الأحد 11/مايو/2025

الإيراني.. عندما يضيع تاريخ الثائر ويعيش وسط المقابر

الإيراني.. عندما يضيع تاريخ الثائر ويعيش وسط المقابر

بجوار مقبرة لدفن الأموات، يتأهب الثمانيني قاسم شياصي المعروف بـ”الإيراني”، مجهزاً كفنه ولوازم دفنه، راجياً أن يأتيه الدور من أجل أن يرتاح من حاله الذي لم يتصور أن يصل إليه حتى في أحلامه.

“قاسم شياصي” (80 عاماً)، إيراني الجنسية اسم بات يعرفه الكثير من سكان مخيم نهر البارد غرب محافظة خانيونس، خاصة أن لهجته تميزه عن باقي أفراد المخيم.

بؤس وشقاء
وبالقرب من حائط قديم يتخذ منه حاجزاً يبعد عنه حر الشمس، يستلقي الإيراني وبيده كوب من الشاي، وفي الجهة المقابلة يطل عليه مكب مرتفع للنفايات يحجب عنه هو الآخر حر الشمس في بعض الأحيان.

لم يكن يتوقع شياصي الذي كان يلقب أيام شبابه بشمشوم الجبار أن نضاله من أجل قضية فلسطين وتعرضه للموت أكثر من مرة، سينتهي به المطاف حيث التسول والقمامة ورائحة الموت.

ذكريات الثائر
تجول مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” في منزل الإيراني وقلّب معه دفاتر الزمن، ليفتح خلال حديثه جرحاً غائراً لم يندمل منذ زمن مع إنسان استحق أن يقلد وسام الشجاعة والشرف لا أن يصل به الحال إلى المزابل والجيف.

وبلهجة إيرانية لا تكاد تفهم منها سوى بعض الكلمات، وتترجم زوجته بعضها الآخر يسرد شياصي حكايته قائلاً: “خرجت من ايران بلدي الأم إلى لبنان تاركاً خلفي زوجتي وأطفالي وأقاربي من أجل الالتحاق بالثورة الفلسطينية، وخضت المعارك في سبيل القضية”.

وقابل شياصى خلال تنقله في لبنان الرئيس الراحل ياسر عرفات، وأصبح أحد المقربين منه إلى درجة أنه عمل مرافقاً له في إحدى الفترات، لينتقل بعدها إلى اليمن ودول أخرى.

وما أن تذكر تلك الأيام حتى بدأت الدموع تسيل من عينيه الزرقاوين، معلناً بحسرة وحرقة أنها من أجمل الأيام التي قضاها في حياته.

ومع قدوم السلطة الفلسطينية إلى فلسطين عام 1994م، عاد الإيراني مع تلك القوات إلى قطاع غزة، وذلك لشدة تعلقه بفلسطين وترابها، ليعمل عسكرياً في السجن المركزي، متحسراً على تلك الأيام خاصة أنها كانت في عهد الرئيس أبو عمار.

ويرفع الشياصي صوره برفقة أبو عمار، ويبدأ بتقبيلها والبكاء لدرجة الصراخ، ليقول أنه لو بقي أبو عمار على قيد الحياة ما وصل به الحال إلى ما هو عليه الآن.

تنكُّر للثائر
أنهى الحاج قاسم خدمته العسكرية وأحيل للتقاعد، وأصبح يتلقى راتب التقاعد البالغ 2700 شيكل، مكملاً حياته في منطقة كيسوفيم بالقرارة شرق محافظة خانيونس حيث منزله المتواضع  الذي هدمته جرافات الاحتلال إبان أحد التوغلات في المنطقة.

وحسب الإيراني؛ فإنه وبعد هدم منزله لم يعوض من أي جهة سوى تقديم عدة دولارات للإيجار، وبعدها لم يتعرف عليه أحد، ولم يتمكن من دفع الإيجار، وقرر بناء منزله المتواضع في منطقة نهر البارد، وهي عبارة عن أراضي حكومية تابعة لسلطة الأراضي.

وفي منزل لا يرقى للعيش الآدمي يسكن الشياصي برفقة زوجاته الثلاث وأبنائه، متمنياً أن يخطف الموت روحه على أن يواصل العيش في مثل هذه الأوضاع.

ويحن الإيراني للعودة إلى بلده إيران، والتي لا يزال يحتفظ بجواز سفره حتي اللحظة، متمنياً أن يشتم رائحتها قبل أن توافيه المنية، بعد مسيرة حافلة من العطاء من أجل قضية جعلته ينسى لغته الأصلية.

ويطالب شياصى السلطات الإيرانية أن تقف بجانب ابنها من أجل إعادته لموطنه حيث أقربائه وأسرته التي كان يتفقدها بين الحين والآخر، ويتواصل معها عبر الهاتف.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات