إخلاء عمونا.. دراما سياسية على وقع السُّعار الاستيطاني

على مدار يومين متواصلين كانت “الدراما” لا “الإعلام” هي السمة الطاغية على عمل وسائل الإعلام العبرية المختلفة، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، في محاولة لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من عملية إخلاء مستوطنة “عمونا” المقامة على أراضي بلدة سلواد شرقي رام الله.
فبعد أن أصدرت أعلى محكمة في الكيان الصهيوني قرارًا نهائيًّا بإخلاء المستوطنة القائمة بالكامل على أراض فلسطينية خاصة، لم يكن أمام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من مفر سوى تنفيذ قرار المحكمة، ولكن لا مانع من الاستفادة من عملية الإخلاء إعلاميا وسياسيا.
عملية إخلاء 45 عائلة للمستوطنين في عمونا التي بدأت فجر يوم الأربعاء (1-2) وانتهت مساء الخميس (2-2)، واكبتها وسائل الإعلام العبرية بالبث الحي المباشر، لتنقل صورة درامية مؤثرة حول “إنسانية” مصطنعة يتمتع بها الجندي أو الشرطي الصهيوني في مثل هذه الحالات.
إنسانية عنصرية
ويقول المختص بالإعلام العبري محمد أبو علان لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: إن كل الجهات في الكيان؛ سياسية وأمنية وإعلامية، أرادات أن تسوق الأجهزة الأمنية الصهيونية بشكل عام، وجهاز الشرطة والمستوطنين بشكل خاص، على أنهم على قدر من “الإنسانية” في التعامل، وإن تعرضوا لنوع من العنف.
لكن “إنسانية” شرطة الاحتلال ومستوطنيه مصطنعة وعنصرية؛ كون الأمر يتعلق باليهود هذه المرّة، بخلاف ما جرى في قرية “أم الحيران” في النقب المحتل قبل حوالي أسبوعين.
ويقارن أبو علان بين مشاهد أفراد شرطة الاحتلال عبر الإعلام العبري وهم يتحملون الأذى والإهانات من المستوطنين أثناء إخلاء “عمونا”، مقابل مشاهدهم وهم ينتهكون حرمة بيوت “أم الحيران” في الصباح الباكر، وفي أجواء البرد القارس، لترحيل وتشريد الشيوخ والنساء والأطفال لبناء مستوطنة مكانها.
ويشير إلى أن عناصر شرطة الاحتلال وجنود حرس الحدود الذين حاولوا الظهور بمظهر “إنساني” في إخلاء مستوطنة “عمونا”، هم أنفسهم الذين أعدموا عشرات الأطفال الفلسطينيين بدم بارد خلال العام والنصف الماضيين.
المستوطنون .. مزاعم المقاومة السلمية
أما المستوطنون الذي حاولوا الظهور بأنهم ينتهجون المقاومة السلبية غير العنيفة، فهم من طينة المستوطنين الذي أحرقوا الشهيد محمد أبو خضير حياً، ومن أحرق أفراد عائلة دوابشة وهم نيام، ومنهم المجرم “باروخ جولدشتاين” الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي.
ومن حيث لا تدري، أثبتت وسائل الإعلام العبري من خلال تغطيتها إخلاء “عمونا” أن العنصرية الصهيونية هي جزء أصيل من المنظومة السياسية والأمنية في الكيان.
ويقول أبو علان إن العنصرية الصهيونية برزت بشكل واضح في وسائل الإعلام العبرية التي لم تعط أي اهتمام لعمليات هدم منازل الفلسطينيين وتشريدهم، في الوقت الذي عملت على الترويج لصور تحاول من خلالها تجميل الوجه البشع للمؤسسة الأمنية والمستوطنين.
ويبين أن مراسلي القنوات العبرية أظهروا في البث الحي تعاطفا كبيرا مع المستوطنين، وعملوا جاهدين لجذب تعاطف المشاهد معهم من خلال تعمد بث مشاهد مؤثرة.
مشاهد مصطنعة
المشاهد “الإنسانية” المصطنعة التي حاولت إظهارها وسائل الإعلام العبرية و”الدراما” التي رافقتها، لم تنطل على وسائل الإعلام الدولية؛ فقد اعترف إعلاميون صهاينة أن وسائل الإعلام الدولية ركزت على قرار بناء 3000 وحدة استيطانية جديدة أكثر من تركيزها على إخلاء مستوطنة “عمونا”.
من جانب آخر، يرى أبو علان أن إثارة الموضوع بهذا الحجم وإعطاءه كل هذا الاهتمام هو دلالة على قوة تأثير المستوطنين على المستوى السياسي في الكيان.
ويبين أن ما يسميه “المستوى السياسي” في الكيان لا يريد خسارة المستوطنين باعتبارهم مخزونا انتخابيا مهمًّا لحزبي الليكود والبيت اليهودي، ولهذا كان رد نتنياهو على قرار المحكمة بالإعلان عن إقامة مستوطنة جديدة لمستوطني “عمونا”، وهذه أول مرة منذ 1992 تقام مستوطنة جديدة بقرار حكومي ولا تبدأ ببؤرة استيطانية.
ويشير أبو علان إلى أن مستوطنة “عمونا” ما هي إلا واحدة من بين عشرات البؤر الاستيطانية المقامة على أراض خاصة، وحتى المستوطنات التي يصفها الكيان بالشرعية، تضم آلاف الوحدات القائمة على أراض خاصة، مثل مستوطنة “ارئيل” التي بها 16 وحدة، و”عوفرة” وبها 9 وحدات.
ولهذا جاءت مساعي الحكومة الصهيونية لسنّ قانون تسوية البؤر الاستيطانية؛ لشرعنة هذه الوحدات الاستيطانية.
“السُعار” الاستيطاني
الزخم الذي رافق عملية إخلاء عمونا، يشير بوضوح إلى رغبة نتنياهو بإلهاء العالم عن حالة “السُعار” الاستيطاني التي أعقبت تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مقاليد الحكم في العشرين من شهر يناير الماضي، واستغلال هذه الضجة في التغطية على المشاريع الاستيطانية المتسارعة.
فبعد تولي ترمب مهامه أعطى نتنياهو الضوء الأخضر لأركان حكومته لرفع القيود عن الاستيطان الذي لم يتوقف أصلا طيلة السنوات الماضية، وهو ما وجد ترجمته بمصادقة الاحتلال على ثمانية آلاف وحدة سكنية خلال 13 يومًا.
ورافق ذلك عمليات هدم وتشريد في العديد من البلدات الفلسطينية، سواء في الضفة أو داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وبدأت بإخلاء قرية أم الحيران وهدم 11 بيتاً في بلدة قلنسوة بحجة عدم الترخيص.
إخلاء 45 عائلة للمستوطنين تصاحبه ضجة إعلامية مفتعلة فاقت في حجمها جرائم اقتلاع مئات الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم، ومشاريع استيطانية ضخمة تسعى لإحلال آلاف المستوطنين على الأرض الفلسطينية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابة 43 فلسطينيًا باقتحام قوات الاحتلال البلدة القديمة في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 3 فلسطينيين بينهم طفل، برصاص قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي و40 آخرون بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، إثر اقتحام...

كتائب القسام تكشف تفاصيل كمين مركب شرقي رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، اليوم الأحد، عن تفاصيل كمين مركب نفذته في قوة من جيش الاحتلال...

الصحة العالمية: غزة تفتقر إلى كل شيء والوضع قريب من الهاوية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام وصفت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، الوضع الصحي في قطاع غزة بأنه "كارثي وقريب من من الهاوية"،...

معركة زيكيم.. يوم فر مقاتلي النخبة الإسرائيلية من مواجهة القسام
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام كشف تحقيق إسرائيلي حول معركة زيكيم، عن هجوم نوعي نفذه مقاتلو كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عبر البحر،...

أونروا تدعو لتضافر الجهود لمنع كارثة إنسانية غير مسبوقة بغزة
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام طالبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بتضافر الجهود الدولية لمنع "كارثة إنسانية غير مسبوقة" في...

استشهاد المعتقل الإداري محيي الدين نجم من جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد المعتقل الإداري، محيي الدين فهمي سعيد نجم (60 عاماً) من جنين، في مستشفى (سوروكا) الإسرائيليّ، ليضاف إلى سجل...

توثيق 25 ألف انتهاك ضدّ المحتوى الفلسطيني على منصّات التواصل في 2024
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز صدى سوشال الفلسطيني، 25 ألف حالة انتهاك للمحتوى الرقمي الفلسطيني في العام 2024 على المنصات الرقمية...