الأحد 29/سبتمبر/2024

احتمالات حرب رابعة على قطاع غزة

صابر كل عنبري

يتزايد في الآونة الأخيرة الحديث عن وجود توجه إسرائيلي قوي لشن حرب رابعة على قطاع غزة، ولاسيما بعد أن نشر “يوسف شابيرا” مراقب “إسرائيل” تقريره عن الحرب الثالثة على قطاع غزة عام 2014، التي كانت الأطول زمنيا حيث استغرقت 51 يوما، ويتهم التقرير الحكومة الإسرائيلية بأنها دخلت في الحرب مع “جيش متفاجئ من الأنفاق والعمل”، دون أن تكون لديها خطة حرب جاهزة. 

في ظل الحديث عن تزايد احتمالات الحرب على قطاع غزة، المدعوم بمؤشرات وأسباب منطقية، ثمة عوامل سنستعرضها لاحقا في المقال، قد تحول دون وقوع هذه الحرب. قبل ذلك، نتطرق فيما يلي إلى أهم أسباب ودوافع إسرائيلية للقيام بحرب رابعة على قطاع غزة خلال الفترة القليلة المقبلة. 

دوافع حرب جديدة
احتمالية قيام الكيان الصهيوني بشن حرب رابعة على قطاع غزة، مسنودة بعوامل، أهمها:

أ: محاولة نتنياهو الحفاظ على سلطته، وحكومته والحيلولة دون انهيارها، حيث إن خسر السلطة يصعب عليه استعادتها مستقبلا، إن لم يكن مستحيلا، نظرا إلى أزمات مستعرة تهدد حاضره ومستقبله السياسي.

ب: سعي نتنياهو تصدير أزمته الداخلية والتهرب من نتائج تحقيقات الشرطة معه بشأن ملفات عديدة.

ج: التهرب من تداعيات تقرير مراقب الدولة، وحرف الأنظار عنه إلى حدث أكبر.

د: إعادة الاعتبار للجيش الإسرائيلي وهيبته المكسورة.

هـ: منع المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس من مواصلة تقوية بنيتها العسكرية وتطويرها. 

ز: ضغوط الأحزاب اليمينية المتطرفة المشاركة في الائتلاف الحكومي وابتزازاتها اللامتناهية قد تدفع باتجاه اختيار خيار الحرب.

إضافة إلى تلك الأسباب، وجود رئيس أمريكي شعبوي متأسرل على رأس السلطة الأمريكية، يرفع شعار محاربة “الإرهاب الإسلامي”، على الأغلب يشكل عنصرا مشجعا للحكومة الإسرائيلية، حال تبلورت لديها بقية عناصر القناعة بضرورة شن حرب جديدة على قطاع غزة. 

بين الأسباب الآنفة ذكرها، تأتي المصلحة الشخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي في الدرجة الأولى أهمية ومكانة، وبقية الأسباب مثل السعي لإعادة الاعتبار للجيش المقهور، وإن حاول الإعلام المقرب لنتنياهو الترويج لها، تأتي للتغطية على السبب الرئيس غير المعلن وهو المصلحة الشخصية لنتنياهو. 

كما أن تصريحات بنيامين نتنياهو حول وجود رغبة إسرائيلية لدخول قوات دولية إلى قطاع غزة لحماية الأمن الإسرائيلي خلال لقائه مع وزيرة الخارجية الأسترالية، قد تأتي ضمن الاستعدادات والترتيبات الإسرائيلية مع قوى إقليمية ودولية لما بعد الحرب القادمة على غزة. 

كوابح حرب جديدة
إلى جانب العوامل التي تعزز فرص شن عدوان جديد على قطاع غزة، والتي توجب أخذ هذا الاحتمال بجدية والاستعداد له على كافة الأصعدة، ليس عسكريا فحسب، هناك ثمة عوامل أخرى في الاتجاه المعاكس، تقلل فرص شن مثل هذه الحرب، نتناول أهم تلك العوامل فيما يلي:

أولا، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يمر بموقف لا يحسد عليه، يعرف قبل غيره أن أي حرب جديدة على قطاع غزة لا تنهي سيطرة حركة حماس على هذه المنطقة عبر دخول قوات إسرائيلية إليها واحتلالها مجددا، ليست حربا تعيد له ولجيشه المقهور ماء الوجه والاعتبار الضائع، لذلك من شأن أي حرب لا تحقق هذا الهدف، وهو من المستحيلات إن لم يكن من سابعها، أن تزيد من الإخفاقات والتحديات والهزائم، وأنها بكل تأكيد ستطيح بالحياة السياسية لنتنياهو إلى أبد الآبدين، لذلك سيحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي ألف حساب شخصيا لاتخاذ القرار لشن حرب رابعة غير مضمونة النتائج على منطقة، تحتها ثكنات عسكرية غير مكشوفة وممتدة إلى الداخل الإسرائيلي، وحبلى بمفاجئات من العيار الثقيل في أي مواجهة قادمة، تشكل كابوسا مخيفا للقادة الإسرائيليين، وفي ظل انعدام استراتيجية إسرائيلية واضحة لمواجهة هذا السلاح الاستراتيجي لحركة حماس، فإن شن حرب جديدة على غزة لن تكون مختلفة عن سابقاتها من حيث النتائج للكيان الصهيوني، وهذا ما يؤكد عليه الكاتب “ناحومبرنباع” في تعليق بصحيفة يديعوت أحرونوت على تقرير المراقب الإسرائيلي حول حرب 2014، حيث يقول: “لو أننا غداً  دخلنا في مواجهة عسكرية جديدة مع غزة فإن هذه المواجهة ستدار كما الحرب السابقة”.

 

ثانيا، قبل شن أي عدوان جديد على قطاع غزة في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية المضطربة، لا بد أن تكون هناك حسابات إقليمية ودولية حاضرة وبقوة لدى الكيان الإسرائيلي خلال عملية اتخاذ القرار، على رأس هذه الحسابات تأتي أولويتان مهمتان، هما: 

الأولوية الأولى لإسرائيل في المنطقة اليوم هي تشكيل جبهة عربية إسرائيلية أو “الناتو العربي الإسرائيلي” هدفها المرحلي مواجهة إيران، لكن غاياته أبعد من ذلك، وهذا يحدث بعد أن خطت عملية تطبيع العلاقات العربية ولاسيما الخليجية مع “إسرائيل”، خطوات متقدمة جدا. 

وفي هذا السياق، تتحدث تقارير وبحوث أمنية، أن الرئيس الأمريكي الجديد يدفع بهذا الاتجاه بقوة، وأنه ناقش الموضوع في لقائه مع رئيس الوزراء الصهيوني. 

كما أن روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يقول إن دونالد ترامب مصمم على الدفع باتجاه تشكيل تحالف أمريكي إسرائيلي عربي. 

ومن ناحية أخرى، يؤكد وزير الحرب الإسرائيلي المتطرف أفيغدور ليبرمان في حديث لصحيفة “دي فيلت” الألمانية (28 شباط/ فبراير 2017) “لقد حان الوقت لتشكيل تحالف رسمي بشكل علني”.

الأولوية الثانية: هي تصفية القضية الفلسطينية إقليميا سواء عبر تشكيل تحالف عربي إسرائيلي، أو إضافة إلى ذلك من خلال التوصل إلى اتفاق أمني مع الدول العربية ولاسيما دول عربية خليجية بشأن الصراع في فلسطين، لا يلبي أدنى الحقوق الفلسطينية، وفي السياق نفسه، تأتي القمة السرية في العقبة عام 2016، وكذلك حديث بنيامين نتنياهو المكرر خلال الآونة الأخيرة عن ضرورة “مقاربة إقليمية”،وعلى الأغلب سوف نشهد قمم سرية أو علنية أخرى خلال الفترة القادمة في ظل وجود رئيس أمريكي جديد سوف يضغط على الحلفاء العرب للولايات المتحدة الأمريكية ليكونوا أكثر وديّا من قبل مع الكيان الصهيوني.

الحسابات الإقليمية الاستراتيجية الإسرائيلية من شأنها أن تحول دون وقوع الحرب في هذا التوقيت، لأن الحرب قبل تحقيق أهداف الأولويتين سوف تؤثر عليها سلبا، وهذا ليس ما تريده “إسرائيل”. 

خلاصة القول أن شن الحرب الرابعة على قطاع غزة في هذا التوقيت، يبدو مصلحة شخصية لنتنياهو كخيار للهروب إلى الأمام، وفي المقابل إن عدم شن مثل هذه الحرب في الوقت الحاضر يُفترض أن يمثل مصلحة لإسرائيل في ظل الأولويات الإسرائيلية الإقليمية التي تحدثنا عنها، الآن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، أنه هل يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي مستعدا للتضحية بمصلحته الشخصية تحقيقا للمصلحة الإسرائيلية في هذا التوقيت، أم أنه يضحي بالأخيرة في سبيل ما يبدو مصلحة شخصية له. على الأغلب الأيام والأسابيع القادمة ستجيب على هذا السؤال، وستكشف أي المصلحتين الأكثر تفضيلا لدى بنيامين نتنياهو.

كما أنه يجب أن لا نغفل أن تطورات الميدان على حدود غزة لها كلمتها العاجلة والمختلفة أحيانا عن ما يدور في أذهان صناع القرار في الكيان الصهيوني أو في قطاع غزة، وهي لا تخضع كثيرا لحسابات مسبقة للطرفين، ومدى استعدادهما للدخول في المواجهة، فربما الميدان يفرض حربا لا يرغب الجانبان بخوضها. 

وأخيرا يجب أن لا ننسى أنه عندما نتحدث عن كوابح الحرب، لا نقصد أن الحرب لن تحدث وأنها خيار الماضي، بل المقصود أنها خيارا حتميا، لكنه قد يكون مؤجلا خلال هذه المرحلة لأسباب ذكرناها، فالحرب جزأ لا يتجزأ من الاحتلال وهي ديدنه، فما دام هو باق، الحرب والمواجهة قائمة قد تحدث بين ليلة وضحاها. 

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

استشهاد 17 ألف طفل في غزة منذ 7 أكتوبر

استشهاد 17 ألف طفل في غزة منذ 7 أكتوبر

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أفاد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة، اليوم الأحد، بأنّ نحو 17 ألفاً من أطفال غزة...