الثلاثاء 02/يوليو/2024

هل قاتل العرب عام 1948؟

أحمد الحاج علي

يقلل كثيرون من دور العرب، غير الفلسطينيين، أثناء حرب 1948، وما تلاها من نكبة، بل ويذهب البعض إلى دور عربي في إفراغ فلسطين من معظم أهلها. إن بعض هذه الاتهامات إما ناتج عن عدم معرفة بأحداث ذلك الزمان وإما لأهداف سياسية.

إنكار دور العرب في حرب فلسطين عام 1948، استُخدم بشكل خاص بعد تعديل الميثاق القومي عام 1968، وكان الهدف من ذلك تبرير التخلي عن البعد العربي للقضية، ثم التوغل بالوطنية الفلسطينية، ليس بهدف توطيدها، إنما بهدف سلخها عن الأهداف العربية المشتركة، ولتبرير خطوات أحادية، ستظهر في عام 1968، من خلال طروحات الدولة الديمقراطية التي تضم العرب واليهود، أو عام 1974 من خلال ما يُعرف بالنقاط العشر.

ومع تبلور طروحات التسوية كان شعار المرحلة فلسطينياً هو القرار الوطني المستقل، لأن خلق مناخ التسوية يتطلب الشعور الأقصى بالضعف لدى الشعب الفلسطيني ليرضى أو ليسكت عن التنازلات المرتقبة. فرُفع شعار “يا وحدنا”، الذي يصلح للشعر لا للسياسة، وصار شعار المرحلة. وحتى في أغاني تلك المرحلة نلمس جلداً للذات العربية. إن التسوية تتطلب إغراق الناس في معاداة العرب، والمغالاة في ادّعاء الوطنية. فجرى مثلاً إيقاظ الوطنية المصرية على حساب امتدادها العربي خلال مفاوضات كامب ديفيد، وكان شعار “الأردن أولاً” الشعار الأبلغ في مرحلة ما بعد توقيع اتفاقية وادي عربة.

إضافة إلى أن هناك تياراً حاول القطع مع العرب بذريعة تبرير تحالفاته العابرة للبلدان العربية، فأراد لصق كل نقيصة بالعرب. ونشر كل كلام يمكن أن ينال من سمعتهم. واتخذ من نفسه آلة إعلامية لحديث قديم أن الجيوش العربية طلبت من الفلسطينيين مغادرة بلدهم “حتى يتسنّى لها القتال بحريّة، ودون عوائق من المدنيين”.

لا بدّ من تبيان أمرين عند الحديث عن الدور الإيجابي للعرب عام 1948، الأمر الأول أنه كان عدد الدول العربية المستقلة عند نكبة 1948 لا يتجاوز عشر دول، وبعضها مستقل اسمياً، وما زالت على أراضيه قوات احتلال، وبعضها مستقل حديثاً، ولم يبن بعد مؤسساته ولا جيشه. الأمر الثاني أن الموقف الشعبي العربي كان متقدماً جداً عن الموقف الرسمي وهو الذي دفعه إلى إرسال بعض جيشه إلى فلسطين.

إن الفارق كان كبيراً بين دول عربية ليس لديها دعم، وبين عصابات صهيونية جاء بها الغرب لتقيم دولة وظيفية. فتُظهر الأرقام أن عديد العصابات الصهيونية المسلّحة وصل إلى 60000 مسلّح، بينما كان عديد المسلّحين العرب في فلسطين (مع دخول جيش الإنقاذ والجيوش العربية الحرب) لا يصل لأكثر من 23000 عنصر.

التدفق الكبير للأسلحة على العصابات الصهيونية لم يتوقف، لا قبل إعلان دولة “إسرائيل” في 15 أيار/مايو 1948، ولا بعد ذلك. فإضافة إلى الدعم الغربي، كان هناك جسر جوي مفتوح لإمداد الكيان الصهيوني بالسلاح، انطلاقاً من قاعدة زاتيك العسكرية التشيكية. ومع نهاية السنة كان عدد العصابات الصهيونية حوالى 90000 مسلّح، بينما بلغ عدد الجيوش العربية المتواجدة حوالى 40000 جندي. وما بين تشرين الأول/أكتوبر 1947 وتموز/يوليو 1948 أنتجت مصانع الهاغاناه وحدها 3 ملايين طلقة، و150000 قنبلة يدوية، و16000 بندقية رشاشة، و210 مدافع هاون.

ومع ذلك فإن المعارك التي خاضها المتطوعون العرب برفقة إخوانهم الفلسطينيين كانت معارك مشرّفة، انتصر العرب في كثير منها رغم قلة تسليحهم، ويكفي النظر إلى مذكرات هؤلاء المتطوعين من أمثال عبد الله التل ومصطفى السباعي وزهير الشاويش وكامل الشريف وفوزي قاوقجي، لإدراك حجم تضحياتهم. كما أن مذكرات الفلسطينيين وذكرياتهم تحفظ للمجاهدين العرب مقامهم. وأعظمها تفصيلاً مذكرات عارف العارف. فالشهداء المصريون عددهم 1038 شهيداً، الأردن: 463 شهيداً، سورية: 362 شهيداً، العراق: 399 شهيداً، السعودية: 155 شهيداً، لبنان: 256 شهيداً، ليبيا: 15 شهيداً، المغرب العربي: 16 شهيداً، السودان: 8 شهداء، اليمن: 21 شهيداً.

أما حكاية أن الجيوش العربية طلبت من الفلسطينيين المغادرة، فلا أصل للادعاء، حتى أن المؤرخ الإسرائيلي بني موريس راجع كل سجلات الإذاعات العربية عام 1948 ولم يجد ما يثبت ذلك. من هنا فإن العرب قاتلوا، وإن التقصير الرسمي لا ينفي الجهاد العربي في فلسطين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات