عاجل

الثلاثاء 15/أكتوبر/2024

زيت الاستصباح

د.ديمة طارق طهبوب

ليس دعاية لاسم زيت قلي يساهم بمواصفاته في تحسين الصحة وتخفيف الكوليسترول، ولا هو زيت تجميلي لإضفاء الألق على الوجه والبشرة والشعر! وإن كان كفيلا بتحقيق كل ذلك: صحة معنوية ومادية، ظاهرة وباطنة، كيف لا وهي مضمّنة في حديث المصطفى لزوجته ميمونة التي كانت من التوق بمكان ومن انفتاح البصيرة بمكان لتجعل نذرها، نذر النصر، عند فتح مكة أن تصلي في الأقصى إدراكا لتلك العلاقة التوأمية بين المسجدين والقبلتين واستجلابا لكل الفضائل والحسنات والبركات الموجودة في المكان، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنذرها قائلة “يا رسول إني جعلت على نفسي إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس”، فقال لها رسول الله: “لا تستطيعين، يحول بينك و بينه الروم، فابعثي بزيت يستصبح لك فيه، فكانت تبعث كل سنة، وأوصت بذلك بعد وفاتها”.

وفي الحديث آفاق عديدة ودروس عظيمة، وهي أن زوجة المصطفى وهي امرأة كان يشغلها أمر بيت المقدس بالرغم أن مكة ما زالت أسيرة عند الكفار، ولكنها جعلت مع هذه القبلة والأشواق إليها أولوية أخرى تفكر فيها ملازمة مع تفكيرها في إقامة الإسلام في مكة، وهي القدس ودرته المسجد الأقصى، وفي ذلك درس لمن بعدها أن الهم بقضية من قضايا المسلمين في وطن ما مهما كان جليلا لا يجب أن يحيد بأنظار المسلمين وقلوبهم عن القدس والأقصى، وأن كل أرض نكون عليها يجب أن تكون مددا وعونا وجسرا وطريقا إلى الأقصى، لذا كان حلمها ووجهتها بمجرد فتح مكة إلى القدس، وقد فهم عمر بن الخطاب درسا مثل هذا، فخرج من أرض الحرمين إلى بيت المقدس ودخل الأقصى، وسجد هاتفا لبيك في توطيد للآصرة بين مكة والقدس ووصلٍ للإيمان والعقيدة والشعائر بينهما.

ثم إن علاقتها بالأقصى لم تكن مجرد وعد على التراخي؛ فقد قالت “جعلت على نفسي” بل هو كالنذر، وهو من أعلى درجات الالتزام واجب الوفاء والتحقيق.

ثم هناك الدرس واللطيفة النبوية “يستصبح لك فيه”، وكأن صباحها لا يطلع إلا اذا أُسرج الأقصى وأنار، ثم إن الصبح عائد لها والنور سيغمرها ويحل عليها، وليس فقط على المسجد، وهذه تجليات البركة الإلهية تصل إلى الشخص، ولا تقتصر على المكان؛ فمن طلبها وجدها، ومن سعى إليها بلغته، ولو كان بينهم مسافات طويلة، فالزيت المبعوث إلى الأقصى سيضيء صباح ميمونة في المدينة، فالله واضع البركة في الأقصى هو سبحانه نور السماوات والأرض يسبغه أينما شاء وكيفما شاء لا يحده زمان ولا مكان ومن أوصل نور صباح الأقصى إلى ميمونة في المدينة يوصله لكل ميمونة من بعدها في كل بقاع الأرض.

لم تصل ميمونة بجسدها برغم نذرها؛ فقد حال الروم بينها وبين الأقصى، ولكنها وصلت بروحها وأشواقها ودعمها وأثرها من بعدها، فكيف تصل ميمونات اليوم ومن بعدها وقد حال الصهاينة بينهن وبين وجهتهن؟
أرادت أن تصله بعد الفتح لتصلي فيه لا لتزوره وترى جماله فالمحرر الفاتح غير الزائر السائح!  

والدرس الأخير لهذه الأم العظيمة صاحبة النذر العظيم؛ هو أن المشاريع العظيمة لا يحدها عمر طويل أو قصير، فمن كرم الله على عباده أنه أعطاهم استمرارية وآثارا تبقى من بعدهم في كل عمل صالح، وهذا ما أيقنته أمنا الميمونة فأوصت أن يصل الزيت من بعدها إلى محطته المعهودة، لم ترد أن ينفك وثاقها بالأقصى برحيلها عن الدنيا، فلعلها وقد أرادت زيت الاستصباح في دنياها حرصت عليه أكثر لينير قبرها في تلك المحطة من آخرتها.

عظيمة هي المرأة صاحبة المشروع، وعظيم هو ذلك الرجل الذي يساندها ويفتح لها آفاقا لتحقيق طموحاتها كما فعل المصطفى مع ميمونته، وميمونة وميمون من يقوم بالأمانة من بعدهما فيحرص على شراء زيت يستصبح له فيه في الدنيا والآخرة.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

حرب لبنان .. الاحتلال يشن 200 غارة في 24 ساعة

حرب لبنان .. الاحتلال يشن 200 غارة في 24 ساعة

بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي التصعيد في حربها الدموية على لبنان لليوم الـ 23 تواليا، وسط استمرار القصف واستهداف...