الجمعة 02/مايو/2025

الكُسبة أكلة تاريخية يأبى أهل الخليل اندثارها

الكُسبة أكلة تاريخية يأبى أهل الخليل اندثارها

قد يكون الاسم غربيا لمن هم خارج مدينة الخليل، ولكنه يشكل تاريخا وعنوانا لزمن جميل عاشه جيل يأبى نسيانه رغم مرور سنوات تغيرت فيها أساليب الحياة وعاداتها التي عاشها الأجداد والآباء منذ سنوات طويلة، ليحاول بعضهم الحفاظ على استمرارها وعدم السماح لهذه الذكريات بالاندثار، وألا تصبح شيئا من الماضي.

في ذلك الزمن الجميل ومنذ عشرات السنوات اعتاد سكان الخليل على نمط في الحياة يبدأ مع أذان فجر صباح كل يوم، حيث يبدأ الناس يومهم بالصلاة، ومن ثم التوجه نحو (المعصرة) كما يسميها الخليليون وهي مصانع الطحينة والكسبة في المدينة والحصول على وجبتهم المفضلة التي يبدؤون يومهم فيها.


جزء من الحياة اليومية  
الحاج عبد المعطي الطباخي، والذي يبلغ من العمر 85 عاما، عبر في حديث خاص لمراسلنا عن تلك الأيام الجميلة التي يأبى نسيانها قائلا: “كانت أيامًا جميلة ورائعة بكل تفاصيلها بأناسها وأكلها وأفراحها وجميع ما فيها، كان للطعام فيها طعم مختلف عن اليوم، وكانت البيوت تمتلئ بالمنتجات البلدية؛ الزبدة والسمن والجبنة والبيض البلدي، وكذلك منتجات السمسم من طحينية وسيرج وحلاوة، أما الكسبة فلها حكاية مختلفة كونها من المنتجات اليومية والتي لا يمكن أن تخزن في المنازل”.

ويكمل الحاج الطباخي: “مع صباح كل يوم وبعد الانتهاء من صلاة الفجر نتوجه إلى معصرة شاور بالقرب من الحرم الإبراهيمي في المدينة للحصول على الكسبة التي تُعدّ صباح كل يوم، والتوجه بها إلى المنزل لتناول وجبه الإفطار منها قبل الذهاب إلى العمل، فكانت بالنسبة لنا وجبة أساسية نبدأ بها يومنا”.

وأوضح الحاج لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” أن تناولها يساعد على تحمل المشقة والتعب طوال النهار؛ وذلك لما تحتويه من فائدة وعناصر طبيعية، “ولا زلنا حتى اليوم نحافظ على أكل هذا النوع من الطعام رغم اعتباره من البعض شيئا من الماضي”.
 


مصنع تاريخي
في حي قرن الثور بالمدينة تقع معصرة ومصنع السيرج والطحينية والكسبة بعد توسعها وانتقالها من البلدة القديمة، حيث توارث الأبناء صناعة منتجات السمسم عن آبائهم وأجدادهم منذ عشرات السنوات، ليواكبوا خلالها التطورات والحداثة ولتنتقل هذه المهنة من الطرق التقليدية إلى استخدام الآلات الحديثة بطرق جديدة.

الحاج زكريا شاور، صاحب مصنع شاور للطحينة، تجاوز عمره العقد السادس وهو يعمل منذ صغره في مجال تصنيع منتجات السمسم وارثا هذه المهنة عن والده الذي ابتدأها في العام 1936 بطرق تقليدية قديمة، حيث أكد شاور في حديث خاص لمراسلنا أن هذه المهنة من المهن المتوارثة في مدينة الخليل، والتي ارتبطت باسم عائلتهم عبر سنوات طويلة.

ويشير الحاج شاور أن رحلتهم في صناعة منتجات السمسم انطلقت من حارات وأزقة البلدة القديمة حيث توجد المعصرة القديمة التي أنشئت في العام 1936، والتي لا تزال موجودة حتى الوقت الحاضر وكانت تستخدم الطرق التقليدية في الصناعة، مشيراً إلى تطورها في الوقت الحاضر في الصناعة لتستخدم الآلات الحديثة في عملية العصر والتحميص والخطوات المتعلقة بإنتاج منتجات السمسم كافة.

ولم تكن تسمية هذا النوع من الطعام بشكل عفوي أو عن طريق الصدفة، وإنما يعود هذا الاسم إلى معجم اللغة العربية، حيث تشير المعاجم العربية إلى أن معنى الكسبة يرجع إلى الكُسب، وهو ما تبقى من بذور القطن والكتان والسمسم وغيرها بعد عصرها.


صناعة الطحينية
وحول صناعة الكسبة، يوضح أبو سامر شاور: “كنا ولا زلنا نعمل على صناعة العديد من منتجات السمسم، الطحينية والسيرج والكسبة والحلاوة، ولكن الكسبة كان لها شيء مختلف؛ حيث إن هذا النوع من المنتجات لا يمكن الاحتفاظ به لمدة طويلة داخل المنازل، وذلك لوجود الماء فيه”.

وأشار إلى أن الناس كانوا يحضرون بشكل يومي من أجل الحصول عليها، وتناولها يومياً، أما اليوم فأصبحت جزءا من الماضي، ولا يأتي لطلبها إلا من ينتمون إلى الجيل القديم.
 


null

صناعة الكسبة
ويشرح شاور عملية صناعة الكسبة قائلا: “تبدأ عملية صناعة الكسبة بعد صناعة الطحينية التي تتم من خلال إحضار السمسم ونقعه في أحواض من الماء، ومن ثم نقله إلى أحواض أخرى فيها ماء وملح بهدف ترسيب قشور السمسم إلى أسفل الأحواض والحصول على السمسم دون القشور”.

ويوضح الحاج أن السمسم ينقل بعد ذلك إلى أحواض ماء صافية لغسله من بقايا الأملاح والشوائب، لينتقل بعد ذلك إلى آلة للتنشيف، ومن ثم إلى التحميص ليصبح جاهزا للطحن، حيث يوضع في خلاط كبير على مرحلتين يتم في الأولى طحنه بدرجة خشنة، ومن ثم يطحن بدرجة أكثر نعومة، لتخرج في نهاية المطاف طحينة جاهزة للاستخدام.

ويضيف “بعد الحصول على الطحينة تبدأ عملية صناعة الكسبة، حيث توضع كمية من الطحينة داخل العجانة، ويضاف إليها كمية من الماء ضمن نسب معينة، لتبدأ بعدها عملية خلط الماء بالطحينة، لتشرب الطحينة بالماء وتطرد الزيت الذي تحتويه والذي يطلق عليه السيرج، لينتج من هذه العملية زيت السيرج الذي يعبَّأ بزجاجات بلاستيكية، والكسبة التي تباع يوميا”.

تلكم هي الكُسبة التي كانت حلوى الماضي للفقراء والبسطاء؛ حيث يخلطونها بالسكر أو الحلاوة ويتناولونها كل صباح، ولا يزال البعض يبحث عنها في الوقت الذي يرفضها الجيل المعاصر، لكنها ستبقى جزءا من تراث شعبنا الفلسطيني.
   

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات