الأجندات الخارجية والتخوين.. القبضة الأمنية للسلطة هل تنجح؟

لم يكن قمع أجهزة السلطة، مسيرة الاحتجاج على محاكمة الشهيد باسل الأعرج برام الله وسط الضفة المحتلة ليمر مرور الكرام، خاصة أن ما أعقبها من تصريحات تبريرية زادت من حنق المحتجين والمواطنين، وفاقم المشكلة بدل حلها.

وكعادتها خرجت أجهزة السلطة الأمنية، بلسان الناطق باسمها عدنان الضميري لتصف من شارك في المسيرة من نشطاء وذوي الشهيد الأعرج وقادة في فصائل مختلفة وإعلاميون بأنهم “حفنة مرتزقة مرهونة لأجندة خارجية”، وهي تهمة ظلت على الدوام لصيقة في كل من عارض السلطة منذ إنشائها.

وكانت أجهزة السلطة قمعت أمس الأحد تظاهرة احتجاجية برام الله على محاكمة السلطة الشهيد باسل الأعرج وخمسة من رفاقه، أربعة منهم أسرى في سجون الاحتلال، واعتدت على المشاركين، ومن بينهم والد الشهيد، والشيخ خضر عدنان، ومجموعة من الفتيات والنساء، إضافة إلى عدد من الحقوقيين والصحفيين والمصورين.

غضب متصاعد
وفي ردود فعل غاضبة زادت من حدتها طبيعة الاتهامات والاستهتار، الذي طال شهيدا دخل قلوب الناس دون استئذان أصيبت السلطة بجميع أجهزتها بارتباك شديد في طريقة التعامل مع الحدث، واضطرت للتراجع خطوة للخلف، من خلال الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق في الأحداث، وضم شخصيات حقوقية لها.

وكان واضحا هذه المرة أن طبيعة الاستفزاز وطريقة التعاطي مع الحدث لم تفلح في إرهاب الناس؛ بل على العكس تماما زادت وتيرة الردود الغاضبة لاسيما على تصريحات الضميري، حتى إن نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر دعا كل وسائل الإعلام إلى مقاطعة جميع فعاليات وأنشطة الشرطة، حتى محاسبة المسؤولين ومن اتخذ القرار بقمع الصحفيين بوقفة أمس برام الله.

ويعلق الكاتب خليل شاهين على ما جرى من اعتداءات واتهامات وردود أفعال رسمية عليها “على الناس أن تقرر، يبدو أننا وصلنا إلى مفترق طرق، ليس على السلطة أن تقرر فيه، بل ما يقرر الناس، وفي خيار الشهيد باسل ما يستحق التمعن”، في إشارة واضحة تدعو لتبني خيار المثقف المشتبك في مواجهة الاحتلال.

المحاسبة للمستوى الأول
ويقول عضو نقابة الصحفيين عاطف أبو الرب: “إن المعتدي ليس الضابط أو العنصر في الشارع، بل المنتهك هو المستوى الأول وتعليماته، وعليه ليس المطلوب معاقبة العناصر بل تغيير السياسات ومحاسبة المسؤولين في الصف الأول”.

وأضاف: ” في كل مرة تقمع فيها المؤسسة الأمنية فعاليات نضالية يسوى الوضع باتخاذ قرارات بحق بعض العناصر الأمنية وتمر الحكاية، وكأن المسؤول عن الاعتداء عنصر أمني أو مجموعة… ونسمع تصريحات وبيانات من المستوى القيادي تؤكد الحق في التعبير، وزيارات تطييب خواطر…. نعتقد لبعض الوقت أن الأمر قد انتهى، ولكن في أول مناسبة يتجدد اعتداء أصعب من السابق، نعود للمربع نفسه”.

وطالب الناشط السياسي خالد منصور، وهو أحد المشاركين في المسيرة، كل المخلصين من القوى والاتحادات والمؤسسات بـ”التحرك الجاد والعاجل لمنع نشوء نظام بوليسي قمعي في بلادنا”.

وأضاف “لقد أذهلني العنف المفرط الذي استخدمته الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد المشاركين بالفعالية والممارسين لحق أساسي من حقوقهم، وهو الحق بالتعبير”.

إهانة كرامة الشهيد
أما والد الشهيد باسل الأعرج، فقال: “كنت أعزي نفسي سابقا وأقول يوجد لدينا سلطة وطنية، لكن هذا اليوم أثبتوا بأنهم سلطة فقط ولا وطنية لها”، مؤكداً أن الاعتداء على المتظاهرين هو “اعتداء على كرامة الشهيد باسل”.

وخلال مؤتمر صحفي عُقد أمام مبنى الهيئة المستقلة بعد ساعات من اعتداء أمن السلطة عليه في الوقفة الاحتجاجية ضد محاكمة باسل ورفاقه، أضاف والد الشهيد باسل “ناديت بكرامة الشهيد، ولم يستجيبوا، ولم يحفظوا له كرامته”.

من جانبه، قال الشيخ خضر عدنان، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الذي تعرض للضرب من الأمن في ذات المسيرة، إن “من قاد الاعتداء علينا اليوم هو من قاد الاعتداء علينا عام 2012، وأدمى باسل الأعرج في رأسه”، في إشارة إلى مسيرة في المكان ذاته ضُرب فيها الشهيد باسل وسال الدم من رأسه ليتكرر المشهد مع والده بعد خمس سنوات.

خطوة للخلف
ولكن ردود الأفعال هذه المرة أثبتت وبشكل قاطع أن حالة التململ في صفوف المواطنين جراء الممارسات القمعية لم تعد تمرّ، وهو ما أجبر رئيس الحكومة رامي الحمد الله وبعد صمت مطبق إلى محاولة لملمة الأمور من خلال تشكيل لجنة تحقيق تضم في عضويتها ولأول مرة مؤسسات حقوق إنسان ونقابة المحامين، وهو ما جعل الإعلامية وفاء عبد الرحمن تؤكد “أن اللجنة هذه المرة لن تكون شكلية وسيترتب عليها إقالات …”، ببساطة لأن الناس تحركت..