حتى يفتحه بيده، ويسقي شجر البرتقال والليمون كما اعتاد أن يعمل في الصغر، وليريه لأبنائه وأحفاده، ليظل عالقا في أذهانهم مهما جارت الأيام وأبعدتهم عنه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات