ارتفاع أسعار الدجاج بالضفة.. حكايات خفية لاتفاق رأس المال مع السلطة

تعالت الاحتجاجات والانتقادات للارتفاع الكبير في أسعار الدجاج اللاحم مؤخرا، والتي وصلت مستويات قياسية وكسرت حاجز العشرين شيقلا للكيلوغرام في بعض المناطق، حتى وصل البعض للمطالبة بمقاطعة لحوم الدجاج.

ووسط سجال عن الأسباب، يغيب عن النقاش الدائر الأسباب الفعلية التي تقف خلف الارتفاعات الحادة، وكذلك الانخفاضات التي تحدث لأسعاره دون غيره من اللحوم.

ويتساءل أحد مربي الدواجن الصغار ماجد داود،  لماذا سعر لحوم الحبش ثابت، وسعر اللحوم الحمراء ثابت، بينما الدجاج دون غيره كل يوم بسعر؟.

وأضاف لـ”مراسلنا”: “مشكلة أسعار الدجاج بالارتفاع أو الانخفاض تثير مشكلة ضرورة تنظيم هذا القطاع الهام لأن حجم الخسائر فيه أعلى بكثير من حجم المرابح”.

ابحثوا عن المصدر
ويشير خبراء ومطلعون على آليات العمل الزراعي في فلسطين لمراسلنا، إلى ما يقولون أنه أصل الحكاية، والذي يعود لعام 1999 حين حدث اتفاق بين رأس المال والحكومة، ذهب ضحيته المواطن، حيث أصدر وزير الزراعة حينها حكمت زيد قرارا بالاتفاق مع شركة “باديكو” بمنع استيراد الصوص اللاحم من “إسرائيل”.

وأضافوا: “القرار في ظاهره وطني، ولكن في باطنه الاحتكار، ففي الوقت الذي منع فيه بشدة دخول الصوص من أراضي 48 للضفة؛ كانت المركبات غير القانونية والمخدرات وكل الممنوعات والسلع تدخل وتخرج للضفة دون رقيب أو حسيب”.

وأشاروا إلى أن وزير الزراعة آنذاك عين العشرات من المهندسين الزراعيين، ومنحوا صفة “الضابطة”، بمعنى أن لهم الحق في تفتيش أي مركبة أو منشأة بهدف منع دخول الصوص الصغير من أراضي 48 وهو ما تم بالفعل.

ولفتوا إلى أن شركة “باديكو” وبعد ذلك القرار، أصبحت تتنفذ وتتغلغل حتى سيطرت وتحكمت بمفاصل تربية الدجاج اللاحم بدءًا بمفاقص الدجاج وانتهاء بالعلف.

احتكار وليس حماية
ويؤكد المتابعون والعارفون بتفاصيل هذا الملف لمراسلنا، أن القرار في ظاهره هو حماية وتشجيع المنتج الوطني من المفاقص الفلسطينية التي تنتج الصوص الصغير “عمر يوم واحد” والذي يستخدم في تربية الدجاج اللاحم، ولكن القرار كان تعزيزا للاحتكار وهيمنة بعض رؤوس الأموال على هذا السوق في الضفة دون غيرهم.

واسترسلوا في شرح ذلك قائلين: “كان يفترض بهذا القرار أن يسهم في تشجيع إنشاء مفاقص فلسطينية بعدد كبير، ولكن ما جرى هو أن أي صاحب رأس مال يحاول أن يأخذ ترخيص لافتتاح فقاسة فإن إجراءات تعجيزية وبيروقراطية مقيتة بانتظاره، وهو ما يخدم كبار رؤوس الأموال المسيطرين على هذا القطاع”.

ونوهوا إلى أنه ونتيجة لحالة الاحتكار التي تولدت نتيجة تلك القرارات، ارتفع سعر صوص عمر يوم من شيقل قبل قرار منع الاستيراد من الداخل، إلى خمسة شواقل اليوم دون مبرر، ومربو الدواجن لا بديل لهم، ومكرهون على سعر المصدر أيا كان، وبالطبع هذا سعر غير منطقي وغير معقول على الإطلاق.

“رأس مال يهودي”!
وروى العارفون بخفايا هذا الملف وبالأسماء لمراسلنا إلى أن بعض مفاقص الصوص الصغير في الضفة -ونؤكد ليس الكل- ظاهرها فلسطيني، ولكن يملكها أو يشارك فيها رأسمال يهودي من الباطن وفي الخفاء، ويديرها علنا وظاهريا رؤوس أموال فلسطينيين، ويتلقون تسهيلات كاملة مقابل ذلك دون غيرهم.

وأضافوا أن أصحاب تلك المفاقص متنفذون، ولا أحد يحاسبهم، في الوقت الذي يلاحق فيه صغار التجار إن أدخلوا بضائع بشكل غير قانوني من هنا أو هناك.

وفي الوقت الذي تتجه فيه الاتهامات لمربي الدجاج اللاحم من أصحاب المزارع الصغيرة منها والكبيرة، فإن المصادر تشير  لمراسلنا إلى أن هؤلاء هم ضحية كما المواطن، فليسوا من يتحكمون بتفاصيل اللعبة، فهم يتلقون الصوص الصغير بالسعر المتحكم به.

كما أن دائرة التحكم تطال كل دائرة الإنتاج من الأدوية البيطرية والأعلاف وغيرها، ما يتطلب حسب مطالب المزارعين بتوازن في اتخاذ القرارات التي تضبط سعر الدجاج.

وينظر المزارع محمد أبو علي في حديثه لمراسلنا بسخرية إلى قرارات تحديد سعر الدجاج للمستهلك، عادًّا ذلك نوعا من العبث، ولا علاقة له بأصل المشكلة.

ويضيف: “نريد رقابة على أسعار الصوص والعلف والأدوية وكسر الاحتكار، وتوازنا بالقرارات، ثم نذهب بعد ذلك لمعالجة السعر النهائي”.

وأكد أن المزارعين من مربي الدجاج اللاحم غالبا ما تكون خسائرهم أكبر من أرباحهم، فلماذا لا يلتفت إليهم أحد حين يصبح كيلو الدجاج بستة شواقل.

مجالس تشريف لا تكليف
ويتساءل البعض عن دور مجلس الدواجن الفلسطيني الذي شكل عام 2003، والذي يفترض به أن يرعى هذا القطاع، وأن يكون ضابطا ورقيبا بل ومؤثرا، تماما مثلما يحدث في قطاعات اقتصادية أخرى.

ولكن مراقبين ومزارعين قالوا لمراسلنا، إنه وللأسف فإن هذا المجلس كما كثير من المجالس واللجان المشكلة في فلسطين، حدثت خلافات كثيرة ونزاعات على عضويته عند تشكيله، ولما تشكل أصبح غير فاعل وللوجاهات كما غيره من اللجان، فلم يلمس المزارعون أثرا له.