السبت 27/يوليو/2024

هكذا حرك الشاباك قاتلي فقها

جهد متواصل، وإرادة قوية في تحدي الصعاب، كانت بداية الأمل لكشف خيوط اغتيال القائد القسامي مازن فقها، إلا أن المنفذين لم يُتصور من هم أو كيف نفذوا هذه العملية.

تفاصيل دقيقة، ومشاهد من الفيديو، واعترافات مصورة، كانت كفيلة بقطع الشك باليقين، لتؤكد على تورط الاحتلال بشكل مباشر وتحريكه خلية لعملائه لينفذوا العملية.

وزارة الداخلية والأمن الوطني، ومن خلال إصدار مرئي تضمن تفاصيل وملابسات جريمة اغتيال الأسير المحرر مازن فقها، التي تمت بتاريخ الرابع والعشرين من شهر مارس الماضي، توضح كيف خطط الشاباك الصهيوني للعملية على مدار 8 شهور.
 
ويظهر الفيديو، الذي حمل اسم (فك الشيفرة 45)، اعترافات بالصوت والصورة للمنفذ المباشر لجريمة الاغتيال، والذي أطلق النار على الشهيد فقها من مسدس كاتم للصوت، بالإضافة إلى اعترافات عميلين آخرين كان لهما دور أساسي في عملية الاغتيال من خلال الرصد والمتابعة والتصوير لمسرح الجريمة.

وفي اعترافات العميل (هـ، ع) 44 عاماً، الذي كُلف من ضباط مخابرات الاحتلال بمهام تصوير مسرح الجريمة وتحديد تفاصيله، فقد ارتبط العميل بمخابرات الاحتلال خلال محاولة الحصول على تصريح للعمل داخل الأراضي المحتلة عام 48، في العام 1998، ومنذ ذلك الحين بقي مرتبطا بالاحتلال ينفذ ما يطلبه، حتى اعتقله جهاز الأمن الداخلي عقب يوم الاغتيال بـ24 ساعة فقط.

وخلال تلك الفترة تعامل العميل (هـ، ع) مع عدد من ضباط مخابرات الاحتلال، يحملون أسماء وهمية تتمثل في أبو رائد، بلال، زيدان، سليمان، خضر، وآخرهم الضابط سعيد، حيث كلف بمهام عديدة منها تصوير أماكن ومواقع للمقاومة، إلى جانب متابعة قادة وعناصر المقاومة وتحركاتهم، ومنهم الشهيد الشيخ أحمد ياسين، والشهيد خالد الدحدوح، والشهيد مسعود عياد، والشهيد رائد فنونة، والشهيد محمد الهمص.

 

وحول جريمة اغتيال الشهيد فقها، اعترف العميل (هـ، ع) أنه – وقبل ثمانية أشهر من تنفيذ الجريمة –كلّف بجمع معلومات عن عدد من الأسرى المحررين في صفقة “وفاء الأحرار”، ومن بينهم الشهيد مازن فقها، كما كلّف بتصوير البناية السكنية التي يقطن فيها الشهيد فقها بالقرب مستشفى القدس في منطقة تل الهوا غرب مدينة غزة.

وقال (هـ، ع): “توجهتُ بالدراجة النارية إلى مكان البناية، وأجريت مسحاً لمنطقة العمارة وما حولها عن طريق تصويرها بالهاتف المحمول، والذي يرسل الصور مباشرة إلى ضباط مخابرات الاحتلال”، مضيفاً أنه كلّف بتحديد الأماكن التي يوجد فيها كاميرات مراقبة في محيط المنطقة.

كما يؤكد العميل الآخر وهو (ع، ن) (38 عاماً)، والذي ارتبط بمخابرات الاحتلال منذ عام 2010 من خلال سفره للضفة الغربية، أنه استغلت حاجته للسفر وربط بمخابرات الاحتلال عن طريق انتحال شخصية موظفي حقوق الإنسان، ما اضطره للموافقة والعمل مع عدد من ضباط الاحتلال، منهم الضابط سعيد والضابط بلال.

وخلال فترة ارتباطه – بحسب اعتراف العميل (ع، ن) – طُلب منه تحديد مواقع ومقرات المقاومة، وأماكن إطلاق الصواريخ ومطلقيها، إلى جانب مراقبة عناصر المقاومة، وتحديد نقاط رباطهم، وهو ما تم بالفعل، وعلى إثره جرى استهداف مقاومين ومواقع للمقاومة.

وكشف (ع، ن) أنه منذ منتصف عام 2016، طلب ضابط مخابرات الاحتلال (بلال) منه التركيز على منطقة تل الهوا في المراقبة والرصد، وبالتحديد عمارة الغرابلي (التي يقطن فيها الشهيد مازن فقها)، حيث قدّم معلومات مفصلة عن العمارة ومداخلها ومخارجها، وطبيعة المنطقة حولها.

وأشار إلى أنه سافر للضفة الغربية المحتلة في بداية عام 2017 حيث أجرى ضابط المخابرات له خلال هذه الفترة “دورة تدريبية لقيادة المركبات، للتأكد من قدرته في السيطرة على السيارة”، ثم عاد لغزة في شهر يناير.

وأضاف “طلب مني الضابط بلال تحديد الأماكن التي تشتمل على كاميرات للمحلات والشركات في تل الهوى، فتحركت بسيارتي في المنطقة لرصد المحلات، وحددت له أماكن وجود الكاميرات للمطاعم والمحلات، وصورت المنطقة وأرسلت له التصوير”.

المنفذ المباشر
أما المنفذ المباشر لجريمة الاغتيال، وهو العميل (أ، ل) 38 عاماً، وهو عسكري مفصول من الخدمة، فقد ارتبط بمخابرات الاحتلال منذ عام 2004، حيث تواصلوا معه تحت غطاء أفراد من الجماعات المتشددة تعرفوا عليه أنهم من الناس المحبة لغزة والمقاومة وتُحب فلسطين.

وأضاف “بدأ ضابط المخبرات يتكلم معه أنه من أصحاب الفكر المتشدد، وأنه من الناس المحبة للجهاد، وبدأ يُرسل لي الأموال بهدف تكوين مجموعات واحتواء أصحاب الفكر المتشدد، وتوجيهي في عمليات قتل وعمليات تفجير”.

ولفت العميل (أ. ل) إلى أن شخصا من الخارج تواصل معه قبل الحرب على غزة عام 2014.

وربطه بشخص آخر اسمه أبو العبد، تبين أنه ضابط مخابرات إسرائيلي.

وتابع ” أصبح الضابط أبو العبد يطلب مني معلومات عن مراكز شرطة، ومواقع عسكرية، ومواقع حكومية، ووكلني بآخر مهمة هي اغتيال الشهيد مازن فقهاء”.

وأوضح أنه “قبل اغتيال الشهيد مازن فقها بأسبوع، تواصل معي الضابط أبو العبد، وطلب مني التوجه لمنطقة تل الهوى بجوار منزل الشهيد، وطلب مني رصد المنطقة ومسحها بالكامل.

ومضى يقول، “رن علي الضابط قبل اغتيال الشهيد فقها وذلك يوم الخميس عصراً، وطلب مني التوجه للمنطقة وإجراء مسح لها من سيارات حكومية ورجال أمن”.

ولفت إلى أن ضابط المخابرات “الإسرائيلي” قال له بعد انتهاء عملية الرصد “لا تتحرك من منزلك خليك على جاهزية، قلته له حاضر”.

 

تفاصيل الجريمة
في تمام الساعة الثانية ظهراً من يوم الخميس الموافق 23 مارس 2017 – قبل وقوع الجريمة بيوم واحد فقط – شهدت سماء مدينة غزة تحليقاً مكثفاً لـ 18 طائرة استطلاع مع التركيز على منطقة تل الهوى جنوب المدينة.

وشملت تلك الطائرات “طائرة من طراز كوكيا وهي طائرات مأهولة بأطقم استخبارية” وطائرة أوربيتر 1 وأوربيتر 3 تستخدم في العمليات الخاصة، وتُحلق على ارتفاعات منخفضة.

وقال القاتل المباشر المشارك في عملية اغتيال الشهيد فقها “تواصل معي ضابط المخابرات يوم الجمعة مغرباً، وطلب مني التوجه لمنطقة تل الهوى بغزة في محيط مستشفى القدس .. كانت سماعة الهاتف في أذني دخلت الشارع عند منزل الشهيد فقها”.

وأشار إلى أن ضابط المخابرات قال له: “لحظة دخول سيارة الشهيد الكراج، اتبعه ونفذ العملية داخل الكراج، وأطلق النار على رأسه وصدره بحيث تُجهز عليه”.

وتابع “تحركت بسرعة ومعي المسدس، ونزلت سيارة الشهيد وتبعته مباشرة، فوقفت على الشباك، وطرقت على شباك السيارة ففتح الشهيد نصف الشباك، واعتقد أنني أطلب منه مساعدة، وقبل أن يبدأ بأي كلمة أطلقت عليه من خمس لست رصاصات في الصدر وفي الرأس وانسحبت من الطريق التي أرشدني لها ضابط المخابرات”.

وأظهرت تسجيلات كاميرات المراقبة لحظة انسحاب منفذ عملية الاغتيال المتخابر “أ. ل” وانسحاب المتخابر “ع. ن” عنصر رصد وتأمين من الجهة الغربية لمسرح الجريمة.

وهم وندم
وفي ختام الإصدار المرئي، أقر المتخابر “هـ. ع”: “أقول في  النهاية أنا نادم وقد أخطأت، مفروض أن أسلم نفسي لجهاز الأمن الداخلي قبل هذه الفترة، وأنصح كل شخص متعاون مع الاحتلال أن يعود لربه”.

أما المتخابر “ع. ن” أحد المشاركين في جريمة الاغتيال فقال: “كان ضباط المخابرات يقولون أنت بالنسبة لنا شيء كويس، أنت الحاجة الوحيدة إلي احنا مستحيل نفرط فيها، أهم شيء سلامتك”.

وأشار إلى أن ضابط المخابرات كان يشعر المتعاون معه: “أنه ولي أمره يخاف عليه، كل هذا وهم يصورون لك النار وردا، لكن تبين أن كل هذا وهم”.

في حين، قال القاتل المباشر (أ. ل): “الضابط أبو العبد والضابط أبو رائد إلّي كانوا دائماً يقولون لي إحنا حنوفر لك سلامتك، وأهم شيء أمنك وسلامتك، هذا كله وهم وكذب، وين أمني وسلامتي وأنا موجود الآن بوصل لهم رسالة قاعد من جهاز الأمن الداخلي”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات