السبت 19/أكتوبر/2024

مؤتمر علمي بغزة يناقش أزمة الفهم والتطرف الفكري

مؤتمر علمي بغزة يناقش أزمة الفهم والتطرف الفكري

افتتحت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، بالتعاون مع كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية، أعمال المؤتمر العلمي، “أزمة الفهم وعلاقتها بظاهرة التطرف والعنف”، والذي يناقش سوء فهم النصوص، وأقوال العلماء وعلاقتها، في مساهمة منهما في دراسة المشكلة، ووضع الحلول المناسبة لها.

ويهدف المؤتمر الذي تعقد جلساته على مدار يومين في قاعة المؤتمرات الكبرى في الجامعة الإسلامية بغزة، إلى تشخيص أزمة الفهم وإبراز أسبابها وخطورتها، ونشر ثقافة الوسطية، وتصويب الفهم الخطأ للإسلام، وبيان خطورة الغلو والتطرف على المجتمعات وطرق معالجتهما.

وسيضع المؤتمر ضوابط للخطاب الدعوي المعاصر، والعمل على إبراز دور الإسلام في نشر ثقافة الحوار والتسامح، وتوضيح الأهداف السامية من فريضة الجهاد، ورد الشبهات التي تثار حول الجهاد ومشروعية مقاومة المحتل.

وشارك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر عدد من العلماء، إضافة لرجال دين من الجالية المسيحية بغزة، ومسؤولون حكوميون، ونواب في المجلس التشريعي، وأكاديميون ومختصون وطلاب، وباحثون من دول عربية وإسلامية أبرزها الإمارات العربية، ومصر، والجزائر، والعراق، والمغرب وماليزيا.


خطورة سوء الفهم
من جهته، بين مدير عام الإدارة العامة للوعظ والإرشاد ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر يوسف فرحات أن آفة الغلو والتطرف تُعد من الآفات الخطيرة التي ابتُليَ بها المجتمع المسلم.

وقال: “إن الغلاة قوم يبدأون بالتكفير وينتهون إلى التفجير، غَلَوْا في الدين فهمًا وتطبيقًا؛ فأساؤوا من حيث أرادوا الإحسان، وأفسدوا من حيث أرادوا الإصلاح، حصروا التدين في نطاق ضيقٍ، وأرادوا أن يأمروا الناس على مذهبهم، ووصلَ بهم الحال إلى تكفير العام والخاص، حتى كفروا العلماء المختلفين معهم في الرأي والمنهج”.

وأشار فرحات إلى أن علماء الأمة ومفكّريها استشعروا خطورة هذه الآفة على جيل الصحوة الإسلامية، وانبرَوا للتصدي لها ومعالجتها، وذلك من خلال دراستها والوقوف على أسبابها ودوافعها، ومحاولة علاجها بكل الوسائل: بالمحاضرات والندوات والكتابة وعقد المؤتمرات العلمية وغيرها كثير.

وأوضح أن المؤتمر جاء للمساهمة في تفكيك ظاهرة الغلو والتطرف، وذلك من خلال الوقوف على أسبابها الحقيقية.

وأشار إلى أن المؤتمر سيتضمن مناقشة أربعة محاور؛ يحمل العنوان الأول موضوع أزمة سوء الفهم (الأسباب والمظاهر)، وسيتناول المحور الثاني: التطرف والعنف (الجذور، والمخاطر، والآثار)، وسيناقش المحور الثالث: الجهاد في الإسلام (الفهم والممارسة)، في حين إن المحور الرابع سيبحث المعالجة الفكرية لظاهرة سوء الفهم.

ونبه فرحات إلى أنه منذ اللحظة الأولى للمؤتمر كان هناك تفاعل كبير غير متوقع مع الدعاة؛ حيث بلغ عدد الملخصات التي وصلت اللجنة مائة وخمسة وعشرين ملخصاً، قُبل منها بعد أن عُرضت على اللجنة العلمية ما يقارب المائة، في حين إن عدد البحوث التي وصلت من هذه الملخصات ستة وستون بحثاً، قُبل منها بعد تحكيمها، اثنان وأربعون بحثاً، وأبحاث من خارج الوطن بلغت اثني عشر بحثاً.


الحية: فلسطين عصية على الانحراف
بدوره أكد النائب والقيادي في حركة “حماس” خليل الحية أن فلسطين عمومًا، وغزة خصوصًا عصية على الانحراف الفكري والتطرف والإهانة، مشيرًا إلى أن تاريخ فلسطين الطويل ينسجم مع سماحة ووسطية الإسلام المنتمي لثقافة ومنهجية الأمة والعقيدة السليمة.

وقال الحية: “إن التيارات الإسلامية غُيبت بفعل سياسي، وأُقصيت عن سدة الحكم كلما اقتربت منه بمؤامرة خارجية من أصحاب المصالح”.

“استغلال الأعداء للشباب”
وفي كلمته، أوضح وكيل وزارة الأوقاف حسن الصيفي، أن موضوع أزمة الفهم من المواضيع التي يستحق أن تنقدح لها العقول، وتنبري من أجلها الأقلام، وتُكَّرس لمعالجتها الجهود والأموال.

وأضاف: “لقد غدا الإسلام والمسلمون متهمين بالإرهاب، ونحن ضحاياه، وألصقت بنا التهم ونحن منها براء، وضربت مؤسساتنا الخيرية رغم أنها مصدر رحمة وإغاثة للملهوفين”.

وبين الصيفي أن “الأعداءَ استغلوا فئاتٍ من الشباب المتحمس لنصرة دينه، والمندفع بدون فهم أو علم بحماسة جهلاء، وفئات أخرى فهموا العلوم بطريقة سطحية انحرفت عن مقاصد الشريعة، وضلت الطريق عن حكمة الشرع، وسخروا من حكمة العلماء الراسخين، معتمدين على فقه بعض المنتسبين للعلم ممن انحرفت بهم الأهواء، أو أضلتهم العقول، أو فتنهم الواقع فأفقدهم الحكمة”.

وأشار إلى أن رقعة الانحراف الفكري والتطرف السلوكي زادت نتاج ما رآه الشباب من ظلم الأنظمة المستبدة للمسلمين وشعوب الأمة، فلم يُفرقوا بين الظلم والكفر، ولم يمايزوا بين رفض تطبيق الشريعة، ومن أنكر شرعيتها، وأسقطوا النصوص في غير مواضعها، بل لم يراعوا الفرق بين الحكم الشرعي والفتوى، ونصبوا أنفسهم حَكماً على النص، يوجهونه كيفما دفعتهم أهواؤهم لتبرير موبقاتهم وجرائمهم بذريعة نصرة الدين والمظلومين.

ودعا وكيل وزارة الأوقاف العلماء والمفكرين والدعاة وأساتذة الجامعات لأن يكونوا أكثر فهماً، وأعمق تحليلاً، وأوسع إدراكاً، والاعتراف أن أزمة الفهم للدين والنصوص والتاريخ والسيرة والأحكام هي الأصل الأصيل في المشكلة، منبهًا إلى أن الفكر الإسلامي ليس معصوماً من الخطأ، وليس مقدساً، لأنه نتاج التفاعل بين العقل والنص.

كما طالب بضرورة إعادة صياغة فهمنا لمجموعة من المفاهيم التي أطلقنا عليها صفة المطلق والمقدس، وحرّمنا مجرد التفكير في إعادة صياغة فهمنا لها، ومنها: الولاء والبراء، والكفر والإيمان، وتطبيق الشريعة والأحكام، والموقف من الآخر، والدولة والخلافة، والجهاد ومشروعيته ودوافعه وأهدافه، ودار الحرب ودار السلام، والمواطنة والوطن.

“الدعوة للفهم السليم”
بدوره عبر رئيس الجامعة الإسلامية بغزة عادل عوض الله عن فخر جامعته بشراكتها مع وزارة الأوقاف في عقد هذا المؤتمر الذي يتحدث عن أزمة الفهم.

وأشار إلى “أننا بحاجة إلى فهم سليم للإسلام بأركانه الخمسة والإيمان بأركانه الستة، وبحاجة لفهم رسالة الإسلام كما أنزلت على الرسول وكما أُمر أن يبلغها، بالإضافة إلى فهم الضروريات التي أُمرنا أن نحافظ عليها وعلى ديننا ونفسنا وعرضنا ومالنا وعقلنا”.

ودعا رئيس الجامعة إلى التفريق بين الحلال والحرام وفهم قواعد الفقه ومقاصد الشريعة وأصول الدعوة لله تعالى ومفهوم إقامة الدين، لافتًا إلى أن اجتماع اليوم جاء للاستماع من أهل الفهم والعلم والفكر الذين رفعهم الله تعالى وتحقيق أهداف المؤتمر في معالجة هذه الأزمة.

من ناحيته، أوضح الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين علي قرة داغي أنَّ جميع المشاكل والمصائب على مر التاريخ حقيقتها تعود إلى سوء الفهم، الذي عادة ينتج منه سوء العمل، وسوء السلوك، وسوء القرار، وكذلك سوء المواقف، وسوء الشعار؛ فالقضية إذاً هي قضية الفكر، التي يسميها القرآن الكريم بالفقه؛ فالفقه هو الفهم العميق والإدراك الدقيق للواجب والواقع لكل ما يتعلق بهذا الكون.

وأشار إلى أن “المسلمين اليوم حقيقة في معظمهم يعيشون على أفكار مجتزأة، أو على أفكار مستوردة، إما أن تكون مستوردة من الخارج فلا تحقق غايتنا، وتتعارض مع شريعتنا وهويتنا، أو أنها في معظمها، مأخوذة بنظرة جزئية، وليس بنظرة كلية، بنظرة ظاهرية وليس بنظرة مقاصدية، بنظرة حرفيه، وليس بنظرة كلية”.

ودعا إلى ضرورة تدبر القرآن الكريم، وفهمه والتعمق في آياته، والعمل على تبيان الفهم الصحيح ومعالجة هذه الأزمة الخطيرة.

وفي كملته أوضح عماد الدين الشنطي عميد كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية أن المؤتمر جاء ليوضح الصورة أمام الجميع، وينظم العلاقة بين المجتمعات المختلفة على أسس شريعتنا السمحة، بعيداً عن ردَّات الفعل التي تظهر هنا أو هناك الناتجة عن جهل أصحابها واندفاعهم وراء العواطف.

وأشار الشنطي إلى أن مؤتمر أزمة الفهم بمحاوره المختلفة يساهم إلى حدٍّ كبير في كشف وتوضيح ظواهر العنف والتطرف الموجودة في واقعنا المعاصر، وتوجيه الناس عامة والشباب خاصة الوجهة الصحيحة في فهم الإسلام والتصرف بناءً على تعاليمه السمحة.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات