صوريف.. حضن المقاومة الدافئ منذ 80 عاماً

يأسرك جمال تلالها ورحابة سهولها وعبق ترابها المضمخ بدماء الشهداء، تعدّ بلدة الجهاد والمقاومة، وحاضنة المجموعات العسكرية التي أذاقت الاحتلال كل صنوف العذاب.
فمن ثورة عام 1936م، التي قادها شيخ المقاومة إبراهيم أبو دية، ضد الاحتلال البريطاني، مرورا بكتائب الإخوان المسلمين في العام 1946م، وتتويجا بكتائب القسام وخلية صوريف المشهورة، وليس انتهاء بمواجهة الشهيد محمد الفقيه الأسطورية، ما زالت تفاصيل قصة “بلدة المقاومة” مستمرة لا تنتهي.
تتربع بلدة صوريف شمال غرب مدينة الخليل على عرش المقاومة الفلسطينية، تنبض شوارعها بمعاني العزة والتضحية، فمن ربوع وسهول “وادي الصور” قصة وحكاية، وعلى تلال منطقة “أبو شوك” ذكريات لرجال المقاومة، وعلى مشارف “الدير” و”جبعة” و”صافا”، كان رجال المقاومة يرسمون خريطة جديدة للتحولات، فقيادة الثورة عام 1936م، اتخذت من جبالها وسهولها نقطة انطلاق لمواجهة عصابات الهجانا وشتيرن، فكانت “صوريف” تاج وقار على جبين المقاومة.

null
هي بلدة فلسطينية كنعانية، ضربت بجذورها في أعماق التاريخ، كانت تسمى في العهد الروماني (سريفا)، وهو اسم سرياني، يعني صك الدراهم؛ لأهميتها التجارية والحضارية.
وصوريف عند الرومان تعني، سور الريف، تشكل جبالها المحيطة بالبلدة سورا حاميا ومدافعا عنها، لا بل فاصلا بين المناطق الحضرية في الخليل ومنطقة الريف الغربي، زارها المؤرخ الفلسطيني عارف العارف أوائل القرن التاسع عشر، وذكر في كتابه النفيس “نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود”: “صوريف بلدة عامرة بالحضارة والتراث، وسميت كذلك كونها محضونة بمجموعة من الجبال، وتشكل درعا لمحافظة الخليل من الناحية الغربية، شهدت ربوعها العديد من المعارك، وسجل رجالها صفحات مشرقة في مواجهة المحتل البريطاني والصهيوني”.
ثورة عام 1936م
في بدايات الثورة الكبرى عام 1935، أسس الشيخ إبراهيم أبو دية، المولود في صوريف عام 1911م، نواة للثورة في الجنوب الفلسطيني، بالتنسيق مع الشيخ عز الدين القسام، وعندما بدأت الثورة التحق أبو دية بركبها، وبدأ ينظم اللجان الداعمة لها، وكان على صلة مع القائد عبد الحليم الجيلاني، (قائد منطقة الخليل في ثورة القسام)، وكان أبو دية يغير هو ورفاقه على المستوطنات الصهيونية بين الفينة والأخرى في مناطق “الدوايمة” و”بيت جبريل” و”زكريا”، ويوقع في صفوفهم القتلى والجرحى، واستمر يقاوم مع القسام ورفاقه إلى أن استشهد.
يقول المؤرخ حسن الهدمي، في حديث، لمراسلنا: “كان للإخوان المسلمين مقر في صوريف أسس عام 1946م، وكان يقدم الدعم والمؤونة والمواد الغذائية للمجاهدين، وأحيانا يجمع لهم المال، وقد شارك هؤلاء الشباب بقيادة الشيخ أبو دية في العديد من المعارك ضد القوات البريطانية، ومن أشهرها، معركة صوريف المشهورة، ومعارك باب الواد، واللطرون، وكذلك معركة القسطل الشهيرة، التي استشهد فيها البطل عبد القادر الحسيني، لكن تفاني أبو دية ابن صوريف وتقدمه للصفوف أدى إلى إصابته في عموده الفقري في معركة رامات راحيل بقرب القدس، ولم يتمكن الأطباء من علاجه، فنقلوه إلى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت، حتى فاضت روحه إلى بارئها في السادس من آذار عام 1952م .

null
لم تتوقف جذوة المقاومة في صوريف، واستمر شبابها يقاومون في الخندق الأول، فقبيل الانتفاضة الأولى، تأسست عدة مجموعات عسكرية لمقاومة الاحتلال وملاحقة المستوطنين، من بينها مجموعة أنشأها مصطفى وزياد اغنيمات، (قتلت مستوطنين، واعتقلت الخلية، وحكمت بالسجن لمدة 29 عاما)، كما تأسست مجموعة عسكرية أخرى، تكونت من محمد عدوان، ومحمد اغنيمات، ومحمود النجار، ومحمد الخلايلة (انتهت باستشهاد الأخير).
ومع انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية حماس، وتأسيس كتائبها، شهدت بلدة صوريف تطورا نوعيا في المقاومة ومقارعة المحتل، وتكونت مجموعة عسكرية لكتائب عز الدين القسام، من عبد الرحمن اغنيمات، وجمال الهور، وإبراهيم اغنيمات، ونفذت عدة عمليات في “تل أبيب” منها عملية مطعم “ابرودو” عام 1997م، وقتل الجندي الصهيوني “شارون ادري” في نفس العام، إلا أن جهاز الأمن الوقائي اعتقلهم جميعا، بعد التنسيق الأمني مع جهاز “الشاباك” الصهيوني، وسلم اثنين منهم للصهاينة عبر عملية “خيانة قذرة”، فيما اختطفت قوة صهيونية خاصة إبراهيم اغنيمات.
وفي عام 2016م، اتخذ المجاهد القسامي محمد الفقيه من صوريف موقعا ومكانا آمنا له، حيث كان مطاردا للاحتلال، عقب تنفيذه عدة عمليات، كان آخرها اغتيال حاخام مستوطنة عتنائيل، وبعد معركة حامية الوطيس بينه وبين جيش الاحتلال استمرت ليلة كاملة، استشهد أسطورة صوريف “محمد الفقيه”.
التطور الحضاري
وإلى جانب تاريخها النضالي والجهادي، تشهد صوريف اليوم تطورا نوعيا، وتحتضن في أحيائها الكثير من المساجد والجمعيات الخيرية والمدارس والعيادات والطرق المعبدة، كما يقول عضو المجلس التشريعي حاليا، ورئيس بلديتها الأسبق الدكتور سمير القاضي، لمراسنا.
ويضيف القاضي: “صوريف تحتضن العديد من الكفاءات العلمية، التي ساهمت في تطورها وبنائها، كما تمكنت من اختراق البرلمان الفلسطيني بنائبين، وتعدّ معقلا لأنصار التيار الإسلامي”.

null

null
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

غوتيريش: توسيع إسرائيل هجماتها بغزة سيؤدي لمزيد من الموت والدمار
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن خطة إسرائيل لتوسيع هجماتها على غزة ستؤدي إلى مزيد من الموت...

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...

9 شهداء بغارتين إسرائيليتين في مخيم النصيرات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 9 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير من المواطنين بجروح، الإثنين، جراء غارتين شنتهما مسيّرات إسرائيلية، على منطقة...

صحة غزة: حصيلة حرب الإبادة ترتفع إلى 52,576 شهيدًا
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت زارة الصحة بقطاع غزة، بأن 32 شهيدًا منهم 9 انتشال، و119 إصابة وصلت مستشفيات القطاع خلال الـ24 ساعة الماضية....

مستوطنون يحرقون محاصيل قمح في سهل برقة بنابلس
نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام أحرق مستوطنون متطرفون، مساء اليوم الاثنين، على إحراق أراضٍ زراعية مزروعة بالقمح في سهل برقة شمال غرب مدينة نابلس...

الاحتلال يعتدي على الوقف الإسلامي رباط الكرد بالقدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أزال موظفو بلدية الاحتلال الإسرائيلي بحماية الشرطة، يوم الإثنين، ألواحًا من الحديد وأتربة، وفتحوا مدخل قوس...

الاحتلال يشرع بهدم منازل في مخيم نور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام شرعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، بتنفيذ عمليات هدم في حارة المنشية داخل مخيم نور شمس شرقي مدينة...