الأحد 23/يونيو/2024

الإضرابات المفتوحة عن الطعام

الإضرابات المفتوحة عن الطعام

 مقدمــــة :
في ظل خوض إضراب الكرامة نيسان 2017 ، وجدت من الأهمية بمكان للصحفيين والمتضامنين والمتابعين للإضراب وضعهم بالتصور النظري الكامل والشامل لما يحدث في السجون ، لنقل المعلومة برؤية جلية دون تساؤل عن محطات النضال خلاله ، وممارسات الاحتلال مع الأسرى ، ومراحل الإضراب منذ البدايات حتى الانتصار بإذن الله ، فمن مظاهر إبداع الأسرى في السجون ” القدرة على قراءة الواقع ” من حيث حاجة الأسرى للمطالب والحقوق، ودراسة أوضاعهم من حيث القوة والضعف، والتعمق في النظر للواقع الإسرائيلي من حيث شكل الحكومة وائتلافها وشخصية وزير الأمن الداخلي المسؤول عن إدارة مصلحة السجون والمسؤول عنها، والأوضاع الفلسطينية ومكانة الأسرى ضمن أولوياتها في ظل زحمة الأحداث والهموم، ومراقبة الأوضاع العربية والعالمية، والحكمة في اختيار الظرف والتوقيت المناسبين، ودراسة جميع البدائل وفق الإمكانيات المتاحة، والأهم اختيار وسيلة النضال الأكثر تأثير وأقل تكلفة وأكثر ملائمة في مواجهة السجان.
 
ولقد استخدم الأسرى الكثير من الوسائل النضالية ” العنيفة والسلمية، التكتيكية والاستراتيجية ” لتحقيق حقوقهم الأساسية والإنسانية، واعتمدوا طريقة النضال السلمي كأحد وسائل النضال المؤثر من خلال الإضرابات المفتوحة عن الطعام، تلك الوسيلة التي تعد امتداداً لأحد أشكال النضال العالمي في وجه الطغاة، فالنضال السلمي يعود امتداده إلى قرون طويلة ما قبل الميلاد، وقد تكون أوّل حركة احتجاجيّة سلميّة مؤرّخة تعود إلى عام 494 قبل الميلاد، حين حجب العامة التعاون عن أسيادهم النبلاء الرومان، تلك الحركة التي افتتحت عصراً جديداً من المواجهة السلميّة مع السلطات، وحديثاً فالتاريخ حافل بالثورات والحركات الاحتجاجيّة السلميّة التي راكمت تجربة إنسانيّة هائلة لمقاومة القهر، والظلم والاحتلال.
 
فالنضال السلمي من خلال العديد من الوسائل وعلى رأسها ” الإضرابات المفتوحة عن الطعام ” أثبتت نجاعتها وقدرتها على التأثير وتحصيل الحقوق، وفي إبراز قضية الأسرى إعلامياً على المستوى العربي والدولي، وإدانة سلطة الاحتلال قانونياً، كونها تتجاوز الاتفاقيات والمواثيق الدولية، والقانون الدولي الإنساني بمعاملتها السيئة مع المعتقلين، وعملت على الالتفاف حول قضيتهم فلسطينياً وعربياً ودولياً.
 
أولاً- الإضراب المفتوح عن الطعام (التعريف، والجذور، والأنواع):
 
تعريف الإضراب المفتوح عن الطعام:
 
الإضراب المفتوح عن الطعام أو ما يعرف بـ “معركة الأمعاء الخاوية أو المعركة الاستراتيجية في السجون ” هو امتناع المعتقل عن تناول كافة أصناف وأشكال المواد الغذائية الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح ، ويعد الإضراب المفتوح عن الطعام من الوسائل السلمية الاحتجاجية منذ قديم الزمان، فلقد اُستخدم في إيرلندا ما قبل المسيحية، حيث كانت تعرف باسم “troscadh” أو “Cealachan” وكانت توجد قواعد محددة للإضراب عن الطعام في ذاك الوقت، وفي كثير من الأحيان يكون الإضراب عن الطعام أمام منزل الجاني، ويعتقد العلماء أن الإضراب أمام منزل الجاني يرجع إلى الأهمية العالية في حسن الضيافة آنذاك، حيث يعتبر السماح للشخص المضرب عن الطعام بالموت أمام المنزل عار كبير لصاحب هذا المنزل، ويقول آخرون أن هذا الإضراب يكون فقط لليلة واحدة، حيث لا يوجد أي دليل في أيرلندا يدل على موت المضربين عن الطعام، وكان الهدف الأول للإضراب عن الطعام في ذاك الوقت استرداد الديون أو الحصول على العدالة، وتوجد أساطير لـ سانت باتريك قديس أيرلندا تقول بأنه استخدم الإضراب عن الطعام.

أما في الهند، فقد ألغت الحكومة الهندية عام 1861 ممارسة الإضراب عن الطعام من أجل الحصول على العدالة أمام باب الطرف المخالف (عادة المدين)، وهذا يدل على انتشار هذه الممارسة قبل ذلك التاريخ أو على الأقل الوعي العام بها، وهذه الممارسة الهندية قديمة وتعود إلى نحو 400 إلى 750 قبل الميلاد.
 
 وأكثر من اشتهر بالمقاومة السلمية “المهاتما غاندي” الذي سجن مرات لدى الحكومة البريطانية وبسبب مكانته العالمية فقد كرهت الحكومة البريطانية أن يموت وهو في عهدتها، وذلك خوفاً من تأثر سمعتها بهذا الحدث، وشارك “غاندي” في العديد من أحداث الإضراب عن الطعام وذلك احتجاجاً على الحكم البريطاني في الهند وتبعه الكثير من المناضلين الهنود في استخدام هذه الوسيلة النضالية، وخاضت المُطالِبات بحق اقتراع المرأة في مطلع القرن العشرين إضراباً عن الطعام في السجون البريطانية، وكانت “ماريون دونلوب” أول من بدأت الإضراب عن الطعام في العام 1909، وقد توفيت كل من “ماري كلارك” و”جين هيوارت” و”كاثرين فراي” وغيرهن نتيجة لما تعرضن له من إطعام قسري بالقوة، وقد استخدمت المُطالبات الأمريكيّات بحق الاقتراع للمرأة أيضاً بهذه الطريقة من الاحتجاج السياسي أسوة بنظيراتهن البريطانيات.

وقد تجذرت ثقافة الإضراب المفتوح عن الطعام بعمق في المجتمع الأيرلندي والفلسطيني، فقد استخدم الجمهوريون الأيرلنديون هذه الطريقة منذ العام 1917 وأيضاً خلال الحرب الإنجليزية-الأيرلندية في العقد الثاني من القرن الماضي، وأول إضراب عن الطعام قام به الجمهوريون قابله البريطانيون بالإطعام القسري، والذي تصاعد في العام 1917 ووصل ذروته باستشهاد “توماس آش” في سجن “مونتجوي”، وبعد نهاية الحرب الأهلية الأيرلندية في أكتوبر من العام 1923 دخل ما يقرب من 8000 سجين من الجيش الجمهوري الأيرلندي في إضراب عن الطعام احتجاجاً على استمرار دولة أيرلندا الحرة في اعتقالهم، وقد لجأ الجيش الجمهوري الأيرلندي المؤقت لهذه الطريقة مجدداً في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وفى العام 1981م توفي عدد منهم في تلك الإضرابات كان أشهرهم ” بوبى ساندز ” الذي توفى نتيجة الإضرابات في 5 مايو/ أيار 1981م.
 
واستخدم أيضاً تلك الوسيلة السلمية ” الكوبيون ” ففي إبريل من العام 1972 قام المنشق السياسي والشاعر المسجون ” بيدرو لويس بوايتيل ” بإعلان إضرابه عن الطعام، حيث عاش ما يقارب 53 يوماً على السوائل فقط، مما أدى إلى وفاته في 25 مايو/ أيار 1972، واشتهرت العديد من الحركات الثورية التي ناضلت ضد الاستعمار وسلطات الاحتلال باستخدام هذه الوسيلة النضالية كجنوب أفريقيا، ومثل الإضراب المفتوح عن الطعام أكثر صور الاحتجاج الفلسطيني في السجون الإسرائيلية، وكانت أوائل التجارب الفلسطينية للإضرابات المفتوحة عن الطعام في سجن نابلس في تشرين الثاني / نوفمبر 1968 لثلاثة أيام، وفى سجن عسقلان، والرملة، ومعتقل بيت ليد ” وكفاريونا في الثامن عشر من فبراير/ شباط 1969م واستمر لتسعة أيام “، واتسمت جميعها بالعفوية، ولقد دفع الشعب الفلسطيني العديد من الشهداء خلال هذه المسيرة كان أولهم الشهيد عبد القادر أبو الفحم فى11 يوليو / تموز1970م في أعقاب أول إضراب جماعي ومنظم من حيث الإعداد وعدد المشاركين في الإضراب الذي بدأ في 5 يوليو / تموز 1970 بسجن عسقلان، واستشهاد آخرين أثناء إضراباتهم الجماعية والفردية، والتي وصلت إلى ما يقارب من 260 يوماً متتالية في إضرابات فردية، في أعقاب شرارة إضرابات فجرها الشيخ المجاهد خضر عدنان في ديسمبر/ كانون الأوّل 2011، والتي كانت الأطول والأقسى في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة رفضاً لسياسة الاعتقال الإداري.
 
 وتعتبر هذه الخطوة الأخطر والأقسى التي يلجأ إليها المعتقلون لما يترتب عليها من مخاطر جسيمة – جسدية ونفسية- وصلت في بعض الأحيان إلى استشهاد عدد منهم، ويلجأ الأسرى إلى مثل هذه الخطوة بعد نفاذ كافة الخطوات النضالية التكتيكية الأخرى، وعدم الاستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح بين السلطات الاحتلالية، واللجنة النضالية التي تمثل المعتقلين، حيث أن الأسرى يعتبرون الإضراب المفتوح عن الطعام، وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية بحد ذاتها، كما تعتبر أكثر الأساليب النضالية السلمية وأهمها، من حيث الفعالية والتأثير على إدارة المعتقلات والسلطات والرأي العام لتحقيق مطالبهم، كما أنها تبقى أولاً وأخيراً معركة إرادة وعزيمة وتصميم، وهنالك أنواع من الإضرابات وفق الأهداف، كالإضرابات الاحتجاجية، والتضامنية، والمطلبية، والسياسية ، أما عن تصنيف الإضرابات من حيث المدة فهنالك:

الإضراب المحدود: وهو الامتناع عن تناول الطعام لفترة تقل عن ثلاثة أيّام بُغية استنكار موقف ما يخص قضية معينة، أو حالة تضامن مع شخص معزول أو مريض أو كحالة احتجاجية مؤقتة.

الإضراب غير المحدود عن الطعام: وهو الامتناع عن تناول الطعام لفترة زمنية غير محدودة، وتقترن فترة انقضائها بتحقيق المطالب التي نفذّ من أجلها الإضراب وتبقى مفتوحة وقد تقترن بسقوط شهداء، حيث يتم الإعلان بين المضربين عن الطعام أن الإضراب سيبقى مفتوحاً إلى أجل غير مُسمّى.
 
تصنيف الإضرابات المفتوحة عن الطعام:
أ – تصنيف من حيث المشاركة:
 إضرابات جماعية: دخول جماعي للأسرى باستثناء الحالات المرضية المزمنة، وقد يمتد لكل السجون أو غالبيتها كإضراب (1970و1992م)، أو للمعظم كما الإضرابات السياسية وإضراب 20122، وغالباً ما يحمل قضايا مطلبية تتمثل بتحسين الظروف المعيشية.

إضرابات فردية: دخول فردي تطوعي في إضراب مفتوح عن الطعام، كشكل نضالي فرضته أسباب ذاتية وموضوعية( )، استدعته الظروف في ظل عدم الإجماع أو تحقيق الأغلبية المطلوبة للدخول في خطوات  استراتيجية تحمل أهداف سامية ووطنية كرفض الاعتقال الإداري، أو التمديدات تحت مسمى مقاتل غير شرعي، أو المطالبة بتطبيق قانون أسرى الحرب على الأسرى الفلسطينيين، وقضايا أخرى، وبرزت بشكل كبير في الأعوام ما بين (2011 – 2015م).
 
ب- تصنيف من حيث الأهداف:
الإضرابات الاحتجاجية: مثلت تلك الإضرابات وسيلة احتجاج على قضايا مطلبية كالتفتيشات ومنع الزيارات، وسوء الطعام كماً ونوعاً، أو الاستهتار بحياة أسير معرضة حياته للخطر والمطالبة بنقله للمستشفى، أو بسبب منع إدخال احتياجات الأسرى من ملابس وأغطية وأحذية عبر الزيارات وقضايا أخرى.
 
الإضرابات التضامنية: مثل الإضراب عن الطعام لوجبات أو أيام مع الأسرى المضربين عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم الإداري التعسفي بلا لوائح اتهام، أو التضامن مع الأسرى المعزولين لفترة طويلة بشروط غير محتملة وغير إنسانية مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية.

الإضرابات المطلبية: وهي أكثر الإضرابات تكراراً منذ بدء الحركة الأسيرة، وتصل لفترات طويلة حتى تلبية إدارة السجون لمطالبهم، وتهدف تلك الإضرابات إلى تحسين شروط حياة الأسرى المعيشية، والرعاية الطبية، وشروط زيارة الأهل، وتطبيق الاتفاقيات الدولية على الأسرى في التعليم وشروط الاعتقال، والتهوية، والحقوق الأساسية، وقضايا مطلبية تقتضيها الحاجة من فترة إلى أخرى.
 
الإضرابات السياسية: لم تمر الاتفاقيات السياسية التي وقعت بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بشأن الأسرى مروراً عابراً، بل واجهت غضباً شديداً وانتقاداً لاذعاً من قبل الأسرى، وقاموا بثلاثة إضرابات سياسية مفتوحة عن الطعام للمطالبة بحريتهم، كان أولها في21 يونيو/ حزيران 1994م، والثاني في 18 يونيو/ حزيران 1995م، والثالث في 5 كانون أول / ديسمبر19988م، وكان لهذه الإضرابات التأثير الكبير بالضغط على طواقم المفاوضات والرعاة الدوليين للعملية السياسية للضغط من أجل الإفراج عنهم، وتم الإفراج عن الآلاف بموجب المفاوضات السياسية ونضالات الحركة الأسيرة في السجون بإبراز قضيتهم، باستثناء من قام بعمليات مقاومة نوعية تسببت بجرح أو قتل مستوطنين رفضت دولة الاحتلال الإفراج عنهم، وبقي عدد منهم في السجون بعد أكثر من 20 عام على اتفاقية أوسلو.
 
الإضرابات المفتوحة عن الطعام في القانون الدولي:
أكدت الاتفاقيات الدولية على ضرورة احترام خيارات المحتجزين والحفاظ على كرامتهم الإنسانية، ويتفق موقف اللجنة الدولية للصل

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات