الإثنين 05/مايو/2025

​شابّان من غزة.. ورحلة البحث عن الحياة في صحراء الموت

​شابّان من غزة.. ورحلة البحث عن الحياة في صحراء الموت

في إحدى ليالي شهر كانون ثانٍ (يناير) الباردة، قرر الشابان عز الدين (20 عامًا) ومحمد (17 عامًا) البحث عن لقمة عيش، فلم يغفر لهما صغر عمرهما؛ فقررا الخروج من قطاع غزة للحصول على عمل تعذر داخل وطن محاصر من جميع الأقطار.

ووسط صحراء قاحلة محفوفة بالموت المحقق.. استطاع الشابان النجاة بعد أن أنهكهم التعب والمرض، ليتركا خلفهما عشرات الجثث التي شاهداها أثناء رحلة العذاب -كما يصفانها- في صحراء السودان الجرداء إلى حيث الخوف والخطف والابتزاز في ليبيا.

فرارًا من الحصار

ويروي محمد، الذي كان قد تعلم التجارة في قطاع غزة؛ حيث كان يتنقل بين الأسواق ببعض براميل “الفلفل الحار” “والترمس” ليكتسب خلالها رزقه، تفاصيلَ رحلتهم الطويلة والمميتة، فيقول: “دفعتنا الظروف الاقتصادية الصعبة لدى الأهل والأقارب، للهجرة إلى دولة السودان من أجل العمل لدى أحد أقاربنا، لكن مع سوء الأوضاع وعدم قدرتنا على التأقلم مع الحياة في تلك البلاد، شدّنا القدر لخوض الرحلة عبر الصحراء السودانية الليبية ومن ثم إلى أوروبا”.

ويضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “اتفقنا مع سمسار من السودان أن يوصلنا لمهرّب ينقلنا إلى ليبيا عبر الصحراء بمبلغ 400 دولار لكل شخص، وأن يتسلَّم نصف المبلغ والنصف الآخر للمهرب بعد وصولنا إلى الأراضي الليبية، لنتفاجأ أنه أوقعنا في عملية احتيال”.

ويتابع: “تعرضنا طيلة الطريق لأصناف من العذاب النفسي والبدني والإهانات القاسية”، ليخوضوا مغامرة قاتلة إلى الجماهيرية الليبية بواسطة مهربي البشر الذين لا يوجد لديهم أدنى معاني الإنسانية.

وتستغرق الرحلة من السودان إلى ليبيا حسب ما أخبرهم المهرب السوداني حوالي 14 يومًا داخل الصحراء، لم يتصوّرا أن تستغرق ما يقارب الشهر، ليعيشوا خلال رحلتهم على الطحين المخلوط بالماء، إلى جانب بعض التمرات التي كانت موجودة مع إحدى النساء اللاتي كنّ معهم في الرحلة.

مشارف الموت

ويترك محمد المجال لابن عمه عز الدين ليكمل باقي القصة، محاولًا أن يتناسى ما حصل معهم طيلة الرحلة بعد أن تمكن منه المرض إلى حد الوقوف على مشارف الموت، حاكيًا: “ما إن وصلنا إلى الحدود السودانية الليبية حتى فوجئنا بوجود جثث كانت ملقاة وسط الصحراء، لأشخاص من جنسيات متعددة حسب مظهر ملابسهم؛ حيث انقطعت بهم السبل داخل الصحراء القاحلة”.

ويكمل الشاب خلال حديثه لمراسلنا: “لا أستطيع أن أنسى صورة الشاب الذي سقط من الشاحنة التي كانت تنقلنا، ليقع على رأسه، وكيف أن المهربين تركوه ليموت داخل الصحراء وحيدًا دون أدنى رحمة أو إنسانية”.

ويتابع: “بعد حوالى 600 ساعة من المعاناة والإرهاق وانقطاع الاتصال مع العالم الخارجي، وصلنا إلى الأراضي الليبية لنصطدم بمعاناة أشد عذابًا لدى المهرب الليبي الذي كان يعاملنا بقسوة، لنعيش فيها أسوأ أيام حياتنا”.

ويشير عز الدين إلى تعرضهم لإهانات قاسية ومتكررة من المهربين الليبيين المشرفين عليهم، مضيفًا: “كنا موجودين داخل مكان أشبه بمعتقل؛ حيث كنا ممنوعين من التحدث، ولم يحترموا أحدًا”.

خديعة وابتزاز

ويحكي عن دكتور كان قادمًا من الصومال إلى السودان ليكمل تعليمه، ليتفاجأ أن المهربين قد خدعوه ونقلوه إلى ليبيا، وعن مدى المعاناة والإذلال الذي واجهه من تجار البشر.

ويتابع: “احتجزنا المهرب الليبي حوالي 15 يومًا ليطلب خلالها فدية تقدر بـ 3 آلاف دولار على كل شخص منا، وطلبوا منا الاتصال مع أهلنا في قطاع غزة من أجل توفير المبلغ وإلا سيكون مصيرنا الموت”، وهنا بدأت معاناة أخرى، كان أقاربهم هم أصحابها بجانب أبنائهم المختطفين.

وبعد محاولات عديدة تواصل الأهل مع أحد أقاربهم في السودان الذي بدوره تواصل مع المهرب السوداني الذي تكفل بإيصالهم إلى بر الأمان، ليتفاجؤوا بأن المهرب السوداني هو الذي طلب من زميله الليبي احتجاز أبنائهم إلى حين دفع ثمن الرحلة والتي تبلغ 1200 دولار لكل شخص”.

ويقول ياسر أبو جبر شقيق محمد، إن “ثمن الرحلة حسب ما أخبرهم ابنهم 400 دولار، لكننا تفاجأنا بالسمسار السوداني يخدعهم ويحتال عليهم، وهنا بدأنا باستدانة المبلغ وجمعه وإرساله للمهرب، الذي بدوره أمر بإطلاق سراحهم”.

وأضاف أبو جبر: “كنا لا نستطيع النوم بسبب القلق الذي رافقنا طيلة الرحلة، خاصة أننا فقدنا الأمل بحياة أبنائنا بسبب طول المدة، وعدم وجود تواصل معهم، متوقعين أن الصحراء ابتلعتهم، أو أن المهربين الذين لا يملكون أدنى رحمة قد قتلوهم، ورموا جثثهم في العراء”.

950 ساعة هي مدة الرحلة التي قطعها الشابان الصغيران من السودان إلى ليبيا، لتبدأ رحلة أخرى عبر القوارب داخل البحر، من أجل الوصول إلى مبتغاهم الأول وهو الهجرة إلى أوروبا؛ حيث الأمان والراحة التي يعتقدون أنها موجودة هناك.!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات