السبت 03/مايو/2025

باسل الأعرج والعدوان على الثقافة والعقل

محمد عايش

اغتيال المثقف والمدون والمفكر باسل الأعرج يعيد إلى الأذهان قائمة الاغتيالات الإسرائيلية الطويلة، التي استهدفت العقل الفلسطيني بكل ما فيه من وعي وتراث وفن وفكر وفلسفة وقدرة على الإبداع، وهو ما يعيد التأكيد بأن لدى “إسرائيل” سياسة اغتيالات مدروسة بعناية فائقة تستهدف الوعي الفلسطيني.

باسل الأعرج كان مدوناً فلسطينياً وكاتباً وناشطاً سلمياً على الإنترنت، وكان يحاول المساهمة في إمداد الجيل الجديد من الفلسطينيين بالوعي والثقافة والمعرفة، في الوقت الذي تحاول فيه “إسرائيل”، على امتداد سنوات الصراع، أن تطمس الهوية الفلسطينية وتصنع شخصية جديدة لإنسان فلسطيني منزوع الدسم، أي أن الأعرج خاض معركة ثقافية وحضارية مع الاحتلال انتهت باستشهاده.

اغتيال الأعرج يمثل حلقة في مسلسل بدأ قبل عقود باغتيال الروائي والمبدع الفلسطيني غسان كنفاني، وبعده اغتيال رسام الكاريكاتير المحفور في ذاكرة الأمة ناجي العلي، ومؤخراً اعتقلت القوات الاسرائيلية الكاتبة والأديبة خالدة غوشة، بسبب رواية لها تتناول فيها أنشطة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وكيفية عملها في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك عمليات تجنيد العملاء.. وبين هذا وذاك ظلت “إسرائيل” تمارس عدواناً مفتوحاً على الصحافيين والكتاب والمراسلين ومندوبي وسائل الإعلام في محاولة لاستهداف الكلمة والصورة والرسمة والإبداع.

لم يعد لدى أي دارس للقضية الفلسطينية أي شك في أن “إسرائيل” تخشى الكلمة والقصيدة والرسم والمقال والتدوينة، وأن استهداف العقل والإبداع هو أحد أشكال العدوان الاسرائيلي اليومي الذي يستهدف الفلسطينيين، فضلاً عن أن هذا النوع من الاستهداف هو الأكثر خطورة، ما دام ممنهجاً وما دام يسعى لتغيير معالم الشخصية الفلسطينية.

اغتيال الأعرج يشكل بكل تأكيد تعرية جديدة لسياسة “إسرائيل” التي تستهدف الإنسان الفلسطيني بكل تفاصيله، لكنه أيضاً يسلط الضوء من جديد على «التنسيق الأمني» بين السلطة والاحتلال، وجدوى هذا التنسيق وما إذا كان تنسيقاً بالفعل، حيث تقوم فكرة التنسيق بالضرورة على أن طرفي المعادلة يستفيدان من التعاون، والسؤال المطروح: ماذا تستفيد السلطة من هذا التنسيق؟ وهل تتلقى تحذيرات إسرائيلية من عدوان المستوطنين على مناطق الضفة مثلاً؟ الاحتلال الإسرائيلي بدأ ملاحقة الأعرج في اليوم التالي لإطلاق سراحه من سجون السلطة الفلسطينية، وهو ما يفتح الباب أمام سؤال مهم، عما إذا كان للتنسيق الأمني والاتصالات اليومية بين السلطة والاحتلال دور في الملاحقة التي انتهت باستشهاد الشاب المثقف؟ كما أن السؤال الثاني الذي يتبع، يتعلق بقدرة السلطة على حماية شعبنا في الأراضي الفلسطينية من عدوان الاحتلال، إذ ما دام الرجل معتقلاً لدى السلطة، وما دام ثمة تنسيق أمني بين الطرفين، فلماذا يقوم الاحتلال باقتحام الأراضي الفلسطينية (مناطق أ بموجب اتفاق أوسلو) ليعتقل شاباً مطلوباً ويقوم بقتله؟!

الأسئلة المتعلقة بالسلطة تعيدنا إلى ضرورة التذكير بأنها ـ أي السلطة الفلسطينية- ليست سوى مشروع انتقالي مرحلي، وهذا المشروع يستمر ما دام مفيداً للفلسطينيين ولمشروعهم الوطني، وعندما يتحول هذا المشروع المؤقت إلى عبء على الفلسطينيين، أو فخ إسرائيلي، فهذا يعني أن علينا عدم التردد في المطالبة بحل السلطة وإلقاء الكرة في وجه الاحتلال ليتحمل مسؤولياته أمام العالم وأمام الإنسانية. فضلاً عن أن «التنسيق الأمني» بين السلطة و”إسرائيل” يجب وجوباً أن لا يحول السلطة أو أي من مؤسساتها وأجهزتها إلى شرطي لخدمة الاحتلال.

خلاصة القول، إن “إسرائيل” تستهدف الوعي والعقل والإبداع في فلسطين، وعلى السلطة أن تحمي شعبنا وتدعم صموده ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، أما «التنسيق الأمني» فيجب أن لا يجعل من السلطة حارساً للاحتلال أو شرطياً لخدمته، وإلا فلا حاجة لنا بالسلطة ولا ضرورة لقيامها، فقبلها كان الشعب الفلسطيني موجوداً على هذه الأرض، وبعدها سيظل موجوداً إلى الأبد.

القدس العربي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح

مقتل جنديين وإصابة 4 آخرين بكمين في رفح

رفح - المركز الفلسطيني للإعلام قتل جنديان صهيونيان وأصيب 4 آخرون - اليوم السبت- بكمين في رفح جنوب قطاع غزة. وأفاد موقع حدشوت لفني كولام، بمقتل...