الأربعاء 02/أكتوبر/2024

عمال غزة.. الحرفيون السابقون

عمال غزة.. الحرفيون السابقون

أكثر من (120) ألف عامل من قطاع غزة عملوا لسنوات طويلة داخل الأراضي المحتلة عام 1948، انضموا قبل عقد ونصف لجيش البطالة المتعاظم دفعةً واحدة، كثيرون منهم أصحاب مهارات وحرف متميزة كانوا يكسبون أجراً محترماً تبدد مع اشتداد انتفاضة الأقصى بعيد سنة (2002).
 
وحاول الكثيرون ممارسة حرفهم الأصلية بغزة، وآخرون حاولوا التكيّف بامتهان أعمال أخرى، لكن سوء الأحوال الاقتصادية المرتبطة بالحصار، وتعاظم البطالة، زادت من همومهم.
 
وتكمن أسباب معاناتهم خلف حصار غزة والإغلاق الصهيوني المفاجئ في وجههم مع عدم وجود خطة طوارئ وتنمية لدى السلطة الفلسطينية لاحتواء هذا الجزء المهم من عمالة الشعب الفلسطيني.

وحسب جهاز الإحصاء المركزي سنة 2016، فقد بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 41.7%، فيما يعيش تحت خط الفقر أكثر من 60%، وتبدو المؤشرات الحقيقية أكبر من ذلك بعد أن فقد 150 ألف عامل عملهم، وانضم عشرات آلاف الخريجين لجيش البطالة.
 
المركز الفلسطيني للإعلام” يطرق في عيد العمال بالأول من مايو، جدار الخزان حاملاً بعضاً من قصص معاناتهم وأسبابها، وأبعاد تلك البطالة التي وضعت جيشاً من الحرفيين في خندق الاحتياط لأجل غير مسمى.
 
حرفي قديم
بالنسبة للسيّد سامي شاهين (59 عاما) فإن أسرته المكونة من (7 بنات وولد)  لم ينتظر كثيراً بعد أن فقد عمله في مصنع الرخام لصناعة المطابخ ، فقرر بعد عام (2006) إنشاء مصنع بغزة، لكن مشروعه تكلل بالفشل.
 
يقول شاهين لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “عملت في نفس المصنع 36 عاما، منذ كنت في عمر الثالثة عشر، ووصلت أجرتي 280 شيكلا باليوم، ولما اشتد الإغلاق في 2005 فتحت مصنعا بغزة فاستأجرت 300 متر، واشتريت منشار وطاولة وسيارة وتجهيزات بـ20000 دينار” .

واصل شاهين عمله (7) سنوات، ومع اشتداد الحصار سنة (2013) فشل المشروع، فباع السيارة بخسارة، وتراكمت ديون أجرة الأرض، ونال الصدأ من الآلات والمنشار، واستقر به المقام في بيته.
 
ويتابع: “لدي ابنتان معاقتان بالسمع والنطق ومصروف يومي كبير، فللبيت مصروف دفعني للبحث عن كوبونة المساعدات والشئون الاجتماعية بعد أن كنت بخير” .

أسرة بطالة
وفي وجه المواطن بدر البوبلي (62 عاما) ينسج الفقر شبكة من التجاعيد بعد أن أرهقته الهموم والديون، وعجز عن إعالة (8 أبناء و3 بنات) أكبرهم (33) عاما، وأصغرهم (12) عاما، في أسرة لا يعمل فيها أحد.
 

ينفث بدر دخان سيجارته مضيفاً: “عملت وأنا في عمر 27 عاما في صالات الأفراح بإسرائيل، وانقطعت مطلع انتفاضة الحجارة ثم عدت للعمل في المنطقة الصناعية كعامل في أي شيء بأجرة 200-250 شيكل، واليوم لا أستطيع شراء سيجارة مثل التي في يدي” .
 
في السنوات الأخيرة مع اشتداد الحصار، حاول العمل في أي مهنة، واشتهر في الحي بحفر قواعد الخرسانة في قطاع البناء، لكن إغلاق المعابر أفقده أيضاً مهنته المؤقتة.
 
ويتابع: “كانت حياتي منتظمة وبنيت فوق منزلي طابقين، ولكن الآن لا أعمل وأولادي كلهم شباب لا يعملون، وقد أصيب ابني مرة بالاختناق ونحن نحفر قواعد الخرسانة، والمتزوجون الثلاثة مدينون سجنوا عدة مرات، وباعوا أثاث منازلهم، وأحدهم أصيب العام الماضي برصاص الاحتلال، حتى ابنتي عجزت عن دفع رسوم جامعتها”.

منزل من حجرتين
وبالنسبة لعبد الكريم الغرباوي (55 عاما) فقد فضّل مقابلة مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” في أحد المقاهي “كون منزله لا يتسع لاستقبال الضيوف”.

ويقول: “عملت في مجال البناء كفني طوبار منذ كان عمر ي 14 عاما بأجر 200 شيكل، أسرتي 8 أفراد، وتراكمت علي ديون المحلات والدائنين، فمنعت ابني محمود من استكمال جامعته، وأعجز عن تلبية مصروف محمد في الصف الخامس”.
 
حاول الغرباوي الاندماج في مهنة بسيطة فامتهن بيع المنظفات المنزلية في الأسواق الشعبية، لكنه خسر وأصبح مطارداً للتجار “وقبل أسابيع حاولت التسجيل لابنتي في الجامعة، فكان المبلغ ناقصا دينارا، ورفضت الجامعة فلم تلتحق بالفصل”.

كل ما يحلم به هو حجرة إضافية فوق حجرة الباطون التي أنشأها قبل سنوات ينتقل فيها أبناؤه الكبار بعيداً عن شقيقاتهم، وقد أحزنه كثيراً عجزه قبل أيام عن دفع (3) شيكل ثمناً لكراسة أصغر بناته في الصف الخامس.
 
أبعاد اقتصادية واجتماعية
وتحمل قضية عمال قطاع غزة الذين حرموا من مصدر رزقهم داخل الأراضي المحتلة بعداً اقتصادياً لأن انقطاعهم عن العمل حرم غزة من دخول ملايين الدولارات شهرياً، ما أثر على مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية كافة.
 

 عمر شعبان

ويقول عمر شعبان الخبير الاقتصادي إن عدد عمال (إسرائيل) بلغ في أوجه (120) ألف عامل، كان عهدهم الذهبي منتصف الثمانينات لأن مرحلة السبعينات كانت الدولة في مرحلة بناء ونمو، لكن العمال ما لبثوا أن بدأ يقل وجودهم تدريجياً بعيد الانتفاضة الأولى.

ويضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “هناك 3 أسباب لمشكلة آلاف العمال أن السلطة لم يكن لديها خطة تمنية جاهزة للتعاطي مع دفعة بطالة كبيرة ظهرت مرة واحدة، وأن منعهم جاء فجائياً، وأن معظم العمال لم يكونوا تحت إطار نقابات”.
  
ويتابع: “فقد العمال عملهم، وحاول جزء منهم شق طريقه بغزة، ولكن معظمهم فشل بسبب الانقسام، كما أدى انقطاعهم عن إسرائيل لتضرر مهارات اجتماعية ومهارات تواصل مع العالم، ولم تتطور هذه المهارات للأجيال اللاحقة” .
 
ويؤكد درداح الشاعر أستاذ علم الاجتماع بغزة، أن العمل يفسح للإنسان فرصة إثبات الذات والمساهمة في التمنية الاجتماعية، ويشعر معه الإنسان بحالة عالية من الرضا النفسي، وهي قيم تنعدم إذا فقد عمله.

ويضيف لمراسلنا: “فقدان العمل يؤثر على التوافق مع الأسرة، وربما البطالة تأخذه لفكرة الانتحار، والشعور بالقلق والتأزّم النفسي، وربما ينحدر لأمراض الاكتئاب والإدمان والسرقة”.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات