الأحد 04/مايو/2025

إلؤور وقيم الظلام

محمد حمادة

لقد اختزلت قضية جندي الاحتلال الاسرائيلي حقيقة القيم التي تحكم مجتمع الاحتلال، وكان لرصاصة واحدة انطلقت من بندقية الجندي إلؤور أن تكشف عن حقيقة القيم التي يتشربها مجتمع الاحتلال، بل ولربما من جميل الأقدار أن يكون اسم الجندي “إلؤور- نحو النور” أكبر شاهد على حقيقة كيان يدعي التنور وأنه صاحب الجيش الذي يتمتع بأخلاقيات عالية على مستوى العالم، وفي حقيقة الأمر هو مجتمع عنصري حاقد يستسهل دماء الفلسطينيين، بل ويدعو إلى مزيد من ممارسات كممارسات إلؤور. فمجتمع الاحتلال بغالبيته القصوى يتقن تسويق نفسه بأنه “إلؤور تنويري” لكنه في حقيقة الأمر يضمر حالة من العنصرية والدموية، وليس يتعلق الوصف بالجيش وحده بل ينسحب على كامل مجتمع الاحتلال.
 
إلا أن قضية الجندي “إلؤور أزاريا”، والذي قام بإطلاق النار عن سبق إصرار وانتقام على الشاب الجريح من الخليل عبد الفتاح الشريف، لم تكشف فقط عن حقيقة هذا المجتمع؛ بل وضعت مجتمع الاحتلال أمام حقائق مرة ما كان يتمنى أن يصل إليها. أولها أن الجيش الصهيوني لم يعد (כור ההיתוך) المرجل الذي تنصهر فيه كافة أطياف مجتمع الاحتلال لخلق كتلة بشرية متماسكة ذات طابع مشترك وهوية مشتركة، كما أرادوا له في بداية قيام “دولتهم”، بل بات من الواضح أن جيش الاحتلال صار أضعف مما كان عليه، وليس هذا بسبب أن هالة “الجيش الذي لا يقهر” قد حطمتها المقاومة الفلسطينية، وإنما بسبب أن جيش الاحتلال صار يحمل في داخله إمارات الانقسام وعدم التماسك كما كان.
 
فرأينا أنه وأثناء حرب 2014 على قطاع غزة حصل نفتالي بنت -رئيس حزب البيت اليهودي- على معلومات من ضباط في الجيش لم يكن مسموحا له الاطلاع عليها إلا أن قاسما مشتركا بينه وبين هؤلاء الضباط هو ما دفعهم إلى تسريب المعلومات له وهو أنهم جميعا يعتمرون القبعة المنسوجة أي ينتمون إلى مدرسة “القومية الدينية الصهيونية”، ومن هنا وجد الجندي مطلق النار على الشهيد نفسه ينصاع إلى أوامر ليست هي أوامر قادته في الجيش وإنما أوامر حاخامات متطرفين، وعلى رأسهم أولئك الذين وضعوا كتاب “توراة هميلخ- منهج الملك” التي تدعو إلى عدم التردد أبدا في قتل “الأغيار” دون أسف، وتدعو إلى عدم التردد في قتل من وصفوهم “بالمخربين” حتى لو كان جريحا.
 
من هنا انقسم المجتمع الاحتلالي على نفسه ولكنه ليس انقسام النصف بالنصف؛ بل ذهب غالبية مجتمع الاحتلال إلى تأييد الجندي إلؤور والإشادة به كبطل قام بما يجب أن يقوم به كل “إسرائيلي”، ولكن ثمة من رفض من “الإسرائيليين” جريمة هذا الجندي، وبعضهم كان اعتراضه فقط لأن الجندي تصرف وفق دوافعه ولم ينصع لأوامر قادته، فيما ذهب بعضهم إلى رفض الجريمة تماما.
 
وانسحبت تداعيات هذه الرصاصة على الجيش نفسه إذ أطاحت هذه الرصاصة بوزير الدفاع الصهيوني “موشي بوغي يعلون” لأنه لم يساند الجندي، ووقف بشكل واضح وألقى كلمة أمام ضباطه قائلا لهم: هذا الفعل مرفوض -طبعا رفضه فقط بسبب مخالفة الجندي للأوامر-، وطالب ضباطه بقول رأيهم بكل حرية وشجاعة وعدم الالتفات إلى التخويفات من هنا وهناك يقصد نتنياهو. ومن هنا بدأ مشوار الرحيل ليعلون ليأتي مكانه ليبرمان الذي ساند جريمة الجندي منذ البداية.
 
قضية الجندي معدم الشهيد كشفت عن منظومة قضائية على الرغم من كل محاولتها في تلميع وجه الاحتلال وإظهاره أنه مجتمع القانون والقيم إلا أننا نلاحظ اليوم كيف وقف الكثير من مؤيدي الجندي يكيلون التهم والوعيد للقضاة، الأمر الذي دفع الحكومة “الإسرائيلية” إلى التوصية بفرض حراسة خاصة على المدعي العام العسكري وقضاة القضية.
 
بوغي يعلون صرح في أعقاب إصدار حكم الإدانة بحق الجندي أن من ساند الجندي منذ البداية من السياسيين لم يكن يريد من وراء هذا الدعم سوى الحصول على مكانة شعبية وتحسين وضعه الانتخابي في أي انتخابات قادمة. وهذا يدلل على أن المجتمع الصهيوني برمته بات مزاجه مزاج القتل والدم والعنصرية ومزيد من الاستيطان وكل سياسي يريد أن يحسن موقفه ومكانته فعليه أن يتطرف في تصريحاته ومواقفه.
 
الجندي إلؤور أزاريا أدين في قتل الشهيد عبد الفتاح الشريف، لكن يبدو أن الجندي لن يمكث في السجن طويلا؛ حيث طالب كثير من السياسيين الصهاينة من اليسار ومن اليمين الرئيس الإسرائيلي بالعفو عن الجندي، بل وفي استطلاع رأي أجرته صحيفة “يديعوت احرونوت” أيد أكثر من 70 في المائة من الجمهور الصهيوني منح العفو للجندي. والقضاء الذي أدان الجندي بالقتل الخطأ هو ذات القضاء الذي حكم على الأسيرة المصابة من القدس شروق دويات بالسجن لخمسة عشر عاما، وهي التي لم تطلق رصاصة ولم تفعل شيئا سوى أنهم -أي جنود الاحتلال- اشتبهوا في نيتها تنفيذ عملية طعن فأطلقوا عليها رصاصهم، وأصابوها، ثم اعتقلوها، وصبوا جام حقد قضائهم عليها.
 
إن كل ما يحاول الاحتلال تسويق نفسه على أساس أنه “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” و”صاحب الجيش الأكثر أخلاقية في العالم” و”هو الذي يقدم المساعدات لجرحى من سوريا” كل هذه المحاولات هي مجرد ذر للرماد وعلاقات عامة، والحقيقة الصارخة هي أنهم مجتمع لا يعرف النور؛ بل يتشرب العنصرية وشهوة القتل، لكنه أتقن ممارسة هذه الوحشية بما لا يترك أثرًا، ولا يحدث ضجيجا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات