الخميس 07/نوفمبر/2024

الأسرى تحت الهجوم..

عيسى قراقع

بسقوط الشهيد الجريح الأسير محمد الجلاد يوم 8/2/2017، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 إلى 210 شهيد قتلوا تعذيبا وإهمالا طبيا وأُعدموا تعسفيا داخل السجون أو خلال اعتقالهم، وتتكرر الجريمة المنظمة وتتصاعد بشكل غير مسبوق إلى درجة أنه خلال السبع سنوات الأخيرة سقط 10 شهداء داخل سجون الاحتلال، وفي هذا الزمن القياسي الذي يشير أن السجون والممارسات التعسفية بحق الأسرى تحولت إلى أداة للموت والقتل العمد للأسرى الذين تحولوا إلى رهائن للانتقام والانتهاكات الخطيرة.

منذ استلام نتنياهو السلطة في “إسرائيل” أصبح الأسرى تحت الهجوم وهدفا للانقضاض على حقوقهم وإنسانيتهم، وبدأت حكومة الاحتلال تستخدم الأسرى أداة ضغط سياسي وعنوانا سهلا لشن عدوانها عليهم وتكريس التعامل معهم كأنهم ليسوا من بني البشر، وكل ذلك مصحوبا بالتحريض الايديولوجي العنصري وعدم الاعتراف بشرعية نضالهم الوطني والإنساني من أجل الحرية والاستقلال.

إن “إسرائيل” كسلطة قائمة بالاحتلال تستغل عجز المجتمع الدولي وإرادته وتفكك العالم العربي للتمادي بشكل مسعور في هجومها وعدوانها على حقوق الشعب الفلسطيني استيطانا متسارعا واعتقالات واسعة وجماعية طالت الصغير والكبير، وتشريع كل هذه الممارسات في إطار ما يسمى القانون، عندما تحول الكنيست الإسرائيلي إلى ورشة عمل عنصرية بسن قوانين تعسفية وفرض إجراءات لاإنسانية ولاأخلاقية ضدهم.

لم يستطع المجتمع الدولي بكافة مكوناته القانونية والإنسانية إلزام “إسرائيل” كدولة محتلة بالاعتراف بانطباق اتفاقيات جنيف على الأراضي المحتلة، ولا على الأسرى المعتقلين القابعين في السجون، ولا زالت حكومة الاحتلال تسعى لتجريد الأسرى من مكانتهم القانونية ومن شرعية نضالهم الوطني ضد الاحتلال، وتعمق مفاهيم التعاطي معهم كمجرمين وإرهابيين على المستوى القانوني والإعلامي والسياسي لنزع الشرعية عنهم وعن النضال الوطني الفلسطيني المشروع.

وخلال السنوات القليلة الماضية أصبح الأسرى هدفا للانقضاض على حقوقهم وبشكل ممنهج، يتعرضون لعمليات قمع واعتداءات على أيدي قوات قمعية مسلحة ومدججة، وفرض عقوبات فردية وجماعية عليهم، إضافة إلى تصعيد الاعتقال الإداري التعسفي والعزل الانفرادي والإهمال الطبي والحرمان من الزيارات والتصعيد باستخدام التعذيب، وغيرها من الممارسات التي تنتهك أبسط حقوق الأسرى الإنسانية والمعيشية.

ولعل الأخطر في السياسات الإسرائيلية هو تشريع القوانين ضد الأسرى كقانون التغذية القسرية بحق الأسرى المضربين، واعتقال القاصرين من أعمار 12 عامًا ورفع الأحكام بحقهم، والاعتقالات لمجرد الاشتباه، وقوانين إعفاء المحققين من توثيق التعذيب صوتا وصورة، وغيرها من القوانين الجائرة التي تضع الأسرى عنوانا واضحا للهجوم الإسرائيلي.

وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة ما تقوم به المحاكم العسكرية الإسرائيلية من فرض أحكام عالية على القاصرين مصحوبة بغرامات مالية باهظة، إضافة إلى فرض تعويضات مالية كبيرة على المعتقلين، بحيث أصبح الضحية الذي يدافع عن نفسه وكرامته يدفع تعويضا للمعتدي والمجرم.

ما تبغيه “إسرائيل” من هجومها السياسي والقانوني الميداني على الأسرى هو تحطيم المعنى الذي يمثله الأسرى كأسرى حرية ومناضلين ضد الاحتلال، وبالتالي تحطيم مفهوم النضال التحرري الفلسطيني وشرعية المقاومة الفلسطينية التي أقرتها قرارات الأمم المتحدة وكافة القوانين الدولية والإنسانية، بحيث تتصرف حكومة الاحتلال مع الأسرى والشعب الفلسطيني كأنها دولة غير محتلة، وأن الشعب الفلسطيني هو المعتدي عليها.

من المهم في ظل هذه المآسي الخطيرة التي يتعرض لها الأسرى وضع آليات لحمايتهم وطنيا وقانونيا ما دامت دولة الاحتلال تتصرف كدولة فوق القانون وتستهتر بالقيم والثقافة ومبادئ العدالة الإنسانية، وأهم أداة في أيدي الفلسطينيين الآن هي إحالة حالات جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة يتعرض لها الأسرى إلى المحكمة الجنائية الدولية وحث المحكمة على فتح تحقيقات مع المسؤولين لإاسرائيليين حتى لا تبقى “إسرائيل” كسلطة محتلة منفلتة من المحاسبة والعقاب الدولي.

بعد أن أصبحت الشخصية القانوينة لدولة فلسطين ذات أهمية فاعلة بالانضمام للكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ودولة عضو مراقب في الأمم المتحدة، من الضروري أن يتم رفع طلب عاجل لمجلس الأمن وللأمم المتحدة لاتخاذ قرار رادع حول انتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الأسرى واستمرارها في ارتكاب الجرائم الإنسانية بحقهم، والطلب بإرسال لجان تحقيق دولية حول أوضاع الأسرى في السجون وما يتعرضون له من سياسات القمع والبطش وسلب الحقوق.

ومن الأهمية تنشيط العمل الدبلوماسي والإعلامي لتعزيز مقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي على المستوى الدولي، والطلب من الدول المبرمة اتفاقيات شراكة عسكرية وأمنية وتجارية وسياحية وثقافية مع “إسرائيل” أن تجمد أو توقف هذه الاتفاقيات بسبب انتهاك “إسرائيل” لحقوق الإنسان الفلسطيني بشكل عام وللأسرى بشكل خاص.

هناك خطر حقيقي وجدّي على الأسرى وطنيا وإنسانيا وقانونيا، والخطر يمس حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي ناضل الأسرى وضحوا في سبيله، ويمتد أكثر ليمس شرعية النضال الوطني الفلسطيني، وأبعد من ذلك المجتمع الفلسطيني الذي تستهدف الاعتقالات تدميره وتحميله أعباء لا تطاق من المعاناة الإنسانية والاجتماعية.

لقد أصبح الأسرى مكشوفين، عرضة للهجوم المتواصل داخل السجون ومراكز التحقيق والتوقيف، وعرضة لاستلاب حقوقهم على المستوى الدولي بالتحريض الإسرائيلي السافر عليهم، ومحاولات الضغط الإسرائيلي وخاصة في الجانب المالي لوقف دعم موازنة السلطة الفلسطينية بسبب العناية الاجتماعية بالأسرى وذويهم.

إن أقوال الفيلسوف سارتر هي ما تنطبق على المحتل الإسرائيلي في تعامله مع الأسرى والمعتقلين عندما قال: إن المُستعمِر ليس شبيه الإنسان، وإنه يسعى إلى تخفيض مستوى البشر إلى مستوى القرود ومعاملتِها معاملة الدواب، فالعنف الاستعماري لا يريد المحافظة على إخضاع هؤلاء البشر المستعبَدين، وإنما أن يجردهم من إنسانيتهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات